التعليم التقني في الوطن العربي

• مفهوم التعليم التقني
• موقع التعليم التقني في السلم التعليمي
• متطلبات اعداد المدرس التقني
• المعوقات التي تواجه التعليم التقني
• مقترحات لتطوير التعليم التقني

كتاب من تأليف الدكتور هاشم محمد سعيد عبد الوهاب
صدر عن المنظمة العربية
للتربية والثقافة والعلوم
تلخيص: محمد صافي

مقدمة

شهد الوطن العربي بكافة اقطاره اهتماما متزايدا بالتعليم التقني والمهني وعلى الأخص في العقود الثلاثة الاخيرة ضمن المحاولات التي تبذلها كافة الأقطار العربية لتجاوز مرحلة التخلف التي مرت بها الأمة العربية لقرون طويلة ومواكبة التطور السريع للتقدم التكنولوجي في العالم من اجل الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة وتسخيرها في اعادة البناء الحضاري للأمة العربية وتحقيق الحياة الأفضل للمواطن العربي، ويأتي الاهتمام بالتعليم التقني بمختلف مستوياته وأنماطه في التحولات التي يشهدها المجتمع العربي انطلاقا من الشعور والقناعة المتزايدة بأن اعداد القوى البشرية المدربة والمقتدرة على التعامل مع التكنولوجيا المعاصرة وفي مختلف مستويات التخصص هو مفتاح النهضة الشاملة في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

مفهوم التعليم التقني

1- فلسفة التعليم التقني : تنطلق النظرة الى التعليم التقني الذي يتم بعد المرحلة الثانوية من الدراسة أي للفئات العمرية بحدود ( 18 – 20 ) سنة الى أنه تعليم نظامي في مؤسسات ترتبط بهياكل التعليم بصورة مباشرة أو غير مباشرة والذي يتم فيه اكساب المهارات العملية واعطاء المعارف النظرية بصورة مباشرة أو غير مباشرة والذي يتم فيه اكساب المهارات العملية واعطاء المعارف النظرية بصورة تتناسب مع متطلبات العمل بحيث يستطيع التقني بعد اكمال برنامج الأعداد المقرر في الفترة الزمنية المحددة الانتقال الى سوق العمل المنتج ضمن مجموعات القوى العاملة التي تختلف مستويات مهاراتها ومعارفها باختلاف الأعمال والمهام التي تتوفر في الصناعة والزراعة والخدمات المختلفة، وتشكل مجموعة التقنيين حلقة الوصل الأساسية بما يضمن تناسق العمل وانسياب التوجيه والاشراف والتأكد من الدقة والتوافق بين فعاليات كافة العاملين ضمن مجموعات العمل بما يؤثر على كفاءة الأداء في الانتاج بكافة انواعه.

والمنطلق الآخر في التعليم التقني يستند الى واقع التقدم التكنولوجي السريع في العالم والذي يعتمد على تطوير العلوم لخدمة التقدم الحضاري السريع بالاستقلال الأمثل للموارد المتاحة من بشرية ومادية مما يجعل الحاجة إلى التخصص بدرجات متفاوتة من الدقة بحسب الاختصاص أمرا لا مفر منه.

2- الأهداف ان الآمال الكبيرة التي تعلقها الدول النامية ومنها أقطار الوطن العربي على التنمية الشاملة تضع على التعليم التقني مسؤولية جسيمة للدور الكبير الذي يلعبه في تحقيق التغيير الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتقني. ويمكن ادراج الأهداف الخاصة للتعليم التقنى بصورة مفصلة تبعا للواقع الاقتصادي والاجتماعي لكل قطر من الأقطار العربية الا ان هذه الأهداف تلتقي با يلي :

1- اعداد الأطر القنية التي تحتاجها مشاريع التنمية الاقتصادية والتي بمقدورها تشغيل وصيانة هذه المشاريع سواء كانت صناعية أو زراعة او خدمية.
2- تقليل او تجاوز النقص في الأطر التقنية في هرم القوى العاملة الحالي وتقليل الاعتماد على الأطر التقنية المستوردة من خارج الوطن العربي.
3- ربط التعليم التقني ومعاهده بالقطاعات الاقتصادية المستفيدة كي يكون القاعدة للتعليم والتطوير المستمر للأطر العاملة في الصناعة والزراعة والخدمات.
4- المناهج الدراسية تعتبر المناهج الدراسية والبرامج التدريبية المتبعة في اعداد التقنيين بمثابة جوهر التعليم التقني وانعكاسا لفلسفته لذا فلا بد من توفر المواصفات الخاصة بها وهي :

1- أن تضمن ترجمة اهداف التعليم التقني الى حقائق ملموسة وتكون كوسيلة لاعداد وتأهيل الطالب الى مرحلة العطاء والأداء الجيد والكفؤ في حقل العمل والانتاج.
2- أن تصاغ المناهج بشكل يضمن ارتباطها العضوي بواقع العمل ومتطلباته ووفقا لمستلزمات المشاريع التنموية.
3- يجب أن تكون مناهجه الدراسية ذات طابع مرن يمكن تعديلها واعادة النظر فيها كلما دعت الحاجة لذلك من خلال التقويم المستمر.
4- يجب أن يغلب الجانب العملي والتطبيقى على الجانب النظري في مناهج التعليم التقني.
ه – أن يتعرض الطالب لواقع العمل وظروفه قبل التخرج من خلال التدريب العملي والميداني ضمن المناهج المقررة لكي يتعرف على طبيعة العمل ويكتسب الخبرة الميدانية بما يجعله أكثر استعدادا.
6- يجب ان تحول المناهج دون جعل هذه المعاهد مركزا لاكساب المهارات فقط بل ان تضمن اعداد وتأهيل الطالب فكريا وتربويا في المرحلة العمرية التي هو فيها بالاضافة الى الاعداد والتأهيل العلمي والتقني.

موقع التعليم التقني في السلم التعليمي

يحتل التعليم التقني موقعا متشابها في السلم التعليمي لمعظم الأقطار العربية وتتراوح مدة الدراسة فيه بين 2-3 سنوات بعد الدراسة الثانوية وتعتمد أغلب الأقطار العربية في نظمها التعليمية في الوقت الحاضر في المراحل الدراسية التي تسبق ذلك على السلم التعليمي الذي تم اقراره في ميثاق الوحدة الثقافية العربية المبرم في 25 آذار (مارس) من عام 1957 والذي يتضمن ثلاث مراحل رئيسية هى:

1- المرحلة الابتدائية ومدة الدراسة فيها ست سنوات .
2- المرحلة الاعدادية ( المتوسطة ) ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات .
3- المرحلة الثانوية: ومدتها ثلاث سنوات.

ومن الملاحظ أن مجموع عدد السنوات الدراسية للمراحل الثلاث والتى تسبق مرحلة التعليم التقني متساو في جميع الأقطار العربية اذ يبلغ (12) سنة دراسية عدا تونس حيث يتراوح بين 12 و 13 سنة ، وقد سعت الأقطار العربية الى جعل التعليم الزاميا لمرحلة الدراسة الابتدائية على الأقل بحلول عام 1980 حسب تقدير وزراء التربية والوزراء المسؤولين عن التخطيط الاقتصادي العربية في الدول العربية في مؤتمرهم المنعقد في 1970 والمعقد في مراكش الا أن ذلك لم يتحقق في جميع الأقطار العربية وهنالك تفاوت في عدد سنوات التعليم الالزامي حيث يتراوح بين 5 سنوات كما في المغرب و 12 سنة كما في الكويت.

متطلبات اعداد المدرس التقني

1- الالمام بحقل اختصاصه والتفهم العميق لموضوعه.
2- الخبرة العملية والتطبيقية في حقل اختصاصه والاندفاع الذاتى لتطوير قدراته
3- الاستيعاب لمفهوم التعليم التقني وفلسفة الاقتناع والرغبة في مهنة التدريس
4- القابلية على صياغة المناهج الدراسية والبرامج التدريبية
5- التأهيل التربوي والفكري بما يتناسب ومتطلبات العمل .
6- التأهيل لاستخدام الوسائل والأساليب التعليمية الحديثة وايصال المعلومات للطلبة.

المعوقات التي تواجه التعليم التقني

1- النظرة الاجتماعية: ان موقف الطلبة يتأثر بصورة أساسية في كافة الأقطار العربية بتأثيرات العائلة والوالدين وهذا الموقف يؤثر بشكل واضح ومبسط في اعتماد مؤسسات التعليم العالي من جامعات ومعاهد تقنية على نتائج الامتحانات العامة والدرجات التي يحصل عليها الطالب للمنافسة للقبول حيث ان جميع الأقطار تعاني من ظاهرة عدم اختيار الطلبة للتعليم التقني كاختيار أول الا في حالات قليلة.

2- هيكل التعليم : ان هياكل التعليم في الأقطار العربية تتسم لالصلابة والجمود حيث لم تتطور هذه الهياكل بعد لكي تمتد بشكل واقعي وتشكل مع القطاعات المختلفة في المجتمع ما يعرف بنظم (التعليم غير النظامى) مما يتيح الانتقال الى سوق العمل والجمع بين العمل والتعليم بأنماط وصيغ مختلفة تتناسب مع طبيعة الأعمال وظروف العاملين أنفسهم.

3- التشريعات: انطلاقا من النظرة الاجتماعية السلبية تجاه التعليم التقني التي كانت ولازالت سائدة في الوطن العربي فان التشريعات المتعلقة بعمل ومكانة التقنيين وموقعهم في السلم الوظيفي وترقياتهم الوظيفية وحقوقهم المدنية والاجتماعية تكاد تشكل في اغلبها عقبة امام اقبال الطلبة على التعليم التقني.

حيث ان القوانين والتشريعات المتعلقة بالخدمة المدنية في اغلب اقطار العالم العربي قد أغفلت مكانة التقنيين وحقوقهم لأن هؤلاء التقنيين كفئة مهنية لم يكن لها وجود واضح عند تشريع تلك القوانين فأصبح التقني يعامل في بعض الأحيان أسوة بخريج الدراسة الثانوية .

ان الحاجة الى اعادة النظر في تشريعات العمل بصورة عامة أمر يقرره التطور المستمر للمجتمع. ولذا فقد
اتخذت بعض الأقطار العربية اجراءات هامة على طريق تعديل الواقع المشار اليه باصدار العديد من التشريعات التي تعالج النواقص التي أغفلتها التشريعات السابقة.

4- الحوافز: ان العقبات التي تقف في طريق تطور التعليم التقني والتي أشرنا الى بعضها آنفا ترتبط فيما بينها وتشكل الحلول المقترحة لمعالجتها بعض الحوافز التي ستؤثر على تحويل اتجاهات الطلبة نحو التعليم التقني سواء كانت حوافز مادية كمنح خريجي المعاهد التقنية رواتب مساوية لخريجي الجامعات وحوافز معنوية وذلك بفتح الأبواب أمام المتفوقين من االمعاهد التقنية وبصورة مقننة لاكمال الدراسة في نفس تخصصاتهم سواء في الجامعات داخل الوطن العربي او الحاقهم ببعثات خارج الوطن العربي.

5- التكاليف المالية: ان تكاليف التعليم التقني اذا ما نظر اليه بالقياس الى التعليم الاكاديمي تعتبر عالية بسبب المتطلبات الخاصة لهذا النوع من التعليم حيث يغلب الجانب العملي والتطبيقي على الجانب النظري مما يتطلب مساحات كبيرة من الأبنية كما يتطلب اجهزة ومعدات متطورة وكل ذلك يتطلب نفقات استثمارية عالية ونفقات جارية للصيانة والتشغيل والاضافات المستمرة للمعدات الحديثة.

6- ضعف التخطيط التربوي في بعض الأقطار . ان أغلب الخطط التربوية في الأقطار العربية يجري وضعها تحت تأثير الضغوط الاجتماعية للحصول على التعليم مهما كان نوعه وبتفضيل للتعليم العام والأكاديمى على حساب التعليم التقني وتكون في معزل تام عن احتياجات التنمية الفعلية ويقف المخططون التربويون عاجزين عن احداث تغيير في المسارات التعليمية نحو التعليم التقني لأن انشاء المعاهد التقنية يقع في أكثر الأحيان خارج الخبرات المتوفرة حاليا ضمن قطاعات التربية والتعليم.

7- قلة الأطر اللازمة للعمل في التعليم التقني. تحتاج المعاهد التقنية الى أعداد كبيرة من المدرسين التقنيين للقيام بالتدريسات النظرية والتطبيقات العملية وكذلك المدربين التقنيين في الورش والمختبرات وتشكو كافة الأقطار العربية من النقص الكبير من هذه الفئات.

8- التوزيع الجغرافي للمعاهد : ان المعاهد التقنية تكاد تكون مقتصرة على المدن الرئيسة في أغلب الأقطار العربية التي لديها معاهد للتعليم التقني مما يقلل الفرص امام التحاق الطلبة من المناطق البعيدة عنها كما يجعل تكاليف التعليم التقني تتزايد بسبب الحاجة الى توفير السكن والأقسام الداخلية للطلبة.

مقترحات لتطوير التعليم التقني

من أجل الاسراع في تطوير التعليم التقني وتوسيع قاعدته في أقطار الوطن العربى يمكن الأخذ بهذه المقترحات مع مراعاة الامكانات المتوفرة وظروف كل بلد .

1- العمل على توثيق العلاقة بين التخطيط التربوي والتخطيط الاقتصادي واعتماد مؤشرات لمتطلبات تنمية القوى العاملة لفترات متوسطة وطويلة المدى بحيث لا تقل عن 15 سنة .

2- التوسع في التعليم المهني في المرحلة الثانوية لاستكمال متطلبات هرم القوى العاملة وتحقيق التوازن فيه والعمل على توجيه ما لا يقل عن 85 % من الطلبة الى التعليم المهني .

3- العمل على زيادة عدد المعاهد التقنية وتوسيع انتشارها الجغرافي لكي تغطي كافة المدن.

4- توسيع نطاق التعاون العربي في مجال التعليم التقني لكي يشمل انشاء المعاهد الفنية بجهد مشترك.

5- فتح قنوات ومسارات جديدة ضمن هياكل ونظم التعليم لتطوير أنماط التعليم التقني وتنويعه وربطه بقنوات جديدة مع التعليم المهني من جهة وبالتعليم الجامعي من جهة اخرى واتباع سياسة الباب المفتوح في انسياب الطلبة بين مراحل التعليم المختلفة.

6- العمل على استحداث مؤسسات أو هيئات مستقلة او شبه مستقلة تتولى الاشراف على التعليم التقني وادارته ضمن القطر الواحد والعمل على ربط اجهزة هذا النوع من التعليم بالجهات المسؤولة في الأقطار العربية.

7- تطوير أساليب التعليم (غير النظامي) أو التعليم الموازي من خلال الجمع بين التعليم والعمل سواء بالدوام الجزئي او المسائي او أي نمط آخر.
8- العمل على انفتاح المعاهد التقنية على المجتمع وتفاعلها مع البيئة المحيطة بها لكي تلعب دورها كمؤسسات اجتماعية وثقافية .

9- السعي الى استحداث وحدات انتاجية وخدمية في المعاهد التقنية تقدم خدمات وفقا للتخصصات المتوفرة لديها .

10- مراعاة مشاركة المجتمع في رسم سياسة التعليم التقني عن طريق اشراك ممثلين عن القطاعات الانتاجية والخدمية والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة في المجالس والهيئات العلمية والادارية.

11- العمل على تشجيع انخراط المرأة في مختلف تخصصات التعليم التقني.

12- الاسراع في انجاز التوصيف المهني العربي الموحد الذي تقوم باعداده منظمة العمل العربية واعتماده من أجل توحيد التسميات الوظيفية للتقنيين وتحديد الأعمال التي تناط بهم.

13- تطوير أساليب الارشاد المهني والقيام بحملات توعية شاملة ومستمرة لتوضيح مفهوم التعليم التقني وأهميته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية باستخدام كافة وسائل الاعلام.

14- العمل على تحسين المكانة الاجتماعية للتقنيين بما يتناسب وأهميتهم في المجتمع.

15- العمل على ايجاد تنظيمات مهنية واجتماعية تعنى بشؤون التقنيين المهنية .

16- الاكثار من المعاهد المتعددة التقنيات أو المعاهد التقنية الشاملة لما لها من ميزات تربويه واجتماعيه واقتصادية.

17- لمعالجة النقص في المدرسين التقنيين هناك حاجة ماسة لفتح المزيد من الأقسام المتخصصة او الكليات في كافة الأقطار العربية لأعدادهم بما يؤمن توفير الأعداد اللازمة.

18- التوسع في استحداث مراكز متخصصة لتطوير الأطر التدريسية والتدريبية قبل دخول الخدمة وأثناءها.

19- السعي لتوحيد الأسس المعتمدة في صياغة واعداد المناهج الدراسية والبرامج التدريبية للتعليم التقني في الأقطار العربية.


20- التأكيد على تغليب الجانب العملي والتطبيقي في مناهج التعليم التقني وتطبيق مبدأ التدريب الميداني أثناء الدراسة أو خلال العطل الدراسية.

21- العمل على تعميم استعمال اللغة العربية في التعليم التقني لزيادة كفاءة التدريس باللغة القومية.

22- العمل على توحيد المصطلحات العلمية والتقنية العربية واعتماد المعاجم الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب في الرباط التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واستخدامها في التأليف والتدريس التقني.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التربية والمجتمع.. علاقة تكاملية وركيزة أساسية لتطور الأفراد

تُعد التربية والمجتمع من المحاور الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان وتحدد معالم تطوره. إن العلاقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *