المدرسة وعلاقتها بالمجتمع

المدرسة مؤسسة اجتماعية
وظيفة المدرسة في الوقت الحاضر
المدرسة مركز إشعاع لخدمة المجتمع
مجلس الآباء والمعلمين

المدرسة مؤسسة اجتماعية :

لقد طرأ على المدرسة كمؤسسة اجتماعية عدة تغييرات حتى وصلت إلى وضعها الحالي وقد يكون من تلك العوامل الانتقال من البيئة الريفية إلى بيئة المدن أو تغير المناطق الزراعية إلى مناطق صناعية ، أو ازدیاد السكان الذي أدى إلى تغير مناطق كثيرة من التجانس إلى التنافر والاختلاف .

وكانت المدرسة إلى وقت ليس بالبعيد منعزلة عن المجتمع إلى درجة كبيرة والصلة بينها منعدمة و العلاقة بينها غير معروفة حيث قصرت رسالة المدرسة على ملء أذهان الطلاب بالعلوم والنظريات البعيدة عن واقع الحياة وما يجري من تغيير وما يعتريها من تطور ، و كانت المواد الدراسية التي تدرس كثيرة ومتعددة لا يتسع وقت الطالب لحفظها وتطبيقها على البيئة فقل تحصيله فيها ولم يتسن الاطلاع على المواد التي تتفق وميوله و استعداداته الخاصة مما أكد القول السائد، وقتئذ من أن المناهج توضع بدون التعرف على مستوى الطلاب العلمي ولا حاجاتهم الفعلية ولا اعتبار خاص لما يحتاجه المجتمع ، الأمر الذي تسبب في الفشل والاضطراب البعض الطلاب و الجمود و عدم مسايرة النهج العلمي المتطور .

وكان أفراد المجتمع ينظرون إلى المدرسة على اعتبار انها مجرد مبني قائم بذاته ليس لهم به ای شان او علاقة وآمنوا بهذه النظرية فترة طويلة واكتفوا باعتبار المدرسة مما هي إلا طريق يعد الطالب لنيل وظيفة حكومية ايا كانت هذه الوظيفة ، أما كون المدرسة يجب أن تعد الفرد للحياة في المجتمع والتوافق مع أفراده والإلمام بمشاكله و التعود على خدمته كل ذلك لم يكن له قيمة وهكذا نجد أن المدرسة قد بعدت كثيرة عن الهدف الذي أنشأت من اجله .

غير أن هذا الأمر سرعان ما تغير و انقلبت الأوضاع وخاصة بعد أن استنارت المجتمعات وتحررت الأفكار والمبادىء من العقلية القديمة ، فقد تغير هذا كله وأصبحت المدرسة الحديثة تؤمن بان رسالتها اكبر من مجرد تلقين الدروس والمعارف وإنما مهمتها الحقيقية هي إعداد المواطن الصالح الذي يعمل على خدمة وطنه وإعلاء شأنه وتوثيق الصلة بين الطالب و بين المجتمع الذي ينتمي اليه ليكون أكثر فاعلية في مدرسته و بيئته ، و بذلك تسابق الكثيرون واظهروا نشاطهم للعمل في ميادين خدمة البيئة ودراستها و ساهموا في مشروعات الخدمة العامة .

وبهذا تطورت رسالة المدرسة من المرحلة السلبية والانعزالية إلى المرحلة الايجابية والاجتماعية بكل مقوماتها و بذا أطلق على المدرسة اسم المؤسسة الاجتماعية .

وظيفة المدرسة في الوقت الحاضر :

للمدرسة في وقتنا هذا الذي نعيش فيه رسالة على جانب كبير من الخطورة و الأهمية اذ هي المؤسسة التي تعتمد عليها الدولة إلى حد كبير لا في المحافظة على كيان مجتمعنا العربي فحسب وإنما لإحداث تغيرات مقصودة في أساليب المعيشة ورفع مستوى الحياة العامة لأفراد الشعب .

والمدرسة كما هو معلوم لدينا مخصصة لتربية وتعليم أبنائنا وإذا قلنا تربية فإننا نعني تلك التربية الشاملة التي تتناول النواحي الجسمانية والعقلية والنفسية و الرياضية والاجتماعية والروحية ومساعدة كل طالب على أن ينمو نموا کاملا متكاملا .

وينبغي الا يغيب عن تفكيرنا أن الأمة تعلق آمالا كبارة على نوع التربية التي تقدم لأبنائنا ولهذا نجد أن الحكومات تصرف الملايين من الجنيهات لإنشاء المدارس والعمل على نشر التربية والتعليم بين المواطنين بغية جعل المدرسة مركز إشعاع ثماني و اجتماعي في البيئة لأنها تعمل على تحقيق ما تستهدفه الحكومات من إقامة حياة ديمقراطية سليمة أساسها تنویر الرأي العام وتحقيق العدالة الاجتماعية والنهوض بأهل القرية والحي عن طريق أنواع النشاط التي تسهم فيه المدرسة بنصيب ملحوظ کاقامة الحفلات التمثيلية والندوات الثقافية و المحاضرات و تعلم كبار السن في البيئة محو الامية ، وتبصير الأهالي بحقو فهم وواجباتهم و محاربة المفاسد العامة المنتشرة في البيئة … الخ .

و بذلك تصبح المدرسة وسيلة فعالة في التأثير على المجتمع بما يرفع المستوى الاجتماعي كله ، كما يصبح المعلم في بيئته رائدا اجتماعيا له أثره الواضح في البيئة و عندئذ تصير المدرسة وسيلة لغرس نواة المواطن الصالح لأنها تهئ فرصة التعليم لأبناء الشعب لا فرق بين غني وفقير يدخلها أبناء الشعب جميعا ثم يفرق
بينهم بعد ذلك الاستعداد الطبيعي و الكفايات الخاصة التي تتصل بالتلمذ نفسه لا بأهله و ذويه ، و بذلك أصبحت المدرسة الحالية وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقرير مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع ابناء الشعب .

وعلى هذا يمكن تلخيص وظيفة المدرسة على ضوء الصورة السابقة كالآتي :

1 – معاونة الطلاب على اكتساب المهارات الاساسية لعمليتي التعلم والنمو .
2 – معاونة الطلاب على تفهم العلاقات الاجتماعية و ممارستها .
3- معاونة الطلاب على اكتشاف استعداداتهم وقدراتهم وتنميتها .
4 – مساعدة الطلاب على استغلال وقت فراغهم استغلالا نافعا لهم ولمجتمعاتهم .
5 – مساعدة الطلاب على التفكير المنطقي المنظم والنقد البنائي الموجه .
6 – تكوين اتجاهات سليمة .
7 – توجيه العقلية الدراسية إلى اجتماعيات البيئة حتى يساهم فيها انفرد والجماعة ايجابية على أساس من الأخذ والعطاء .

من هنا نرى أن المدرسة لم تعد رسالتها تعليم القراءة والكتابة فحسب بل تعددت هذه الحدود الضيقة و خرجت إلى ميدان آخر أكثر حيوية ، وشعرت بأنها عامل هام في إيجاد الوعي القومي و تنظيم علاقات المجتمع وتحقيق المثل العليا .

المدرسة مركز إشعاع لخدمة المجتمع :

لا يمكن للمدرسة التي تريدها أن تستكمل صورتها – الا اذا عملت على توثيق صلاتها بالمجتمع وأفراده حتى يحسوا أن المدرسة ملك لهم ، يتحمسون لها ويهتدون بأمرها . ويعملون على النهوض بها حتى تؤدي رسالتها على الوجه الأكمل . وهي من جانبها تفتح أبوابها في كل وقت بعد انتهاء اليوم المدرسي وفي العطلات ترحب بآباء طلابها وأمهاتهم وأخواتهم ومعلميهم وغيرهم من الأهالي ليتخذوا منها ركيزة لنشاط متنوع في مختلف النواحي الرياضية والاجتماعية و الثقافية والفنية مستغلين في ذلك إمكانيات من عناصر الزيادة الرشيدة . وما تضمه من قاعات وملاعب و أفنية و أدوات و بذلك تصبح المدرسة منتدى للحي ومركز إشعاع للمجتمع .

وعلى هذا الأساس يتضح لنا مما تقدم أن مهمة المدرسة ذات شقين متكاملين ، الشق الأول هو ما يؤدي للطالب داخل نطاقها و الشق الثاني دورها في حياة الطالب خارجها وفي البيئة المحيطة بها.

وقد أدى ربط المدرسة بالبيئة و أولياء الأمور إلى التفكير في الاستفادة منها لتكون مركز إشعاع يهدف إلى خدمة البيئة ورفع مستواها خصوصا بعد ما اتضح من عدم امكان الفصل بينها و بين المدرسة .

والحقيقة الملموسة أن للمدرسة بعض إمكانيات تستطيع بواسطتها أن تحقق اهدافا كثيرة للأمة ، و نسرد فيما يلي بعض النقاط الهامة التي تهيء من المدرسة مكانة مرموقة لتحقيق هذه الأهداف .

لمبنى المدرسية أهمية كبرى من حيث صلاحيته لكثير من ضروب النشاط الاجتماعي والرياضي وان ضاق بعض الأحيان على الطلاب .

