يعتبر النموذج الالوستيري ( النموذج التعديلي ) من أحسن النماذج المعاصرة التي قدمت كبديل لنماذج التعلم الأخرى، حيث تمكن هذا النموذج من الإجابة على عدد من الأسئلة المطروحة فيما يخص بناء المعرفة، وذلك من خلال ما توصل إليه من تبسيط وتفسير لآلية بناء المعرفة العلمية على المستوى الذهني، وهو نموذج ” براجماتي ومشروعه لا يرمي إلى إنتاج نماذج أخرى للصيرورة المعرفية، وإنما يرمي إلى حل الرموز بالنسبة للمعارف الخاصة وتحديد الشـروط التـي تسهـل عمليـة التعلـم” أما فيما يخص عملية حل الرموز، تبين أدبيات” تعليمية العلوم” أنها تكمن في صيرورة التصور التي تتمثل في ” عملية الاحتفاظ بالمعلومات أو في مجموعة من المعارف العلمية والتطبيقية، بحيث لا يمكن ترسيخ التصور مباشرة، إلا إذا تم عن طـريـق قولبتــه بإدماجه للبنية المعرفية السابقة، فالتصور إذا ينظم المعلومات ويشكل الأثر لنشاط سابق، كما يحتفظ التصور بالمعلومات التي بنيت حديثا قصد استغلالها لاحقا في مواقف جديدة .
أما فيما يخص العمل الثاني للتصور، يظهر عند وضع العلاقـة (relation) والتنظيم بين المعطيات، حيث يقوم الفرد المتعلم من خلال هذه الأخيرة بالبحث المستمر عن العناصر المعروفة التي يتحكم فيها والتي لها علاقة بالسؤال المطروح، وذلك قصد تنظيم الواقع كما هو عليه. ومثل هذه العمليات، تجري في المواقف لتي تسمح للمتعلم بطرح المشكل واقتراح النشاطـات المختلفة”.
لهذا، لا يمكننا تفسير التصور على أنه مجرد معلومات سابقة يتم توصيلها بالمعلومات الجديدة، لبناء المعرفة العلمية أو مفهوم علمي جديد. ذلك لكون التصور الجديد يتطلب تنشيط التصور السابق من خلال عمليات ذهنية تسمح بمواجهة المعلومات الجديدة بالسابقة لتخليق ما يمكننا تسميته ” بالتصادم المعرفي” بين ما هو سابق وما هو لاحق من معرفة ومعلومات علمية، حيث يساهم هذا التصادم في تنشيط الآلية الفكرية التي ستؤدي لا محال بالمتعلم إلى طرح السؤال ليستفسر عن طبيعته ومحتواه.
أما فيما يخص ما توصل إليه من معلومات جديدة، سيدمجها المتعلم للتصور السابق لبناء المفهوم حيث يساعد التحكم في هذه العملية على تذكر واسترجاع ما هو مرسخ من معلومات على مستوى الذاكرة عند الحاجة وانتقاء ما هو ملائم من معلومات للموقف الجديد. كما تساعد الآلية الفكرية والحركات الذهنية للمتعلم في تكوين” شبكة تحليلية ” للواقع تسهل عليه عملية الفهم، وذلك من خلال العلاقات والتنظيم للمعلومات قصد لبناء وتنظيم الواقع بتصور الجديد.
وعلى هذا الأساس، نجد أن من الضروري في مجال التربية العلمية أن يحول السؤال من: ما هي المعرفة العلمية المراد إكسابها للمتعلم ؟ إلى ما هي الكيفية التي يتم بها تعديل المعرفة والمفاهيم العلمية على المستوى الذهني للمتعلم ؟ أو كيف يتم الانتقال من التصور التمهيدي (المعرفة السابقة) إلى التصور الجديد عن طريق التعلم ؟ وطبعا المقصود هنا عملية التقويم. أما فيما يخص شروط تعديل المفاهيم العلمية، تؤكد القراءات الخاصة بتعليمية المواد أن حتى يتحقق التعديل المعرفي وتسهل عملية التعلم على المستوى الفكري للمتعلم لا بد من توفير المحيط التعليمي الذي يتميز بثوابت خاصة نلخصها في ما يلي:
– ” يجب وضع نظام تفاعلات مختلفة بين المتعلم والشيء موضوع الدراسة، ولا يمكن لهذا الأخير (النظام) أن يكون عفويا.
– يجب في بداية كل تعلم إدخال تنافر صوتي يخلق تشويش على مستوى الشبكة المعرفية الممثلة للتصورات المتحركة، والتنافر وحده يجعل التطور ممكنا، مما يستدعي من المتعلم أن يكون معنيا بالأمر أو لديه دافع بالنسبة للموقف البيداغوجي.
– لا بد من مواجهة المتعلم بعدد من العناصر التي لها معنى: كالمراجع التجارب والمناقشة التي تؤديه بالرجوع إلى الوراء لإعادة صياغة أفكاره أو مناقشتها.
– ولا بد من أن يستعين المتعلم في مسعاه بمساعدات التفكير الضرورية: كالرموز المنحنيات، النماذج والرسومات التخطيطية.
– لا يمكن للصياغة القديمة أن تستبدل بالصياغة الجديدة على مستوى المتعلم، إلا إذا وجد هذا الأخير فائدته فيها وتعلم كيف يشغلها…، ويعتبر انتقاء المعلومات إيجابي وضروري لحركة المعرفة.
تسمح المعرفة على المعرفة بتحديد المساعي العلمية وبالرجوع إلى الوراء بالنسبة إلى هذه الأخيرة، كما تسمح بتوضيح مجـالات تطبيق المعرفة”.
و إذا كان المكون المعرفي للشخصية يتطلب تطوير ” الملكات العقلية” من خلال تنمية القدرات الفكرية كالتفكير والتذكر والتخيل والتصور والتمثل …والربط بين المفاهيم نتيجة استثارة الحسية، نجد أن التعلم الحديث لا يتحقق إلا بتدريب هذه الملكات من خلال المواد التعليمية: كالرياضيات، الفيزياء والعلوم التجريبية…، حيث تعتبر هذه العلوم “انفتاح على ما يحيط بنا من ظواهر طبيعية واجتماعية وهي في نفس الوقت حالة نزاع) منهجي قائم يختلط فيها كل من الإبداع والاتصالات المختلفة مما يجعل المقاربة بالكفاءات تستلزم المقاربة العلمية التي تسمح بالتعلم الذاتي بدل التعلم بالرجوع إلى سلطة معينة, ويعني هذا، أن التعلم عبارة عن عملية تقويم وتعديل مستمر مع الزمن، يتطلب تغيرات ذهنية وحركية وانفعالية تتماشى وتغيرات العصر والظواهر الطبيعية، مما يسمح لنا بتعريف الذكاء/ كفاءة على أنه ملكات عقلية تساعد الفرد المتعلم في التكيف مع بيئته الفيزيائية والاجتماعية.