شهد القرن الماضي تقدما كبيرا في مجال طب الأسنان والتي غيرت وبشكل واضح وكبير مسيرة هذا الفرع الهام من الطب، ويتناول المقال التالي الذي نشر في عن الوسيط لطب الأسنان أهم التطورات التي شهدها قطاع طب الأسنان في القرن العشرين والتي كان لها اكبر الأثر على صحة الإنسان.
تعتبر مشكلة أمراض الفم و الأسنان قديمة العهد يعاني منها الناس منذ آلاف السنين، وقد تمت ولادة طب الأسنان المستند على العلم في مطلع القرن التاسع عشر، حيث افتتحت أول كلية لطب الأسنان في عام 1840 في بتليمور (الولايات المتحدة الأميركية) استجابة للزيادة الهائلة في تسوس الأسنان، و لتعليم المهنيين قلع الأسنان المؤلمة، وشاع أيضاً استخدام الأملغام الفضي في العالم الغربي (استخدم الصينيون الأملغام في سد حفر الأسنان منذ ألفي عام) ونشر كل من Millerو Black كتبهم التي وضعت أسس و معايير الإمراض و معالجة تسوس الأسنان.
وشهد مطلع القرن العشرون زيادة كبيرة في عدد العاملين في طب الفم في البلدان الصناعية في أول الأمر، ومن ثم في البلدان النامية في العقود الحديثة. و للأسف كان التركيز على تأهيل و إنتاج أطباء الأسنان الذي قاد إلى شكل من الممارسة ركزت على المعالجة المكلفة ، وكانت أمراض الأسنان و أمراض نسج ما حول السن من أهم الأمراض المزمنة المخربة التي تصيب البشرية، و التي يمكن الوقاية منها و القضاء عليها تماماً.
وتضم قصة طب الأسنان الوقائي في القرن العشرين عدد من الدراسات التي غيرت سير رعاية صحة الفم جذرياً. و بالرغم من استخدام نتائج هذه الدراسات و منجزاتها جزئياً, فلا تزال كل من ممارسة طب الأسنان و التعليم و التأهيل يهتمان بالمعالجة عوضاً عن الاهتمام إجراءات تعزيز صحة الفم و الوقاية.
الفلوريدات:
كان اكتشاف قدرة الفلوريدات على الوقاية من تسوس الأسنان أهم في طب الأسنان الوقائي و كان فريدرك ماك من الرواد الأوائل في هذا المجال، حيث قام بدراسة الأسنان المصابة بالتبقع في الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم يعرف في عام 1928 سبب تبقع motted المينائي ،
ولكنه اكتشف أن لمياه الشرب علاقة في الوقاية من التسوس ، قام تشرشل وزملاؤه بقياس كميات منخفضة جداً من الفلور في الماء، وبذلك تم اكتشاف الأهمية الصحية للفلوريدات، وتابع دين و زملاؤه أبحاث الفلور التي أدت إلى فلورة مياه الشرب في الشبكات المنـزلية في عدد كبير من بلدان العالم، و لسوء الحظ أدى هذا الاكتشاف إلى خلق جدل أعاق تطبيق هذا الإجراء الصحي الهام في كثير من البلدان – ومع ذلك أدى الاستخدام الواسع للفوريدات بمختلف أشكالها إلى إنقاذ بلايين الأسنان من التسوس في القرن العشرين.
هجوم الحمض:
قام Stephen في عام 1944 بنشر نتائج دراسة هامة في مجلة أبحاث طب الأسنان حول تغيرات r قيم pH على سطح الميناء بعد تناول السكاروز و أكدت هذه الدراسة على دور هجوم الحمض في إحداث التسوس ، و استخدمت هذه النتائج في كثير من بلدان العالم على شكل ما يسمى بـ”موقَّت أو ساعة السكر” وهي التي ترشد الناس إلى تجنب تكرار تناول المنتجات السكرية.
تناول السكاكر:
أكدت دراسة Vipeholm دور تكرار تناول السكاكر في إحداث التسوس و أجريت هذه الدراسة خلال أعوام (1951-1946) ونشرت نتائجها في عام 1954 – وفي هذا التاريخ تم تأكيد جميع أسس طرق الوقاية من التسوس.
الجراثيم المسببة للتسوس
تأكدت نظرية Miller في نهاية الخمسينات حول دور الجراثيم في تطور التسوس بدراسات على الحيوان (في حفرة فم خالية أفادت أن هناك ثلاثة زراري من الجراثيم يمكن أن تبدأ التسوس و هي:
.Streptococci, Lactobacilli and Actinomyces
الحشوات الخاتمة للشقوق و الوهاد (الحشوات السادّة):
طور M.G Buonocore في الخمسينات المواد الرابطة و في السبعينات تبعها تقنية سد الميازيب و الوهاد التي أضيفت إلى الأسلحة الوقائية ضد تسوس الأسنان
بدائل السكاكر:
أشارت دراسة “تركو” في فلندا في السبعينات إلى تأثير مختلف السكاكر المسببة للتسوس و تُحلّى أعداد كبيرة من العلكات حالياً بالزليتول غير المسبب للتسوس إضافة إلى استعمال محليات كثيرة غير ضارة بالأسنان في كثير من بلدان العالم.
أمراض نسج ما حول الأسنان:
كانت التهاب اللثة و أمراضها المتقدمة المخربة مشكلة رئيسية لفترة طويلة لعدد كبير من السكان. ولايزال هناك بالرغم من الأبحاث المستفيضة كثير من الغموض حول هذه الأمراض، ونشرت الدراسة الرائدة بين صحة الفم و القلح ونسج ما حول السن في عام 1958 . و أجريت دراسة هامة مثيرة حول التهاب اللثة التجريبي حيث أدى امتناع طلاب طب الأسنان عن تفريش أسنانهم لمدة أسبوعين إلى الإصابة بالتهاب اللثة و النـزف 100% تقريباً.وقد توقف النـزف حتى و لو كان التفريش بسيطاً. و أجريت دراسات ميدانية كبيرة حول التاريخ الطبيعي لأمراض ما حول الأسنان في Sirlanka التي أشارت إلى إصابة 10% فقط من البالغين بفقدان الارتباط السريع بالرغم من عدم توفير رعاية مهنية لهم. و لاتزال أمراض نسج ما حول الأسنان و الوقاية منها تشكل تحدياً رئيسياً في أبحاث طب الفم
الوبائيات:
لم تلق الأبحاث الوبائية في طب الأسنان ومراقبة و تقييم خدمات صحة الفم الاهتمام الكاف في معظم البلدان، و لا تتوافر عادة معلومات كافية عن مستويات أمراض الفم و الأسنان، و المعالجات و الاتجاهات. و الأمر يشابه تماماً الإبحار دون خريطة و بوصلة
لم تلق الأبحاث الوبائية في طب الأسنان ومراقبة و تقييم خدمات صحة الفم الاهتمام الكاف في معظم البلدان، و لا تتوافر عادة معلومات كافية عن مستويات أمراض الفم و الأسنان، و المعالجات و الاتجاهات. و الأمر يشابه تماماً الإبحار دون خريطة و بوصلة
و لحسن الحظ قامت منظمة الصحة العالمية بتأسيس بنك المعلومات العالمي حول صحة الفم الذي وفر منذ الستينات معلومات جيدة عن تطور صحة الفم عالمياً, و أعطت صورة واضحة تماماً فأمراض تسوس و أمراض ما حول الأسنان انخفضت بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية في البلدان الصناعية. ولسوء الحظ يبدو أن هذه الأمراض أخذت بالازدياد في البلدان النامية . ودرست اللجنة المشتركة FDI/WHO في مطلع الثمانينات أسباب التطورات الإيجابية التي تحققت في صحة الفم في البلدان الصناعية، وأشارت النتائج أنه كان للاستخدام الواسع للفلوريدات دوراً هاماً في تراجع التسوس.
أخيرآ:
علوم مفيدة
لقد اقتصرت برامج تعزيز الصحة والوقاية من أمراض الفم و الأسنان بشكل كبير على التوجيه و الإرشاد، ولكن في الحقيقة لا تزال الخدمات العلاجية تهيمن على الممارسة لضبط هذه الأمراض. و أود هنا أن أشير إلى أن ما كتبه ريتشارد الردتون في عام 1992 “إن للمعالجات الترميمية التقليدية كثير من العيوب ، ولم يظهر أنها طريقة فعالة لتدبير تسوس الأسنان، ومع ذلك فلا يزال يجري تمكين عدد كبير من أطباء الأسنان للقيام بطرق ترميمية جائرة، مما يتوجب إعادة النظر بمثل هذه الطرق على ضوء التغيرات الحاصلة في قواعد طب الأسنان و اعتبارها غير مناسبة كعلاج طبي.
إن ممارسة طب الأسنان بحاجة للتغيير جذرياً فيما إذا أريد لهذه الطريقة (من رعاية طب الأسنان) أن تنحصر في حدودها الدنيا و أن توفر رعاية صحة الفم و الأسنان تستند على الوقاية. ومن المؤكد أنه قد تحقق كثير من التطورات و النجاحات في حقول طب الفم و الأسنان خلال القرن العشرين – و لكننا كمهنيين يجب أن نكون مستعدين لتقبل نقد ما نقوم به من أعمال. و هناك حاجة ماسة و على الأخص في البلدان النامية لإعادة تقييم مناهج تعليم طب الأسنان وبرامج رعاية صحة الفم لجعل القرن الحادي و العشرين عصر تعزيز الصحة و الوقاية، مع توفير معالجة بمستوى عال الجودة و إعادة التأهيل.إن الطرق ووسائل و أدوات العمل متوافرة مع مستوى عال الجودة و ما تحتاج إليه هو إعادة النظر في مواقفنا و تغيرها.