أدت ظاهرة الاحتباس الحراري وما تمخض عنها من تغير في مناخ كوكب الأرض إلى نقص حاد في كميات المياه العذبة في الكثير من مناطق العالم وخصوصاً في الدول النامية والفقيرة. كان للتغير الحاصل في مناخ الكرة الأرضية دوراً مهماً في عدم انتظام معدلات سقوط الأمطار في الكثير من مناطق العالم حيث ازدادت كميات الأمطار في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية مقابل انخفاض ملحوظ في سقوط الأمطار في الجزء الجنوبي منها. يستهلك الإنسان حوالي ثلاثة أرباع كميات المياه العذبة في مجال الزراعة وسقي الحيوانات. هنالك مجموعة من العوامل تلعب دوراً مهماً في تناقص كميات المياه العذبة عالمياً هي:
تزايد الحاجة للمياه العذبة في النشاطات الزراعية وتربية الحيوانات من أجل توفير الغذاء الكافي من المنتجات الغذائية النباتية والحيوانية لمليارات من البشر الذين يعيشون في مختلف بلدان العالم.
تزايد الطلب على المياه العذبة في البلدان النامية والفقيرة نتيجة الزيادة الكبيرة في تعداد السكان في هذه البلدان. تركز أعداد كبيرة من السكان في المدن الكبيرة مثل القاهرة وبومباي وجاكارتا وسان باولو حيث يعيش حوالي ثلثي سكان الكرة الأرضية في المدن يزيد من استهلاك المياه في بعض المناطق من العالم.
زيادة معدلات التلوث المائي وزيادة ملوحة المياه في الكثير من الأنهار والبحيرات العذبة في البلدان النامية والفقيرة نتيجة النقص الكبير في شبكات الصرف الصحي ومحطات معالجة المياه قبل إعادتها الى الأنهار. إن التلوث الحاصل في الكثير من الأنهار ومنها نهر البنجاب ونهر الفرات نتيجة تصريف مخلفات الصناعة والزراعة في مياه هذه الأنهار جعل المياه العذبة فيها غير صالحة للاستهلاك البشري والحيواني والزراعي مما يفقد الكثير من البلدان مصادر مهمة للمياه العذبة.
يعد نقص المياه العذبة من اهم الأسباب التي تؤدي الى نشوب توترات بين مختلف الدول وتؤدي في الكثير من الأحيان الى نشوب حروب بين مختلف البلدان ومجاميع السكان على مصادر المياه. إن منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي تهددها الحروب على مصادر المياه العذبة.
تستخدم المياه العذبة في الكثير من الأحيان كعوامل ضغط من أجل الحصول على مكتسبات سياسية واقتصادية وهي جزء من الصراع بين هذه البلدان. أما في المناطق الأخرى من العالم فان هناك الكثير من الصراعات بين الدول على مصادر المياه العذبة وخصوصاً بين البلدان التي تمر بها أنهار مشتركة مثل الصين ولاوس وفيتنام وتايلند التي تتقاسم مياه نهر الميكونغ.
كما وان بلدان مثل السودان ومصر واثيوبيا لازالت تعاني من مشاكل جراء عدم الاتفاق على تقاسم الحصص المائية لنهر النيل بيت هذه البلدان. كذلك تتنازع كل من زامبيا وزمبابوي وموزمبيق على مياه نهر زامبيزي في حين يهدد السلام بين كل من الهند وباكستان مشكلة النزاع على نهر البنجاب الذي يغذي ملايين الهكتارات الزراعية وملايين السكان في كلا البلدين بالمياه العذبة. تعتبر مشكلة تقاسم مياه نهري دجلة والفرات بين العراق وسوريا وتركيا من أهم المشاكل التي تهدد المنطقة إذا لم يتم الاتفاق على معاهدة دولية عادلة تنصف كل الأطراف وتوفر المياه العذبة لسكان هذه البلدان.
هناك صراعاً دولياً بين جمهوريات طاجيكستان وقرغيزستان واوزبكستان وهي من جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق على تقاسم مياه نهري سور داريا وامو داريا وايضاً بين الولايات المتحدة والمكسيك على مياه نهر ريو غراندا وبين الأرجنتين والبرازيل والباراغواي على تقاسم مياه نهر بارانا المشترك في أميركا الجنوبية. أصبحت مشكلة توفير المياه العذبة للسكان وتقاسم مياه الأنهار المشتركة بين مختلف البلدان قضية مهمة وحساسة باتت تهدد السلام والاستقرار في الكثير من مناطق العالم وخصوصاً في البلدان النامية والفقيرة والتي تعاني أصلاً من مشكلة نقص المياه العذبة والتي تلعب ظاهرة التغير المناخي دوراً مؤثراً فيها.
إن استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عن معدلات القرن الماضي يمكن له أن يؤدي في المستقبل القريب الى نقصان في كميات المياه العذبة لأكثر من ملياري نسمة من سكان كوكبنا وخصوصاً في المناطق المكتظة بالسكان عالمياً مثل الهند والصين.
يتوقع ان يزداد عدد السكان الذين يعانون من نقص المياه العذبة حوالي 200-300 مليون شخص خلال العقود القليلة القادمة إذا استمرت معدلات درجات الحرارة عالمياً بالارتفاع.