شهدت السنوات القليلة الماضية تنامي الطلب العالمي على اقتناء الأجهزة الالكترونية الحديثة كالهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب وأجهزة التسلية وغيرها الكثير، ومن المفارقة أن تلك الأجهزة تصبح بعد وقت قليل من اقتنائها قديمة ويتم التخلص منها وشراء أخرى جديدة، مما يتسبب في تراكمها في البيئة وما يشكله هذا من مخاطر صحية كبيرة على صحة الإنسان.
إن النفايات الالكترونية تحتوي على نسبة عالية جدا من مسببات التلوث، مما يجعل لها تأثيرا سلبيا للغاية على الصحة العامة في حالة عدم التخلص منها بطريقة سليمة، وقد تبني الاتحاد الأوروبي تشريعا يلزم مصنعي الأجهزة بعملية التخلص من بقايا الأجهزة المستعملة التي تحولت في الحقيقة إلى خردة، بما في ذلك عمليات المعالجة وإعادة التصنيع.
ولا يختلف اثنان على السرعة العجيبة التي يسير بها التقدم التكنولوجي في العالم على كافة الأصعدة، والتي ساهمت بها دون شك المنافسة والتسابق المستمر بين مختلف المنتجين والشركات للفوز برضا المستهلكين على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وأعمارهم وأحيانا أمزجتهم.
فلا يمضى عام إلا ونلاحظ ان التكنولوجيا التي كنا نستخدمها قد عفى عليها الزمن، وان الأجيال الجديدة للأجهزة الالكترونية التي اشتريناها منذ سنة أو سنتين أصبحت قديمة، ويدخل في هذا النطاق أشياء كثيرة نستخدمها في حياتنا اليومية، مثل الهواتف المحمولة، والحواسب الشخصية، وأجهزة الكمبيوتر المحمول، وغيرها.
والمشكلة أكبر بالنسبة للدول الصناعية، حيث يجد المستهلك نفسه امام تقدم تكنولوجي لا ينتهي، وخاصة بالنسبة لأجهزة مثل أجهزة الهاتف المحمول، والذي في العادة ما يقوم الشخص هناك بتغييره مرة على الأقل في العام الواحد، في حين يعتبر المتخصصون ان العمر الافتراضي للكمبيوتر المحمول لكي يؤدي بنفس الكفاءة يتراوح بين عامين وثلاثة أعوام.
مخاطر النفايات الالكترونية على الإنسان والبيئة
العالم أصبح لا يمكنه الاستغناء عن تلك الأجهزة لتسيير شئونه اليومية، في حين تؤكد منظمات متخصصة أمثال” جرينبيس” (Greenpeace) ووكالة حماية البيئة الأمريكية، ان مكونات تلك الاجهزة تحتوي على خليط من مئات المواد الضارة، بل وبعضها سام، وله أخطار لا تحصى على الصحة.
وتؤكد جرينبيس ان جهاز تليفون محمول واحد يمكن ان يحتوي على ما بين 500 و1000 مادة مختلفة، بينها مواد ثقيلة مثل الرصاص والزئبق والكادميوم، بالإضافة لمواد كيميائية وبلاستيكية يعتبرها المتخصصون في مجموعها بمثابة قنبلة ملوثة للبيئة.
فالزئبق، وهو معروف” بالسم الهادئ”، يمكنه ان يؤدى لاختلالات في الجهاز العصبي بالنسبة للعاملين المعرضين له بشكل مباشر، ناهيك عن الضرر الذي يمكن ان يسببه لوظائف العقل والكلى، وكذلك امراض مثل الحساسية، وغيرها.
كما تؤكد جرينبيس على ان تعرض الاطفال للرصاص قد يسبب لهم مشكلات في النمو العقلي، في حين يؤدي لمضاعفات سلبية على النظام العصبي والدورة الدموية عند البالغين، أما بالنسبة للمواد البلاستيكية، وخاصة البولي فينيل كلوريد، فينتج عنها انبعاثات سامة وملوثة للبيئة بدرجة عالية، كما انها تقاوم للبقاء في الغلاف الجوي.
و في اوروبا فقط يتسبب كل شخص بحوالي 16 كيلوجرام سنويا من تلك المنتجات المهملة، والتي يمكن تسميتها بـ”القمامة الالكترونية” للعالم المتحضر.
في النهاية، يبقي ان تعي المجتمعات ان الاستهلاك الزائد عن الحد والغير ضروري لتلك الأجهزة تكون نتيجته في الغالب عدم القدرة على التعامل مع المخلفات الالكترونية.
تصدير النفايات لدول العالم الثالث
وتشير البيانات إلى ان كميات كبيرة جدا من تلك المخلفات يتم نقلها بصورة سرية من الدول الصناعية الكبرى إلى بلدان لا تطبق المعايير الدولية لحماية البيئة، أو ان لديها سياسات اكثر تسامحا في هذا الشأن، ولا تعنى بشكل كبير بحقوق وقواعد الامان بالنسبة للعاملين بها. وبحسب جرينبيس، فان المنظمة الأمريكية لحماية البيئة كانت قد رصدت في العام 2000 أكثر من أربعة ملايين و600 الف طن مخلفات الكترونية في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من جميع التحذيرات إلا ان الحل الاسهل أو بمعنى اكثر دقة الأرخص، هو ارسال تلك ”القمامة الالكترونية” لدول نامية أو على طريق التنمية، بدلا من التخلص منها بشكل سليم في المكان أو البلد التي استخدمت فيه.
ورغم ان تصدير تلك المخلفات لدول نامية أو فقيرة هو عمل غير مشروع، الا انه امر شائع جدا، وفي بلدان مثل دول غرب أفريقيا يمكن رؤية كميات من أجهزة الكمبيوتر من هذا النوع، بعد ان تم استعمالها من قبل شركات أوروبية، وحتى مؤسسات رسمية لدول مختلفة.
ويشار إلى ان ارسال تلك المخلفات للبلدان النامية هو غير قانوني بالنسبة للدول الموقعة على معاهدة ”بازل” (سويسرا)، وليس من بينها الولايات المتحدة. وتقدر جرينبيس ان ما بين 50% و80% من الاجهزة التي يتم الاستغناء عنها في الولايات المتحدة ينتهي بها الحال في احد بلدان الشرق الاقصى أو أفريقيا. ومن ناحية اخرى فان احد الجوانب السيئة لتلك العملية يكمن في انتشار عمالة الاطفال في المجتمعات النامية، وعلى نطاق واسع، حتى أنه في كثير من الحالات ليس من الصعب أن نرى أطفالا صغارا يتنقلون بين حزمات من الرقائق الالكترونية، والكابلات وغيرها من تلك المخلفات.
ويكفي ان نشير إلى ان الأضرار التي قد تلحق بصغار السن الذين يتعرضون لتلك المواد تتراوح بين توقف النمو، والصداع المزمن، ومشاكل في التنفس، وصعوبات في التعلم ومشكلات في السمع، ضمن أخطار أخرى كثيرة.
لكم جزيل الشكر والتقدير على جهودكم المميزة