التربية وتحديات القرن الحادي والعشرين

الأستاذ الدكتور أحمد علي كنعان
رئيس قسم المناهج وأصول التدريس
كلية التربية – جامعة دمشق

تحديات هذا القرن كثيرة ومتنوعة، ولو رحنا نعدد هذه التحديات التي يحملها في طياته لأعيانا الحصر، ولسهولة الوقوف على بعضها نشير إلى أن المتخصصين بالدراسات المستقبلية يرون أن مستقبل العالم إذا استمرت الأوضاع الحالية على ما هي عليه، سيكون أشد ازدحاماً بالسكان إذ سيصل إلى عشرة مليارات عام 2030 وإلى 30 ملياراً في نهاية القرن الحادي والعشرين، وسيكون أقل استقراراً من الناحية البيئية وأكثر تعرضاً للاضطرابات ولانهيار الأوضاع الصحية وازدياد الفقر واستمرار التباين بين الدول الغنية والفقيرة وتدهور الأرض المزروعة وتزايد حدة أزمات المياه، وازدياد تغير التركيب الغلافي الجوي مما يؤدي إلى تغير المناخ، وازدياد تعرض بعض الحيوانات والنباتات إلى الانقراض فضلاً عن أن هذا القرن الجديد هو عصر التفجر المعرفي المتسارع والمعلوماتية والتقانة والمواصلات السريعة، وهو عصر العنف والمخدرات وانحسار القيم الإنسانية لصالح الاجتياح المادي. ( السيد، 1997، 532 )،هذا عدا عما نراه من مأساة وضع الدول العربية مشرقاً ومغرباً في النظام الدولي ، سواء على الصعيد السياسي أم على الصعيد الاقتصادي ، الحروب الأهلية ، وحالات العنف وأوضاع الحصار الاقتصادي المفروض على بعض الدول العربية من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة ، وانتشار الأمية بنسبة عالية تصل إلى ( 80 مليون نسمة تقريباً ) والعجز المستمر عن صد الهجوم الإسرائيلي الشرس المتواصل على الشعب العربي الفلسطيني ، ووضع اقتصادي باهت في زمن العولمة والنهضات الصناعية والخدماتية والعلمية المتواصلة في المناطق الأخرى من العالم . ( قرم ، 2003 ، 24ـ29 ) .

وما يهمنا هنا في هذا المجال هو معرفة كيفية مواجهة التربية لهذه التحديات والحفاظ على هويتنا الحضارية وانتمائنا لأمتنا العربية في زحمة هذه التحديات، وفي مقدمتها الاستلاب الثقافي والهيمنة الأجنبية في ظل العولمة الجديدة، ومحاولات القطب الواحد الهيمنة على الثقافات العالمية والتعليم.

الاستلاب الثقافي والهيمنة الأجنبية:

عصرنا الذي نحيا هو عصر الانفتاح والتفجر المعرفي، وإن سرعة التقدم في أنظمة الاتصال الدولي والمواصلات وتطوير أنظمة المعلومات والأقمار الصناعية زاد من سرعة الانفتاح العالمي والتعاون الدولي مما جعل العالم يتجه نحو التوحد والتكتل كما حصل في أوروبا وألمانيا، وقد أصبح العالم بفضل ثورة الاتصالات والمواصلات قرية صغيرة في خريطة الكون، وأصبحت الهيمنة الثقافية من الدول القوية على البلدان النامية أمراً محققاً، وفي ظل هذا التطور تحولت التربية من شأن مجتمعي محدود إلى قضية كلية أو عالمية أو شأن دولي، وأخذت كبرى منظمات الأمم المتحدة « البنك الدولي، اليونسكو، اليونيسف، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي » على عاتقها تكوين تحالف دولي من أجل التربية للجميع.

وتجدر الإشارة إلى أن الصناعات الثقافية بأشكالها المختلفة تمثل غزواً اقتصادياً للوطن العربي، فضلاً عن الغزو الثقافي الفكري، وتنتشر السلع الثقافية الأجنبية انتشار النار في الهشيم في أوساط الشباب بصورة خاصة، ولا تمثل الصحف والدوريات والكتب إلا جانباً ضئيلاً من هذه السلع.

أما كثرتها الكاثرة فتتجلى في الأفلام السينمائية وفي أدوات الموسيقى من أشرطة وأسطوانات وآلات وغير ذلك من أجهزة الفيديو والتسجيل وأجهزة التصوير المتطورة فضلاً عن الألعاب الخاصة بالأطفال والشباب ولا سيما الإلكترونية منها وسائر مبتكرات الصناعات الثقافية الإلكترونية، ويمثل هذا الغزو للمنتجات الثقافية تهديداً حقيقياً للوطن العربي اقتصادياً وفكرياً فضلاً عن تأثيره في سائر أنماط السلوك وخاصة عبر القنوات الفضائية، إذ تسرب تمجيد العنف واستثارة الغرائز والشهوات، وما قضية عبدة الشيطان عنا ببعيدة.


ولقد صرنا في الإعلام نظاماً تابعاً، وبشكل أو بآخر واكب نظام الإعلام العالمي عقولنا واستلبنا إليه، فما من صانع قرار عربي إلا ويجلس أمام الـ « C.N.N » عندما تنقل حدثاً معيناً أو عندما يرغب في تعرف أخبار معينة، ويستمع إلى ما تبثه الإذاعات العالمية عن وطنه أكثر مما يستمع إلى الإذاعات المحلية، ويثق بالإذاعات الخارجية أكثر مما يثق بإذاعته، ونحن مصابون على نطاق الساحة العربية بعقدتي التصاغر والتكابر، التصاغر تجاه الثقافة الأجنبية، والتكابر تجاه الثقافة العربية الإسلامية، مما يشكل خطراً كبيراً على الهوية الثقافية العربية ويعمل على خلخلة الانتماء. (السيد، 1997، 540-541).

مراجع البحث

إبراهيم، خالد قدري وعبد المنعم، ناديا (1999) الدراسات البينية في مدخل لتطوير مناهج التعليم المصري في ضوء العولمة، الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس، القاهرة.
أبو حطب، فؤاد (1999)، العولمة والتعليم، بين عولمة التعليم وتعليم العولمة، الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس، القاهرة.
أمين، جلال (1998)، العولمة، سلسلة اقرأ، رقم636،دار المعارف، القاهرة.
بخيت، خديجة أحمد السيد (1999) العولمة وتأثيراتها على مناهج التعليم، أهم الاتجاهات العالمية في هذا السياق وكيفية الإفادة منها في تطوير مناهج الاقتصاد المنـزلي للقرن الواحد والعشرين، الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس، القاهرة.
الجابري، محمد عابد (1998)، العولمة والهوية الثقافية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2.
جيبسون ،فريدريك (2001) العولمة والاستراتيجية السياسية ، ترجمة شوقي جلالا ، مجلة الثقافة العالمية ،الكويت ، العدد 104.
ديلور، جاك ( 1998)، التعلم ذلك الكنز الكامن، تعريب، د. جابر عبد الحميد جابر، القاهرة، دار النهضة العربية.
السويدي، وضحى(1994) الجامعة ودورها في مجال البحث العلمي، مجلة التربية، قطر العدد 110 السنة 23، سبتمبر.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

تعليق واحد

  1. حازم سيظ خالد

    الشكر الجزيل لموقعكم المميز على المقالات والمواضيع العلمية والتربوية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *