ليس الافتراس في عالم الحيوانات وحده وانما هناك نباتات وحشية او مفترسة توقع بفرائسها بطريق نصب الفخاخ، وقد طورت هذه النباتات اساليب وطرقا ذكية للتغلب على مشاق الحياة وعندما تتواجد في بيئات فقيرة بالغذاء، وغالبية هذه النباتات الآكلة للحوم تحورت اوراقها مكونة الجزء الذي يسمى الفخ « Trap» وهو مكيف لامتصاص العناصر الغذائية التي تتكون في هذا الجزء من النبات في حين انه في النباتات الاخرى تصبح الجذور وحدها المسؤولة عن امتصاص الاغذية.
ومن آليات هذه النباتات المفترسة وتفننها في اصطياد الحشرات من فرائسها طرحها بعض الحيل والاغراءات كالرائحة السكرية المغرية والالوان الزاهية او مواد مخدرة لزجة مما لا يتيح لاي نملة غافلة أو ذنبور او نحلة هدفها امتصاص الرحيق ان تفلت من هذه الفخاخ البارعة.
هذه النباتات صغيرة الحجم اي لا يمكنها ان تفترس انسانا كما يظن بعضنا- ولكنها تفترس حيوانات في حجم الحشرات او الفئران الصغيرة او الضفادع العاجزة او المريضة.
ومن انواع النباتات اللاحمة التي عرفها العلم لحد الان نبات ( النيبنيش ) الذي ينمو في الادغال الرطبة المستنقعات وينتشر من مدغشقر حتى استراليا وقد تحورت اوراق هذه النباتات الى الاستطالة على شكل قدور محمولة في الوضع القائم على طرف الساق، وداخل تلك القدور توجد كمية من السائل الحاوي على انزيمات هاضمة كالتربسين والببسين، واثناء تطور تلك القدور يتكون لها غطاء شمعي دائم، هذه الغطاء يقوم بمهمتين:
الاولى: حماية القدور من ماء المطر.
الثانية: اجتذاب الحشرات لغدد الرحيق الموجودة في اسفل القدور، وتحاط حافة القدور باضلاع بارزة تتدلى حوافها الحادة للداخل وبين هذه الاضلاع توجد غدد الرحيق وحافة الجزء الداخلي للقدور ملساء لا تتيح فرصة للحشرات ان تتمكن من الوقوف، فتسقط وهذا هو الفخ بعينه.
هناك نوع اخر من النباتات المفترسة هو نبات الجرة وهو ينتشر في الجزء الشرقي من اميركا الشمالية وينمو في كثير من المستنقعات الحامضية التي تقل بها كمية النيتروجين ولهذه النباتات اوراق تشبه الجرة تتجمع فيها مياة الامطار وعلى الوجه الداخلي لشفتي الورقة المنتصبة توجد اوبار قاسية موجهة للداخل والأسفل وبينها توجد غدد تفرز عصارات تجذب الحشرات لتسقط داخل الورقة ويتحلل جسمها مما يجعل موادها جاهزة لتغذية النبات.
وتعيش نباتات فينوس او صائدة الذباب في ولاية كارولينا بالولايات المتحدة الأمركية ولنصل ورقة هذه النبتة مصرعان يتحركان حول العرق الوسطي وعلى كل احواف مصراع صف من الاشواك القوية، وتغطي سطح المصراع اوبار حساسة ذات عدد ضخم، وعندما تهبط الحشرة على الورقة ينغلق المصراعان وتتداخل اشواك الحواف حابسة الحشرة في الداخل، وفي نفس الوقت تبدأ الغدد بافراز الانزيمات لهضم الحشرة التي لا تستطيع الافلات من هذا الموت المحقق بعد اغلاق الصراع.
وتحمل اوراق نبات ورد الشمس اوبارا اسطوانية تنتهي بانتفاخات لزجة حساسة للاجسام الحاوية على بروتين، وعندما تحط عليها الحشرات تلتصق بها بسرعة وعندها تتجمع الزوائد الاخرى حول الحشرة مطبقة عليها مفرزة في نفس الوقت مزيدا من السائل اللزج، ثم يبدأ النبات بإذابة جسم الحشرة عن طريق عصاراته الهاضمة، وعندما تنفتح الورقة مرة اخرى لا يتبقى من جسم الحشرة الا الاجزاء «الكيتينية» فقط.
وهناك سؤال يتبادر الى الاذهان هل بالإمكان تربية هذه النباتات في منازلنا؟ وهل هي مفيدة في بعض الامور؟
للاجابة عن هذين السؤالين نقول: نعم ففي منغوليا- شمال الصين يستخدمون بعضها لتخثير الحليب، وفي بعض جزر الفلبين تضاف اوراق نباتات النيبنيش للارز المطبوخ على البخار وللطعام بشكل عام في استراليا لتحليته وجعله ازكى من غيره من المواد الغذائية الاخرى.
وفي اندونيسيا يستفيدون من انواع هذه النباتات في صنع الحبال كما تستخدم نباتات زينة، ولكن يجب الحذر من وضعها قرب الغرف المنزلية كما يقول الخبير الاسترالي بيري ميرس زايس: ان وضع هذه النباتات في المنازل كنباتات زينة سوف يؤدي الى زيادة عدد البعوض والذباب في المنازل لان البيئة الرطبة المبتلة للنباتات المفترسة سوف تصبح بيئة مناسبة لتكاثر هذه الحشرات وبالأخص البعوض، ولحد الان لم يثبت وجود انواع من هذه النباتات اللاحمة في الوطن العربي.
عادل محمد علي الحجاج
الجمعية الاردنية لتاريخ العلوم
مصدر الصور
pixabay.com