مصطفى شقيب
القادة الحازمون، حتى لو كانوا يتمتعون بالكاريزما وبحس أخلاقي قوي، يعززون ما يسمى بالحالة الذهنية “الصفرية” ذات الحصيلة المنعدمة بين موظفيهم، معتقدين أنه لا يمكن للمرء التقدم إلا عن طريق خفض الآخرين.
“عازم”، “حازم”، حتى “مخيف”: العديد من الألفاظ المرتبطة عادة “بالقائد الجيد”. تميل الأبحاث النفسية إلى تأكيد أن القادة المهيمنين والانْبِسَاطِيّين يُنظر إليهم على أنهم أكفاء ومؤثرون ، سواء في الصناعة أو السياسة. فكروا في مؤسس أمازون جيف بيزوس أو الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك. بالنسبة للكثيرين منا، يُنظر إلى رواد الأعمال هؤلاء على أنهم ملهمون.
ولكن عندما نلقي نظرة فاحصة على الطريقة التي يديرون بها موظفيهم ، يمكننا تسجيل عيوب كثيرة. فهم يحاولون أحيانا فرض أنفسهم بالقوة، والدفاع عن طريقتهم الخاصة لإنجاز الأشياء بأي ثمن، حتى بتخويف الآخرين، بدلا من السعي لمناقشة أو استشارة زملائهم. وهذا يؤدي إلى مساوئ شديدة الخطر للمقاولات أو المنظمات أو الدول التي يديرونها …
وهكذا، درسنا في أعمالنا الأخيرة بعض النتائج السلبية لأسلوب قيادة مهيمنة. بواسطة سلسلة من الدراسات، برهنا أنه يؤدي إلى المزيد من ضعف التعاون بين الموظفين، لكونه يخلق مناخا من المنافسة. وينتج عن ذلك تهديد للتعاون وتبادل المعلومات والحل الجماعي للمشكلات داخل المنظمات التي ستستفيد من تعزيز هذه المواقف. فرضيتنا هي أن القائد المهيمن يخاطر بنشر ما يسمى بالحالة الذهنية “الصفرية”، التي تتميز بالفكرة التي مفادها أنه لا يمكن للمرء أن يتقدم بنفسه إلا على حساب الآخرين.
تعاون أقل في الديكتاتوريات
في دراستنا الأولى، نظرنا إلى القيادة السياسية، وقارنّا بين الديمقراطيات والديكتاتوريات. مع أن بعض القادة الديمقراطيين عدائيون ومنافسون، فمن المحتمل أن الديكتاتوريين هم من يتربعون على قمة الهيمنة ، الذين يبحثون على إخضاع الآخرين. فحصنا في هذا الصدد البيانات التي تم جمعها بين عامي 1981 و 2014 في 70 دولة في إطار مسح القيم العالمية ، الذي يحلل المعتقدات الاجتماعية والسياسية والثقافية للناس، مع التركيز بشكل خاص على مستوى موافقة المستجوبين على عبارات مثل: “لا يمكن للناس أن يصبحوا أثرياء إلا على حساب الآخرين. درسنا أيضا الأهمية التي يولونها لسلوكيات التعاون، بما في ذلك بين الجيران. والنتيجة:” يتمتع المواطنون في الأنظمة الدكتاتورية بعقلية صفرية أكثر بروزا مما في الديمقراطيات، وهم أقل ميلا إلى مساعدة الآخرين”.
في دراستنا الثانية، اختبرنا تأثير القيادة المهيمنة في سياق مهني. لهذا، صورنا سلسلة من مقاطع الفيديو، حيث قام ممثلون من الذكور والإناث بلعب دور قائد الفريق الذي قدم نفسه لمرؤوسيه، واصفا توقعاته ورؤيته للإدارة. كانت هذه الرؤية تميل في بعض الأحيان نحو الهيمنة – وصف القائد ميله إلى أن يكون حازما ويقرر ما هو الأفضل للفريق – وأحيانا نحو ما نسميه أسلوب “الهيبة.”
في الحالة الأخيرة، أكد المشرف على مدى تقديره لمساهمات الآخرين وكان يفضل اتباع نهج المساواة. ويأتي اسم هذا الأسلوب من حقيقة مفادها أنّ القائد يمارس نفوذه من خلال هيبته، لأنه ينظر إليه على أنه كفء ويشارك خبرته مع أعضاء المجموعة.
هيمنة أم مهابة؟
ثم بادرنا الى توظيف حوالي 600 متطوع، شاهدوا أحد مقاطع الفيديو هذه قبل الإجابة على استبيان يقيّم أسلوب تفكيرهم والسلوك الذي كانوا سيعتمدونه إذا عملوا لدى الرئيس الذي عُرض عليهم. فوجدنا أنّ المشاركين الذين واجهوا قائدا مهيمنا عبروا عن عقلية حصيلتها صفر وكانوا أقل ميلا لمساعدة الآخرين – على سبيل المثال، من خلال الاستماع إلى مشكلات زميل – مقارنة بأولئك الذين شاهدوا عرضا لمشرف “مهاب”.
سمحت لنا الاستبيانات والتحليلات الإضافية باستبعاد العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر على هذه النتائج. جنس القائد، على سبيل المثال، لم يكن له أي تأثير: سواء كانت الهيمنة من قبل رجل أو امرأة، فهذا يضعف في جميع الحالات التضامن الذي عبر عنه المشاركون، مع زيادة تفكيرهم الصفري. قد تلعب درجة الاستقلالية وطبيعة العمل دورا أيضا: بعد كل شيء، عندما يشعر الموظف أنه ليس لديه سيطرة على مهامه أو أن عمله لا ينطوي على تعاون، فقد يكون مترددا في مساعدة الآخرين، بغض النظر عن أسلوب قائده. ومع ذلك، كشفت تحليلاتنا أن هذه العوامل لم يكن لها سوى تأثير ضئيل على التفكير والسلوك، مقارنة بنوع القيادة. ولكن في هذه الدراسة، تم تقييم التعاون أساسا فقط من خلال إعلانات النيات. فهل تترجم حقا إلى سلوك؟
هذا ما تناولناه في التجربة التالية. بعد تقسيمها إلى فرق من أربعة أعضاء، قرأ المشاركون فقرة تصف قائد مجموعتهم، ثم أنجزوا مهمة عبر الإنترنت لنسخ النصوص. عندما انتهوا، عرضنا التطوع لمساعدة الأعضاء الآخرين في المجموعة الذين كانوا يطلبون المساعدة. وتم تأكيد فرضيتنا مرة أخرى: المشاركون تحت سيطرة قائد مهيمن ساعدوا فريقهم أقل بكثير.
ذهبنا أخيرا للتحقق من صحة استنتاجاتنا في المقاولات الواقعية، في هذه الحالة، تلك الموجودة في الهند. استطلعنا آراء 249 موظفا ينتمون إلى 50 فريقا مختلفا لقياس تفكيرهم وتقدير طريقة قيادة رئيسهم. وطلبنا كذلك من المشرفين تقييم سلوكيات التعاون لمرؤوسيهم. كما هو متوقع، كشفت مراجعة البيانات أنّ الأشخاص الذين يقودهم زعيم مهيمن كانوا في غالبيته ذوي تفكير حصيلته صفر وأقل احتمالا لمساعدة بعضهم البعض. مع التوضيح أنّ هذا التأثير كان صحيحا حتى عندما كان لدى الموظفين علاقة إيجابية بمشرفهم وكانوا يعدونه أخلاقيا للغاية ، وكلا العاملين يمكن أن يؤثرا على تفكيرهم وسلوكهم.
تعزيز ثقافة التعاون
في حين أن عددا من كتب وكتيبات التدريب الشعبية تعزز القيادة الواثقة والحازمة، فإن بحثنا يسلط الضوء بدلا من ذلك على المخاطر الناتجة: تنمية ثقافة “نفسي نفسي”. يجب أن يدرك القادة أن الإدارة المفرطة في الحزم أو التوجيه يمكن أن تقلل من التماسك والتعاون داخل فريقهم. من ناحية أخرى، ستستفيد المنظمات من الاهتمام بالأشخاص الذين تضعهم في مراكز المسؤولية. وعندما لا يتمكن المشرف من تخفيف طبعه المهيمن فعلى الإدارة موازنة تأثيره بواسطة تعزيز ثقافة التعاون داخل الفرق. على سبيل المثال، بواسطة التأكيد للموظفين على أن دعم بعضهم البعض هو جزء من عملهم. اقترح بعض الأكاديميين أيضا تضمين الأنشطة التي تنطوي على مساعدة الآخرين كجزء من عادة تشكيل الوظائف، وممارسة إشراك الموظفين في تحديد دورهم، بحيث يتماشى بشكل أفضل مع نقط قوتهم واهتماماتهم.
هناك العديد من الأمثلة الملموسة على التأثير السلبي للهيمنة وقيمة تغيير أساليب القيادة. كان ستيف بالمر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت، معروفا بنهجه الهرمي. تحت قيادته، فقدت الشركة الكثير من الزبائن لمصلحة منافسيها، بينما كانت تعاني من ثقافة الخوف والعديد من الصراعات الداخلية. لكن ثقافة الشركة تغيرت في عام 2014 مع وصول الرئيس التنفيذي الحالي، ساتيا ناديلا ، وهو قائد معروف بمهاراته ونهجه التعاطفي. وكان هدفها الرئيسي هو تحويل الموظفين عن التفكير الصفري لمصلحة ما يسمى بروح “التنمية”، التي تشجعهم على النظر إلى النجاحات والإخفاقات على أنها فرص لاكتساب المعرفة التي يمكن أن تفيد جميع الأطراف المعنية. منذ ذلك الحين، سجلت مايكروسوفت إيرادات وأسعار أسهم قياسية.
مترجم عن مجلة
Cerveau & Psycho N° 146 – Septembre 2022.P.14-16.
دراسة الكاتبان:
هيمانت كاكار أستاذ مساعد في التسيير بكلية فوجوا للأعمال
نيرو سيفاناثان أستاذ السلوك التنظيمي في كلية لندن للأعمال.
H. Kakkar et N. Sivanathan, The impact of leader dominance on employees’zero-sum mindset and helping behavior Journal of Applied Psychology, le 25 octobre 2021.