يعتبر تلوث المياه بالمواد الكيميائية إحدى أهم المشكلات المقلقة التي تواجه الإنسان ويعود مصدر هذا النوع من التلوث الى التكنولوجيا الحديثة التي لم تتمكن من وضع مواد جديدة قادرة على تدوير نفسها كما تفعل جميع المواد الطبيعية تبعا للقانون العام للطبيعة.
وتلعب الملوثات الكيماوية دورا في تخريب نمو وتوالد معظم الأجناس البحرية النباتية والحيوانية كما تسبب اختلالا في ضبط التوازن البيولوجي للبحر؛ كما أن قسم كبيراً من هذه الملوثات تتناوله عملية التحول الغذائي بواسطة الكائنات الحية وظاهرات التجمع وتؤدي في حالة بعض الأملاح المعدنية الى تسميم الإنسان الذي هو المستهلك النهائي.
وحاليا يكثر عدد الملوثات الكيميائية المضرة بالبحار وتزداد المنتجات الجديدة بصورة سريعة اذ يصل عدد المنتجات الصناعية السامة رسمياً إلى أكثر من 500 منتج.
المبيدات في الحيوانات البحرية
اثبت (ج.دويل ) في مطلع السبعينيات أن 98% من عينات الأسماك والأصداف والقشريات في البحر المتوسط تحتوي على رواسب أساسها مبيدات الحشرات ولكنه استنتج أن تجمعها في عرض البحر هو أقل منه في الأجزاء البحرية الساحلية .
وتكمن صعوبة دراسة التلوث الكيماوي في أنه وقبل كل شي؛ يصعب الحصول على المعلومات المتعلقة بالفضلات الصناعية بسبب الاسرار الصناعية؛ أو المخاوف الخاصة بالملاحقات القانونية التي قد يتعرض لها المسئولين عن هذا التلوث.
كما ان عدد المواد الكيماوية الخاصة بفضلات مصنع واحد قد يكون كبيرا جداً كما يمكن ان تكون هذه المواد التي ستصبح في النهاية جداً سامه موجودة فقط بكميات ضئيلة جداً.
ولكن هنا سوف أتعرض لأشهر ملوثات البحار الكيماوية كنموذج على التلوث البحري الكيماوي وهي الهيدروكربونات المكلورة
الهيدروكربونات المكلورة
وهي مركبات هيدروكربونيه تحتوي على كلور وتبلغ فترة النصف لها إلى 10 سنوات ليحدث لها عملية الانحلال البيولوجي
وتستخدم هذه المركبات في مبيدات الحشرات العضوية المكلوره (organo chlores)ومن أهم مركباتها :
1- مادة P.C.P (poly chlorinated) ثنائي الفينيل متعدد الكلور (Bi phyenyle)
2- مادة D.D.T(Dichloro Diphenoyl Trichloro Ethan)
وتدخل كلا من P.C.P و D.T.D في تركيب مبيدات الحشرات والأفات الصناعية والزراعية ؛كما تستخدم في صناعة المواد البلاستيكية كعازل كهربائي ملون ؛وفي تركيب العديد من الدهانات وحبر المطابع كعنصر مساعد )اsynergiste) .
وتكمن خطورة الهيدروكربونات المكلورة في أنها لا تذوب في الماء ولا تغوص الى الأعماق بل تطفو على سطح الماء فتمتصها الأحياء السطحية ؛كما انها تجذب اليها ما طفح من النفط من البقع النفطية وكريات القار التي تنتشر عليها بعض الأحياء المائية مثل الديدان وبراغيث البحر والجمبري ؛وعند مهاجمة الأسماك لهذه الأنواع من الأحياء المائية فأنها تلتهمها ملوثة بالمواد السمية
وتصل هذه المركبات الى البحار والمحيطات نتيجة القاء الفضلات الصناعية السائلة مع البقايا المحتوية على مواد بلاستيكية إما الى البحار مباشرة أو الى الأنهار التي تصب في البحار والمحيطات.
كما قد تنتقل إلى البحار ايضا عن طريق مياة الأمطار نتيجة تلوث الهواء بالاحتراق للمنتجات التركيبية في المزابل ؛وكذلك عند استخدامها في المدن الساحلية ؛مثلا في رش الطرق حيث تقوم مياة الصرف الصحي بصرفها الى البحر أو المحيط المجاور إما مباشرة أو عبر وسيط مائي كما ذكرت .
كما تجدر الاشارة الى ان مخلفات المبيدات الزراعية في الأرض الزراعية لمدة طويلة قد تصل الى 20 عام وتتراكم عاما بعد عام لتصل الى تركيزات عالية مما يؤدي الى تسربها الى البحار عبر مصادر المياه.
تتصف مركبات P.C.P بسميتها الشديدة فهي تؤثر تاثيرا سيئا في البيئة التي تظهر فيها وتلوثها تماما ولا تتحلل بسهولة وتظل في الماء لعشر سنوات
اما بالنسبة الى D.D.T فتتصف ايضا بالثبات الكيميائي وتتصف ايضا بتراكمها في مراحل مختلفة من سلسة الطعام .
وقد ثبت علميا بان هذه المركبات تؤثر على الجهاز العصبي فمثلا تأثير D.D.T السام يقترن بتأثيراته على أغشية الجهاز العصبي كما يتأثر الكبد بدرجة كبيرة إذ تسبب نخراً بؤريا لخلايا الكبد في الحيوانات وأن أكثر من 90% من D.D.T المخزون في جسم الانسان مستمد من الطعام
وغالبا ما تقبل نسبة 5 اجزاء من المليون من D.D.T كحد اقصى للتغذية البشرية أي بما لا يتجاوز 0.005 ملغم لكل كجم من وزن الأنسان حسب تحديد منظمة الصحة العالمية .
وتتواجد المركبات الهيدروكربونية المكلورة في كل الاجسام البحرية أياً كان تمركزها الجغرافي ؛وتوجد في أكثر المياة ابتعادا عن مراكز النشاط الأنساني خصوصا في انسجة بعض الطيور البيلاجية كطيور النوء “Leach -wilson” التى لا تاتي إلى البر إلا للتوالد حيث تسجل نسبيا قد تصل الى بضعة أجزاء من المليون من ال P.C.P وحتى 900 جزء من المليون من D.D.T .
وفي دراسات على كائنات بحر البلطيق سجلت في أسماك الرنكة (Harengs) في بعض الأماكن معدل (6.8) أجزاء من المليون من P.C.P و17 جزء من المليون من D.D.T بينما كانت المعدلات في عجول البحر (phogues) أعلى بخمس مرات تقريباً
وفي عام 1971م اتلفت مؤسسة (Food and drug administration ) 350 كجم من سمك المرجان الكاليفورني أو السرغوس (dorades) المحتوي على 19 جزء من المليون والملوث بفضلات أحد مصانع المبيدات ؛في حين منعت السويد إستهلاك الزيت المستخرج من كيد سمك (morue) المحتوي على نسب عالية من P.C.P
وقد لا يكون تأثر جميع الأجناس بهذه الملوثات على النحو ذاته فمثلا التركيب الضوئي للبلانكتونات النباتية (Plant planktones) تتأذى كثيرا بمواد D.D.T حتى وإن كانت بمقدار قليل كما يبدو أن أجناس القريدس (Crevettes) تظهر نسبة عاليه من التأثر وتموت اذا تعرضت لمقدار ضئيل لا يزيد عن 0.01جزء بالمليون من D.D.T أما الرخويات والأصداف فتظهر بسرعة بإضطرابات سلوكية وتنحبس مما يمنعها من البحث عن غذائها .
وبشكل عام فهي تجمع الهيدروكروبونات المكلورة وتفرزها بصورة أسرع مما تفعله الأسماك .
كما أن مبيدات الحشرات قادرة أيضا على إعاقة نمو بيض الأسماك وهو ما يزال داخل الجيب الجيني ؛؛ وتصل معدلات تجمع D.D.T في الأعضاء التناسلية لبعض الأجناس الى عشرة أضعاف أو أكثر أحيانا من المعدلات الموجودة في بقية الأنسجة مما يمكن أن يفسر انخفاض معدلات الخصوبة .
في عام 1966م درس كيمان (koeman) بعناية طير خطاف البحر (sterres) على الساحل الهولندي وأظهرت الدراسة أن كبد الطير يحتوي على 4 أجزاء من المليون من الديلدرين وجزء واحد من المليون من التيلودرين ؛؛ وعلى نوعين من مبيدات الحشرات ذات التأثير المساعد أما أسماك الرنكة الصغيرة التي يتغذى عليها فقد كانت هي الأخرى ملوثة بمعدل جزء واحد بالمليون
ومن هنا نرى خطورة الهيدروكربونات المكلورة على الحياة البحرية وخطرها على الأنسان من خلال غذائة حيث تنتقل الى الأنسان مع الدورة الغذائية مسببه له اضرار صحية على المدى الطويل بتراكمها في انسجة جسمه
ومن اهم هذه الأضرار الصحية امراض الكبد والسرطان بالاضافة الى تأثيرها على الكائنات الأخرى وذلك بإكسابها طعماً غريباً مثل الاسماك والتقليل من اهميتها الاقتصادية.
حيث أن 49 ملغم من مادة D.D.T لكل كجم من جسم الانسان يمكن ان يسبب زيادة في حدوث الاورام في الكبد والرئتين والأعضاء الليمفاوية ؛؛كما ان 15-5غرام D.D.T (heptachlor) تؤدي الى السرطان وتلف الجهاز العصبي .
فمنها كلوريد الفاينيل مادة سامة وتسبب الإصابة بالسرطان ؛ويعتبر مركب الدايوكسين من أشد المواد سمية حيث قد تبلغ حداً مشابهاً لغاز الأعصاب ؛كما يؤدي الأثر السام للدايوكسن والمركبات المماثلة له إلى إصابة بعض الأنسجة الرخوة بأورام خبيثة ؛وقد يحدث التقرحات الجلدية الشديدة أو يؤدي إلى إنجاب أطفال مشوهين وقد يحدث الوفاة.
لذلك تم حظر استعمال هذه المركبات في العديد من الدول ولكن بالرغم من ذلك فما زالت اثارها باقية الى الآن.
فهمي الشتوي