عبد الرحمن الواصل
يعدُّ تحليل البيانات وتفسيرها خطوةً موصِّلة إلى النتائج، فالباحث ينتقل بعد إتمامه تجهيز البيانات وتصنيفها إلى مرحلة تحليلها وتفسيرها واختبار فرضيَّاتها لاستخلاص النتائج منها وتقدير إمكانيَّة تعميمها؛ أي أنَّ الباحث لكي يصل إلى ذلك يحتاج إلى تحليل بياناته، وقد كان تحليل المعلومات والبيانات حتى وقت قريب يقتصر على التحليل الفلسفيِّ والمنطقيِّ والمقارنة البسيطة، ولكنَّ الاتِّجاه في الوقت المعاصر هو الاعتماد على الطرق الإحصائيَّة والأساليب الكميَّة؛ فهي تساعد الباحثَ على تحليل بيانات دراسته ووصفها وصفاً أكثر دقَّة، وتساعد على حساب الدقَّة النسبيَّة للقياسات المستخدمة.
وتعدُّ مرحلة التحليل من أهمِّ مراحل البحث العلميِّ وأخطرها، وعليها تتوقَّف التفسيرات والنتائج؛ ولهذا يجب على الباحثِ أن يوليها أكبر قسطٍ من العناية والاهتمام، وأن يكونَ حذراً ويقظاً وإلاَّ أصبحت نتائجه وتفسيراته مشكوكاً فيها؛ وهذا ممَّا يقلِّل من قيمة دراسته، وفي هذه المرحلة من مراحل البحث يفكِّر الباحث في أمورٍ مهمَّة يرتكز عليها نجاح بحثه، وهي: المنهج ونوع البحث والأداة والمسلك، والمسلكُ هو الطريقة التي يسلكها الباحث حين يقترب أو يعالج موضوع البحث؛ أي من أي زاوية يبدأ وبماذا يبدأ وبماذا ينتهي.
وتجب الإشارة إلى أنَّ الطرق الإحصائيَّة تستخدم عادة بفعاليَّة أكبر بالنسبة للبيانات ذات الطبيعة الكميَّة، ويتَّخذ التحليل الإحصائيُّ طرقاً وأشكالاً تتراوح بين إيجاد مقاييس التوسُّط ومقاييس التشتُّت والنزعة المركزيَّة إلى دراسة الارتباط بين الظواهر وعمليَّات اختبار الفرضيَّات، وتلك من موضوعات علم الإحصاء والتي يحتاج الباحثون لإتقانها فاستخدامها إلى الرجوع إليها في مصادرها، ولكن يمكن الإشارة إلى ذلك بالإشارات التوضيحيَّة الآتيـة:
1- مقاييس التوسُّط:
تعدُّ مقاييس التوسُّط أكثر الطرق الإحصائيَّة استخداماً، فهي تقيس النزعة المركزيَّة بالنسبة لصفاتٍ أو خصائص معيَّنة، وتعتمد هذه المقاييس على المتوسِّطات التي تستخدم لتمثِّل القيمة المركزيَّة للتوزيع، ومنها ما يأتي:
1) الوسط الحسابيُّ: ويحسب بقسمة مجموع قيم المفردات على عددها.
2) الوسيط: وهو نقطة الوسط في المشاهدات (الأرقام، القيم) بعد ترتيبها تصاعديّاً أو تنازليّاً، أي أنَّه القيمة التي يسبقها عدد من القيم مساوٍ لعدد القيم اللاحقة.
3) المنوال: وهو القيم التي يكون تكرارها أكبر من أي قيمة أخرى؛ أي أنَّها التي تبيِّن أكثر تكرارا.
4) الربيعات: وذلك بقسمة المفردات إلى أربعة أرباع، فالربيع الأدنى يكون حين ترتيب المفردات تصاعديّاً القيمة التي يسبقها ربع القيم في الترتيب ويتبعها ثلاثة أرباع القيم، فيما الربيع الأعلى هي القيمة التي سبقتها ثلاثة أرباع القيم.
5) الوسط الهندسيُّ: ويساوي جذر عدد المفردات لحاصل ضرب المفردات، وتستخدم اللوغاريتمات لاستخراج الوسط الهندسيِّ، ويفيد الوسط الهندسيُّ في إيجاد متوسِّط النسب والمعدَّلات والأرقام القياسيَّة.
6) المؤشِّرات القياسيَّة: توضِّح المؤشِّرات القياسيَّة التغييرات النسبيَّة التي تحدث في مجموعة بيانات من وقت لآخر أو من مكان لآخر أو من درجة لأخرى، ومن أمثلتها الشائعة الأرقام القياسيَّة كدليل تكلفة المعيشة.
2- مقاييس التشتُّت:
تحدِّد مقاييس التشتُّت درجة اختلاف البيانات عن بعضها أو عن متوسِّطاتها، وبعبارة أخرى تبيِّن هذه المقاييس درجة التشتُّت بالنسبة لصفة معيَّنة، فمثلاً تفيد الباحث معرفة الوسط الحسابيِّ لدرجات الطلاَّب في مادة الجغرافيا، ولكن إذا كانت درجات بعض الطلاب مرتفعة جدّاً ودرجات بعض الطلاب منخفضة جدّا، فإنَّ الباحث يهتمُّ بمعرفة درجة التشتُّت في الدرجات، ومن مقاييس التشتُّت ما يلي:
1) المدى: وهو الفرق بين أكبر قيمة وأصغر قيمة في البيانات، فمثلاً إذا كانت أكبر درجة في مادة الجغرافيا 96 وأصغر درجة 42 يكون المدى = 96 – 42 = 54، ولكن المدى يُعَابُ بأنَّه يتأثَّر بالقيم الشاذة؛ لأنَّه يأخذ بالاعتبار قيمتين فقط، فإذا كانت القيمة الشاذة كبيرة جدّاً يصبح المدى قليل الفائدة.
2) الانحراف المعياريُّ: وهو أكثر مقاييس التشتُّت استخداماً ودقَّة في قياس درجة التشتُّت في البيانات، ويساوي الجذر التربيعيَّ لمربَّع انحرافات قيم المفردات عن وسطها الحسابيِّ، ومن ميزات الانحراف المعياريِّ أنَّ جميع المفردات تدخل في تحديده، ويستخدم في مجالاتٍ متعدِّدة في التحليل، كاختبار الفرضيَّات ومعامل الارتباط.
3- الانحدار والارتباط:
يُعْنَى تحليلُ الانحدار بدراسة العلاقة بين متغيِّرين أو أكثر بحيث يمكن التنبؤ بأحدهما إذا عرفت قيمةُ المتغيِّر الآخر، فإذا حدِّدت العلاقة بين تقديرات الطلبة الذين يلتحقون بالمدرسة الثانويَّة من شهاداتهم للمرحلة المتوسِّطة وبين تقديراتهم عند التخرُّج من المرحلة الثانويَّة فإنَّه يمكن التنبؤ بتقديرات عيِّنة من الطلبة تلتحق بالمدرسة الثانويَّة.
ويتعلَّق الارتباط بتحديد نوع العلاقة بين متغيِّرين عندما لا تكون هناك لأحدهما قيمة محدَّدة مسبقاً، فإذا ما أراد باحثٍ ما دراسة العلاقة بين تسرُّب طلاَّب الصفِّ الأول من المرحلة الثانويَّة وأعداد المواد الدراسيَّة فيه فإنَّه يحاول إيجاد الارتباط بينهما، وحيث تحتاج بعض الدراسات التربويَّة إلى التنبؤ بقيمة المتغيِّرات المستهدفة بالنسبة إلى الواقع المدروس في ضوء التطوير المتَّخذ فإنَّ تحليل الانحدار يعطي الباحثين وسيلةً تمكِّنهم من ذلك.
ولتحليل الانحدار وتحليل الارتباط للكشف عن العلاقة بين متغيِّرات مستقلَّة ومتغيِّرات تابعة معادلات رياضيَّة، ولتحديد مستوى الثقة في نتائج تلك المعادلات معادلات أخرى وأساليب تجعل التنبؤات قريبة ممَّا سيكون.
هل تتوفر لديكم مراجع مقال تحليل بيانات البحث العلمي وتفسيرها واختبار الفرضيَّات