استخدام البصمة الوراثية في الكشف عن الجرائم

يترك الجناة عادة أثارا على ضحاياهم او في مكان الجريمة، قد تكون قطرات من الدم نتيجة لمقاومة الضحية او انسجة عضلية على اظافر المجني عليه او سائلا منويا اذا كان الاعتداء اغتصابا او شعر يعود اللجاني او بقايا من اللعاب او البول في مسرح الجريمة.

كيف يمكن إثبات أن هذه البقايا تعود الى المتهم؟ وبالتالي استخدامها كدليل في المحكمة؟

انها البصمة الجينية الموجودة في كل خلية من خلايا الانسان والمتمثلة بجزيئات DNA او الحامض النووي المنقوص الأكسجين ويتضمن هذا الجزيء جميع التعليمات اللازمة لإنشاء حياة الفرد او هي الوصفة المكتوبة لصنع الكائن الحي وبتسلسل کتب بلغة مشفرة مكونة من اربعة احرف فقط وهي عبارة عن اربعة مركبات كيميائية وتكون جزيئا كيميائيا يندمج ملتويا داخل كل خلية ويبلغ طوله حوالي مترين ومع ذلك لا يمكن رؤيته الا بالمجهر القوي. ولا يمكن ان يتشابه تسلسل هذا الجزيء بين شخصين اثنين على وجه الارض الا في حالة التوائم المتماثلة.

اذا يمكن أن يشكل هذا التسلسل الفريد من نوعه بصمة تميز كل إنسان عن غيره ، وبغياب بصمات الأصابع التي تترك في مسرح الجريمة يمكن اللجوء الى الكشف عن أية آثار من السابق ذكرها وهي في النهاية عبارة عن خلايا تصنع الدم او الشعر او الانسجة وبفك الشيفرة الوراثية في هذه الخلايا يمكن ان نثبت او نربط اونبين وجود علاقة بين الجاني والمجني عليه او اثبات بنوة طفل لاحد الابوین او كلاهما ولذلك تعتبر فحوصات ال DNA من اهم الادوات المستخدمة في المحاكم وخاصة في القضايا المستعصية على الحل والتي لا يجدي معها اساليب التحقيق التقليدية.

ورغم هذا الاستخدام لهذا السلاح العلمي الفعال الا ان هناك مشاكل تطفو على السطح عند استعماله كدليل في المحاكم. فمن المعروف انه اثناء المحاكمات تدور معارك يكون مسرحها قاعات المحاكم يكون أطرافها المدعون العامون من جهة ومحامو الدفاع من جهة اخرى ، ومثال على هذه المشاكل القضية الشائكة التالية:

في كانون الثاني من عام 1983 وجد سكان من مقاطعة ليستر في انجلترا الفتاة ليندا مان والبالغة من العمر 15 عاما في احد الممرات وقد جرى الاعتداء عليها جنسيا وقتلها من قبل احد الجناة. واستخدمت الطرق التقليدية في التحقيقات ولكن لغز الجريمة بقى بدون حل الى ان عثر على جثة فتاة اخرى من العمر نفسه في بلدة مجاورة وذلك في شهر تموز من عام 1986 حيث تم اغتصابها وقتلها بنفس الطريقة.

وعلى اثر ذلك قبض على احد المشتبه بهم وهو عامل في احد العيادات النفسية بدعی ريتشارد باکلاند. بدأت الشرطة محاولات اثبات علاقة باكلاند بالضحايا ولذلك تم الاستعانة بعالم الوراثة اليك جيفري من جامعة ليستر ويعتبر من ابرز علماء العالم في مجال تطوير التحاليل الجينية في الانسان. بدأ جيفري بأخذ عينات من الضحايا اثبت فيها ان هناك آثارا تدل على أن الجاني هو رجل واحد فقط ولكنه ليس باكلاند.

على اثر ذلك قامت الشرطة بعملية مسح جيني عام 1987 شملت أعدادا كبيرة من الذكور في المنطقة بغرض تحديد هوية DNA، ومن بين هؤلاء شخص يدعى كولن بیتشفورك الذي بدا عليه الخوف من عملية الفحص، ولذلك لجأ إلى الخداع حيث اقنع زميل له في العمل بان يعطي عينة من الدم نيابة عنه وبحلول شهر تموز من ذلك العام كان قد تم فحص 3600 عينة لم تكن اي واحدة منها تماثل تلك الموجودة على الضحايا.

في الشهر التالي من العام نفسه اعترف زميل بشفورك بانه اعطى العينة بالنيابة عنه ولذلك تم القبض على بنشفورك واعترف بالجرائم وتمت ادانته.

ويهمنا هنا ملاحظة الجهود المضنية والوقت الطويل والتكاليف الباهظة التي تكبدتها الشرطة رغم استخدام هذه الطريقة.


اذا هناك مشاكل تقف في طريق استخدام هذه التكنولوجيا ومنها ما يشبه عملية العثور على بصمات الاصابع في مكان الجريمة ، اذ لا يكفي ان تعثر الشرطة على بصمات شخص في مسرح الجريمة بل يجب ايضا اثبات ان صاحب البصمات هو بالفعل مرتكب الجريمة. ومن المشاكل الأخرى أن تكون العينة صغيرة جدا او مضى عليها زمن طويل او تكون مختلطة مع انسجة من اشخاص اخرين، وعينات الدم تكون عادة جافة وجزء مهم من جزيئات ال DNA فيها تالف، ومن المشاكل ايضا عدم إمكانية اعادة التجربة في المختبر عند العثور على عينة صغيرة جدا تستهلك كلها في تجربة ولمرة واحدة فقط. ومن المعوقات الاخرى ايضا لهذا النوع من الفحوصات ضرورة اجرائها على عدد كبير من الأشخاص وهي عملية مكلفة ومضنية جدا ومع ذلك قد تكون هي الطريق الوحيد الذي يجب سلوكه لتقديم المجرم الى العدالة لينال جزاءه.

د محمود العكش

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

شركة WardLin السويدية تفوز بجائزة الابتكار لعام 2024

أعلنت شركة (Företagfabriken)، الحاضنة الرائدة للشركات الناشئة في السويد وضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي والسويد لدعم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *