مهارة التدريس
تحسين عمل المعلم
النمو العلمي والمهني
لماذا يحسن بالمعلم أن ينمو في مهنته
أخي المعلم : في ضوء التفجر المعرفي ، والنمو الاقتصادي والتغيرات الاجتماعية والمؤثرات الفكرية ، كان من الضروري أن نعيد النظر في دورك الإجتماعي ، وفي أثرك ومكانتك .
من أنت ؟ وماذا عليك أن تفعل لتغير من واقعك ؟
إنك معلم والمعلم : كل إنسان يتولى تعليم أناس آخرين وإرشادهم وتوجيههم ، بإكسابهم المعارف والحقائق والقواعد والأحكام الشرعية والإجتماعية والمهارات ، ويسهم في تنمية القيم الدينية والإجتماعية ، وبناء الاتجاهات الإيجابية ، مما يساعد المتعلمين على حسن التكيف الإجتماعي، والتقبل والتفاعل مع الآخرين ، من خلال انواع الأنشطة والفعاليات المخطط لها ، واستخدام الوسائل التعليمية المتاحة بشكل صحيح ، والإفادة من البيئتين : الإجتماعية والمادية التي تهيؤها للمتعلمين في المواقف الصفية .
مهارة التدريس :
إن مهارة التدريس : مجموعة متداخلة من العناصر والعوامل ، لا يمكن لأحد أن يتقنها بما أوتي من قدرات ذاتية واستعدادات فطرية بعيدا عن البيئات الإجتماعية والثقافية والمادية التي تحيط به ، وهي ليست وصفة طبية يتناولها الفرد فيصير معلمأ مبدعا قادرا على تحقيق الغايات المنشودة .
إن عملية التدريس عملية تفاعل متبادل بين المعلمين والمتعلمين ، وعناصر البيئة المتنوعة التي يهيؤها المعلم للمتعلمين ؛ لإكسابهم : المعارف ، المعلومات ، الحقائق ، المهارات ، الخبرات ، القيم ، والإتجاهات المخطط لها والمستهدفة في فترة زمنية محددة هي الدرس أو الحصة .
قال الله تعالى : ” وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ” (سورة البقرة : الآية ۳۰) ولقد فضل الله تعالی آدم -عليه السلام- وذريته على المخلوقات الأخرى كافة بالعقل ، وقابلية التعلم ، وحسن توظيف المعرفة في المواقف الحياتية ، قال الله تعالى : ” وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) ” (سورة البقرة الأيات 31 – 33) . فظهر بذلك فضل العلم على الجهل ، وكان لابد من تكريم العلماء على غيرهم ، فالملائكة خلقوا للطاعة المطلقة والشياطين خلقوا للمعصية المطلقة ، والإنسان خلق مزودة بالأدوات التي تجعله طائعا أو عاصيا باختياره ، فكان تفضيل من أطاع باختياره على من أطاع فطرة ، ومن عصى تكبرا وظلما .
قال الله تعالى : ” وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين ” (سورة البقرة الآيات 30 – 33) .
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يبين فضل العلماء ومكانتهم عند الله تعالى ، وعند الناس فيقول : ” … وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ”
وقال الإمام الشافعي : ” من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم “، وقال وهب بن منبه : ” يتشعب من العلم ؛ الشرف وإن كان صاحبه دنيئا ، والعز وإن كان مهينا ، والقرب وإن كان قصيا ، والغنى وإن كان فقيرا ، والنبل وإن كان حقيرا ، والمهابة وإن كان وضيعة ” .
ولقد عدد الإمام النووي فضائل العلم على النافلة فقال :
1- العلم متعد النفع ، فلا يقتصر على المتعلم أو المعلم بل يتعداه إلى غيره ، والنافلة قاصرة النفع على صاحبها .
2 – العلم مصلح لغيره من العبادات والأعمال ، والنافلة محتاجة إليه ولا تنعكس .
3 – العالم متبوع مقتدی به ، والعابد تابع مقتد بغيره .
4 – العلم يبقى أثره وإن مات صاحبه ، والنافلة تنقطع بموت صاحبها .
5- من قام بفرض الكفاية خير ممن قام بفرض العين ، لأن فرض الكفاية يعني نيابة من قام به عن غيره من الأمة ، ومن قام بفرض العين فقد قضي عن نفسه ، وهو حريص على خدمة نفسه .
تحسين عمل المعلم
ماذا عليك أن تفعل لتحسين عملك وتطويره ؟
أخي المعلم : أنت قائد وعالم ، فالمعلم : قائد يتولى قيادة مجموعات متعددة من المتعلمين ، سواء أكان ذلك داخل الحجرة الصفية أم خارجها . إن المعلم يقود مجموعات كثيرة من المتعلمين في كل يوم ؛ فحين يدخل حجرة الصف يقف أمام جماعة يبني عقولهم ويكسبهم الخبرات والمهارات بتناغم وتناسق بحيث يوفر الأمن داخل الصف والإنضباط الذاتي لطلابه ، ويدفعهم للتفاعل اللفظي ، والحركي ، والقيادة علم وفن .
إن حسن الاتصال بالآخرين مهمة غير سهلة ، فكل فرد من المجموعة الصفية يمثل عالما مستقلا نفسيا وعقليا ووجدانيا واجتماعيا وثقافيا ، والمعلم الجيد هو الذي يحسن التعامل معهم بحكمة ، بحيث يضمن الحياد وعدم العنت والتشنج .
والمعلم عالم يحمل في صدره علما وأمانة ، وهو أعرف المجموعة في غرفة الصف بما في العلم من حقائق وقواعد وما يحتاج إليه من قيم وضوابط ، إن الذي يقف أمام الناس يحدثهم إما أن يكون ؛ معلما ، أومذكرا ، أو قاصا لا يدري ما يقول ، فإن كان معلما لزمه أن يعلم أكثر مما يعلمه المتعلمون ، وإن كان مذكرا لزمه أن يعلم ما يعلمه المتعلمون ويحفظ ما نسيه كثير منهم ، وإن كان قاصأ يضحك الناس منه ويسخرون .
النمو العلمي والمهني
لقد نمت العلوم والمعارف والمهارات خلال العقود الخمسة الأخيرة نموا متسارعا ، وانتشرت العلوم والمعارف في المجتمعات ، حتى صارت المخترعات والاكتشافات في البيوت كلها ، وصارت المجتمعات على تنوعها ، وتباعد المسافات مجتمعة واحدة .
إن العلوم والإكتشافات لا وطن لها ولا إقليم ، وما كان من معارف وخبرات تقدم في السابق لطلاب الدراسات الجامعية الأولى ، صارت سهلة میسورة لطلاب المرحلة الثانوية ، وما كان من المعارف والعلوم مغلقا أصبح اليوم مفتوحا وعاما ، وقد نبه المربون المسلمون وغيرهم إلى أهمية النمو العلمي .
– قال الإمام الشافعي : ” حق على طلبة العلوم بلوغ غاية جهدهم في الإستكثار من العلم ، والصبر على كل عارض دون طلبة .
– وقال الشاعر :
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لاتبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وقال ابن جماعة المربي الإسلامي في وصيته للعلماء والمعلمين الذين يتصدون لتعليم الناس في كتابه الشهير ” أدب السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم” :
الأدب العاشر : دوام الحرص على الازدياد بملازمة الجد والاجتهاد ، المواظبة على وظائف الاوراد من العبادة والاشتغال قراءة وإقراء ، ومطالعة وفكرا وتعليقا وحفظا ، وتصنيفا وبحثا … ومن استوى يوماه فهو مغبون .
وكان بعضهم لا يترك الاشتغال – بالعلوم – العروض مرض خفيف أو ألم لطيف بل كان يستشفى بالعلم ويشتغل به قدر الإمكان .
وقد قيل :
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحيانا فننتکس
وقال ابن عبد البر القرطبي : ولا يحصل العلم إلا بالعناية والملازمة ، والبحث والتعب والصبر على الطلب .
لماذا يحسن بالمعلم أن ينمو في مهنته ؟
إن تنمية المعلم لذاته باستمرار من الضروريات ؛ فهي :
1- ضرورة دينية :
إن كثرة قراءة الإنسان وحرصه على التزود بالعلم ، يمكنه من التعرف على كثير من المظاهر الدالة على بديع صنع الله تعالی وعظيم قدرته في الخلق ؛ فيحمله ذلك على الاقرار لله تعالى بالألوهية والخضوع له وحدة واللذة بعبادته .
قال الله تعالى في شأن العلماء : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) (سورة فاطر الآية 28) ، وقال الله تعالى في شأن من يكثر من التفكير والتأمل في هذا الكون وما فيه من سنن وآثار داله على الله تعالى ، وأثر ذلك كله في ميله واتجاهه وقيمه : (( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )) (سورة آل عمران الآيتان 190 – 191) والإنسان الذي
يزداد علما يزداد ايمانا ويزداد حبا لله وقربا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير” ، والقوة في هذا الموطن شاملة لأنواع القوة جميعها من مادية ومعرفية وبدنيه ومهارية ووجدانية إلى جانب القوة الإيمانية .
2 – ضرورة نفسية
إن من الحاجات الفطرية التي لا تفارق الإنسان السوي ، حاجته للأمن النفسي واحترام الآخرين له ، فأما الحاجة الأولى فتتمثل في شعور الإنسان باستقرار في تعامله مع غيره من البشر ، وفي تعامله مع غيرهم من الكائنات الحية في بيئته المادية والاجتماعية . وأما الثانية فتتمثل في شعوره بالقبول الاجتماعي وحسن التكيف مع الناس ، ولكي ينال الاحترام والرضا فإنه يعمل على إبراز دوره الاجتماعي من خلال تميزه المعرفي وتفوقه المهني وقدرته على التعامل مع الآخرين بلباقة وكياسة ، فإذا تميز المعلم معرفيا ومهنيا شعر بالثقة في قدرته على التعامل مع الآخرين فيقول ما يشاء من غير خوف أو تردد ، كما يقدم على العمل مدركا لعواقب إقدامه والآثار المترتبة والمتوقعة على ذلك .
إن من جهل شيئا هابه وعظم في صدره الإقبال عليه ، فهو لايدري عاقبة قوله أو فعله ، ولقد أجمل الخطيب البغدادي أهمية النمو الفردي علميا فقال : ” … يثبت الحفظ ويذكي القلب ، ويشحذ الطبع ، ويجيد البيان ، ويكسب جميل الذكر والأجر، ويخلده آخر الدهر “.
إن الرغبة في النجاح من الحاجات الفطرية ، ولقد أخذ الله تعالى عباده بالمثيرات المحركة للدافعية للعمل والمؤملة بالفوز والنجاح ، فأكثر جل وعلا من ذكر ” الفائزين ، الفوز العظيم ، المفلحين ، افلح ، الألباب …” ، وأتبع هذه المثيرات وغيرها بذكر المعززات على حسن الأداء والاستجابة ، والتعزيز من المباديء المهمة في التعليم والتعلم فكانت المعززات مثل ” رضي الله عنهم “، ” وسنزيد المحسنين”. ولقد حذر المربون المسلمون من سوء عاقبة من يتولى تعليم الآخرين دون التزود بالمعرفة اللازمة والخبرة الكافية .
قال الإمام أبو حنيفة النعمان : ” من طلب الرياسة في غير حينه لم يزل في ذل مابقي ” ، وقال الإمام الشبلي : ” من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه ” .
3 – ضرورة مهنية :
يتولى المعلم تعليم غيره من الناس ، المعارف والحقائق والخبرات والمهارات ، وهو بهذا يتولى دورا اجتماعيا له أهميته الاجتماعية ، فيحسن بمن تولى هذا الدور أن يؤديه بفاعلية وأمانة ، ولن يتأتى له ذلك إلا إذا وقف على خبرات جديدة واكتسب مهارات مفيدة ، واطلع على معارف وأساليب تحرك دافعية المتعلمين وتحفزهم لاكتساب المعارف والخبرات برغبة واضحة في النجاح .
إن المعلم الذي يقف معلما لغيره ، إما أن يأتي بشيء جديد ومفيد ؛ فینال به القبول والإحترام ، أو يعزز ما عرفوه ويؤكده ، أو يكون دونهم في الخبرة والمعرفة فيساء إليه ويفقد هيبته .
4 – ضرورة اجتماعية :
إن المعلم يبني مستقبل الأمة بالفكر والعمل ، وهو الأمين على تراثها وقيمها وهو القادر على نجاح عملية التعليم أو فشلها ، فالمتعلم يثق في معلمه أكثر من ثقته بوالديه ، وهو مصدق أبدأ ، فكان لزاما على هذا الذي يقود الأمة إلى المستقبل أن يستمر في نموه المعرفي ، والمهني ؛ ليتمكن هو وأحبابه وطلابه من الاستمتاع بالسنن الكونية وما هيأه الله تعالى لهم من نعم ، وما سخر لهم من متاع آمنين إجتماعيا واقتصاديا بعيدا عن طمع الطامعين وعدوان الغاشمين فينعكس الأمر على مجتمع المدرسة والمجتمع المحلي ، ولقد أمر الله تعالى الناس بالسعي الجاد الهادف للإفادة من الكون وما فيه ، قال الله تعالى : ” هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور” (سورة الملك الآية 15).
وثار سؤال كبير هو : هل العلم ما حفظ أم ما كتب ؟ وكيف ينمو المعلم ؟ كان الناس في الماضي يتناقلون الأخبار والمعارف والعلوم مشافهة ، فاندثر كثير منها بموت الحفظة ، أو نسيانهم ، والنسيان صفة لازمة لبني آدم ، والإنسان إنما سمي بهذا الإسم لأنه ينسی . قال تعالى : “ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ” (سورة طه الآية 115) .
قال القرطبي : وإنما أخذ الإنسان من أنه عهد إليه فنسي” ، فكان من الضرورة أن يدون الإنسان العلوم والمعارف ؛ ليسهل الرجوع إليها ، ولتحفظ من الضياع والنسيان .
يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ” قيد العلم بالكتاب”
كما روي ذلك عن كل من ابن عمر وأنس رضي الله عنهم – وقال معاوية بن قرة ، كان يقال : ” من لم يكتب علمه لا يعد علمه علما “.
وقال أبو هلال : قيل لقتادة : نكتب ما نسمع منك ؟ قال : وما يمنعك أن تكتب وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب . قال الله تعالى : علمها عند ربي في كتاب ” (سورة طه الآية 52). فالعلوم والمعارف تنس ما لم تودع في كتب تتناقلها الأجيال وتطورها ، ولقد كان من رحمة الله تعالى بالمسلمين أن حفظ لهم دينهم غضأ كما أنزل ، وكان حفظه بكتابة ما حفظ في الصدور .
قال الله تعالى : ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” (سورة الحجر الآية 9) . وجاءت السنة المطهرة بالحث على الكتابة والتوثيق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اكتبوا لأبي شاط “.
إن الدراسة الجامعية وغيرها من الدراسات العلمية مهما سمت في موضوعاتها لا تعني بلوغ الدارس العلوم في غاياتها ، إن تلك الدراسات تزود طلاب العلم بعض المفاتح للعلوم ، وعلى الطالب أن يلج بحور العلوم بهمة ونشاط وذكاء .
قيل لأحد المبدعين بعد أن حاز أعلى الدرجات العلمية والجوائز التقديرية : كيف ترى نفسك ؟ فأجاب : عرفت أبواب العلم ، وعلي أن ألج فيها .
فالنمو المعرفي والعلمي والمهني يقتضي تأمين المراجع والمصادر التي تمكن المعلم من الرجوع إليها للتثبت والاستزادة من العلم والمعرفة والخبرة .
قال بعض الحكماء : العلم يفتقر إلى خمسة أشياء متى نقص منها شيء نقص من العلم بقدر ذلك وهي : ذهن ثاقب ، وشهوة باعثة ، وعمر طويل ، وجدة ، واستاذ .
إعداد : يحيى اسماعيل عيد