خلو المدرسة في اوقات كثيرة كالعطلات مما ييسر استثمارها للون جديد من النشاط الاجتماعي و الرياضي .

وهناك بعض المدارس مزودة بكثير من الأدوات و الأمكنة التي تصلح لأنواع النشاط المختلفة سواء كانت اجتماعية ام رياضية ام ترويحية كالقاعات الفسيحة والملاعب والمكتبات مما يوفر الكثير من الجهد والمال في الحصول على هذه الأدوات ، والمدرسة زاخرة بعدد كبير متنوع الثقافات من رجال التربية وهم يمتازون بخبرات وقدرات متعددة بالإضافة إلى عدد كبير من الطلاب يتميزون بالحيوية والنشاط ، كما أن لها شخصية معنوية وتتمتع بالاحترام و تحتل عند الجميع مكانة طيبة مما يجعلها خير مكان لتكون مركز اشعاع لخدمة البيئة وتنفيذ المشروعات .

هذا وفي الإمكان استخدام المدرسة لعدة خدمات ذات فائدة كبرى فيمكن استغلالها مثلا مكتبة عامة او كنزل للشباب او مراكز للدراسة والاستذكار كما يمكن أن تعقد بها المؤتمرات والاجتماعات لحل مشاكل الحي والأهالي وهكذا نجد أن الكثير من الحاجات الاجتماعية يمكن تحقيقها داخل مباني المدرسة ، ومما يجب الاشارة اليه أن المدرسة لا يمكن أن تؤدي هذه الخدمات ما لم يكن هناك تعاون وثيق وترابط تام بينها و بين المجتمع .

وينبغي أن يوضع في الاعتبار أن ذلك الاشعاع لا يتحقق اذا لم يصدر من المدرسة و المجتمع معة ، فتخرج المدرسة إلى المجتمع ويأتي افراد المجتمع إلى المدرسة حتى يمكن ان تكون قيادات واعية ترعى مصالح الشعب و كما يتكامل للمجتمع ركناه الاساسيان المدرسة والبيت .

وقد تختلف المدارس بعضها عن البعض الآخر من ناحية صلاحيتها و توافر إمكانياتها من حيث القاعات والملاعب والأبنية والأدوات فهناك مدارس غنية بهذه الإمكانيات و الغرف والملاعب بينا نجد مدارس أخرى مفتقرة إلى بعض هذه الإمكانيات .

وليس من شك أن مدارس النوع الأول أفضل من النوع الثاني غير أن هذا الأمر لا ينبغي أن يكون في الإحجام عن التفكير في جعل المدرسة المحدودة الإمكانيات مركز لإشعاع النشاط الاجتماعي لأنه اذا توافرت الرغبة الأكيدة في الخدمة واعتقد المسئولون بالمدرسة بأهمية الرسالة فان جميع الصعاب يمكن أن تذلل وجميع العقبات يمكن التغلب عليها .

مجلس الآباء و المعلمين كمظهر من مظاهر ربط المدرسة بالمجتمع :

أهدافه والحاجة اليه :

لاشك في أن المدرسة جزء من المجتمع لا يتجزأ و لذلك وجب أن تكون وثيقة الصلة به متفاعلة معه عاملة على رفع مستواه ، كما أن تربية الطلاب عملية مشتركة يسهم فيها كل من المنزل والمدرسة والبيئة ، فينبغي الاتصال المستمر بينها وإحكام الصلاة التي تربطها ليشعر الطالب انه يعيش في أسرة واحدة ومجتمع واحد ، غايته تبصيره وتثقيفه و تقویم خلقه وإعداده للحياة .


ومن خير الوسائل لذلك تكوين مجلس الآباء و المعلمين بالمدرسة وهذا المجلس يعمل على تحقيق الأهداف الآتية : –

1- توثيق الروابط بين المدرسة والبيت .
2 – التعاون بين المدرسة و البيئة في حل بعض المشاكل الاجتماعية بالمدرسة .
3- التعاون على حل ما يصادف المدرسين من مشاكل فردية خاصة بتلاميذهم .
4 – رفع المستوى الثقافي والاجتماعي والصحي بين أهل الحي بالندوات والاجتماعات والمحاضرات وغيرها .
5- الانتفاع بكتابات أولياء الأمور في الندوات و الاشتراك في رفع مستوى المدرسة وتبادل الرأي في كل ما يتصل بشئون التربية والتعليم .
6 – ربط المدرسة بالبيئة وإنعاش الحرف و الصناعات المحلية والرقي بها والعمل على قيام المدرسة بدورها كمركز إشعاع في البيئة و استفادة المدرسة من إمكانيات البيئة .

بقلم الأستاذ : عبد العزيز راشد

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *