أسرع الكائنات الحية على وجه الأرض .. وضوابط قياس سرعتها

المهندس محمد هاني حرح

عِندما يُطرح أمامنا سؤالٌ بسيطٌ كهذا السؤال: من هو أسرع كائنٍ حيٍّ يعيش على كوكبنا الأخضر؟

للوهلة الأولى نشعرُ أنّه سؤالٌ بسيطٌ وجوابه بديهيٌّ لكلّ الناس! ولكن الحقيقة مختلفةٌ كلياً، ومن يعتقد أنّ الجواب هو الفهد الصياد، فهو مخطئ تماماً، والصادم للكثيرين أنّ الفهد حتى غير مصنف ضمن أسرع حيوانات على سطح الأرض.

لمن ينتابه الشك والفضول رغبةً في معرفة الكثير من خفايا وأسرار الكائنات الحيّة، ومعرفة الحيوانات الأسرع من الفهد فليتابع معنا المقال التالي.

الحقيقة أنّ السؤالَ المطروحَ عن أسرع كائنٍ حيٍّ على وجه الأرض هو سؤالٌ جدلي، ومن الصعب إيجاد مصدرين أو مرجعين يتبنيان نفس القائمة المصنّفة لأسرع الكائنات الحيّة، وسبب هذا الاختلاف يعود لثلاثة أسبابٍ رئيسة، وهم كثرة الدراسات المنفّذة في هذا السياق، واختلاف الهدف منها، وحتّى اختلاف ظروف الحالة التي تُدرس، لذلك وقبل ترتيب قائمة أسرع الحيوانات على الأرض، يجب توضيح بعض النقاط المهمّة جداً للتصنيف.

النقطة الأولى:

الحيواناتُ بشكلٍ عام مشابهون للبشر – من حيثُ اختلاف البنية العضليّة والقدرات الجسديّة بشكلٍ عام- فليست كلُّ الخيول تجري بنفس السرعة، ولا كلُّ الصقور تنقضّ على فريستها بنفس المرونة والرشاقة، ولا حتى الأسماك التابعة لنوعٍ واحدٍ تستطيع السباحة في البحر بسرعاتٍ متساوية.

لنأخذ الانسان كمثال، فمتوسّط سرعة الجري للبشر تتراوح ما بين ال 15 و20 كم/الساعة، ولكنّ السرعة التي بلغها أسرع إنسانٍ على كوكب الأرض، والمسجلة باسم العدّاء الجامايكيّ المشهور يوسن بولت، وصلت إلى 44.72 كم/الساعة، ومن هنا نرى الفرق الكبير بين المتوسّط العام لسرعة البشر وبين السرعة القصوى المسجّلة.

مثالٌ آخرٌ لتوضيح هذه الفكرة: فمن المعروف أنّ سمكة المارلين السوداء تبلغ متوسّط سرعتها 110 كم بالساعة، ولكنّ أسرع سمكة مارلينٍ مسجّلةٌ بكتاب غينيس للأرقام القياسيّة، لامست سرعة 132 كم/الساعة، عندما كانت تحاول الهرب من خيط سنّارة أحد الصيادين في إنكلترا، ومن هذه الأمثلة نلحظُ أحد أسباب اختلاف احصائيّات أسرع الحيوانات، فبعض الاحصائيّات تقارن بين الأرقام القياسيّة المسجّلة لأحد أفراد كلّ نوعٍ مدروس، والبعض الآخر يقارن المتوسّطات العامّة لسرعة كلّ نوع ٍمدروس.

النقطة الثانية:

وتعبّر عن حالة الكائن الحيّ لحظة قياس سرعته، فسرعة أيّ كائنٍ حيٍ تختلف حسب الحالة التي يعيشها، فسرعته خلال الانتقال من مكان لمكان، تختلف عن سرعته في حالة الخوف والهروب من خطر يلاحقه، أو حتى عندما يقوم بمطاردة فريسةٍ بهدف اصطيادها.

ولتوضيح هذه النقطة سأطرحُ مثالاً عن صقر الشاهين: فهذا الطائر يطير خلال تنقلاته الطبيعيّة بسرعةٍ تتراوح ما بين ال 60 و80 كم/الساعة، ولكنّه عندما يرصد فريسةً على الأرض، يزيد من سرعته لتبلغ بالمتوسّط 140 كم/الساعة، ويطير بهذه السرعة بشكلٍ دائريٍّ حول الفريسة، منتظراً اللحظة المناسبة للانقضاض على الفريسة، وبمجرد التماسها يضاعف سرعته ويهبط إلى الأرض ليصدم فريسته بسرعةٍ تصل لحدود 390 كم/الساعة.

عزيزي القارئ هل لك أن تتخيل كتلةً تزن حوالي الكيلو غرام تطير في الجو، وتصدمك بسرعة 390 كم/الساعة، هذه الكتلة كفيلة بشلّ حركتك، حتى ولو بلغ وزنك المئة كيلو غرام، وهذا هو بالضبط المبدأ الذي يعتمده الصقر ليصطاد فريسةً أكبر منه بالحجم والقوة، عبر صدمها بمخالبه بسرعةٍ كبيرةٍ تسبّب الشلل المؤقت للفريسة.

النقطة الثالثة:

والتي تعبّر عن المسافات التي يستطيع الكائن الحيّ قطعها مع الحفاظ على متوسّط سرعته القصوى، وهنا نلاحظ اختلافاتٍ هائلةٍ بين الكائنات الحيّة، فأنت عزيزي القارئ قد تكون أسرع أصدقائك، ولكن يا ترى كم تبلغ المسافة التي تستطيع جريها بسرعتك القصوى! 100 متر! 200 متر! 500 متر! ثم ماذا! من الطبيعيّ أن يُصيبك إرهاقٌ وإجهادٌ وتضّطر للتوقف والراحة.

كذلك الكائنات الحيّة تختلف كثيراً بهذه النقطة، كمثالٍ بسيط: بعض أنواع الطيور والأسماك تستطيع الطيران أو السباحة مئات الكيلو مترات بسرعةٍ واحدةٍ ونسقٍ واحد، وبدون أيّ استراحةٍ أو توقّفٍ أو تغييرٍ بسرعتها، بالمقابل نجد حيوانات أخرى بنية جسمها ضعيفة، ولا تساعدها على الجري بسرعةٍ ثابتةٍ لمسافةٍ كبيرة، وأشهر مثالٍ عن هذه الحالة هو الفهد الصياد، فمن المعروف أنّ الفهد هو أسرع حيوانٍ بريٍّ يعيش على اليابسة -ولكنه ليس أسرع حيوان على وجه الأرض-، فسرعة الفهد تبلغ 110 كم/الساعة عندما يطارد فريسته، والأهمّ من ذلك هو تسارع الفهد، فخلال 3 ثوان و4 خطوات ينطلق الفهد من السكون ليبلغ سرعة 100 كم/الساعة، ما يعني أنّ تسارعه أكبر من تسارع معظم السيارات الرياضية الحديثة، ولكنّ السلبية الأكبر عند الفهد والتي توضّح مدى ضعف بنيته الجسديّة رغم مرونتها الكبيرة، هي المسافة التي يقطعها دون توقف، فبرغم السرعة المخيفة التي يجري بها الفهد، إلّا أنّه لا يستطيع الجري لمسافةٍ تزيدُ عن 500 متر، ثم يتعرّض للإجهاد ويضّطر للتوقف والراحة.

بالمقابل فإنّ أحد أنواع الظباء وهو الظبي الأمريكي Antilocapra Americana يستطيع الجري بسرعة قصوى تبلغ 96 كم/الساعة، عند هروبه من مفترسٍ يطارده، بالمقابل يستطيع هذا الظبي المحافظة على سرعة جريٍ ثابتةٍ بمعدل 80 كم/الساعة لمسافةٍ تقارب ال500 كم، أي حوالي ألف ضعف المسافة يلي يجريها الفهد وبدون أيّ استراحة.

فإذا خرجت بسيارتك (موديل 1980) في رحلةٍ إلى البحر، وصادف في طريقك ظبيٌ أمريكيٌّ وفهدٌ صيادٌ يجرون بنفس اتجاه وجهتك، عندها ستصل أنت والظبي معاً، وتمارسون الكثير من النشاطات البحرية لساعات طويلة قبل وصول الفهد الصياد للبحر، ومن هنا تمت تسمية هذا الظبي ذو القلب الحديديّ، بالحيوان الماراثونيّ، وصُنف كأحد أقوى الحيوانات بالقدرات الجسديّة والبدنيّة المرعبة، والتي تحمله على الجري السريع لمسافاتٍ طويلةٍ وسرعةٍ ثابتةٍ دون توقف.

الآن وبعد سرد معظم الأسرار الكامنة خلف قواعد تصنيف أسرع الحيوانات على كوكب الأرض، أستطيع اعتماد أُسسٍ محددةٍ لترتيب أسرع 20 كائنٍ حيٍّ يعيشُ معنا على هذا الكوكب.

ربما يخطر ببال البعض منكم هذا الخاطر، لماذا يريد الكاتب وضع قائمةٍ تضمُّ أسرع 20 كائنٍ حي، ولماذا لا يكتفي بعشرةٍ فقط؟ الحقيقةُ أنّ أسرع ثلاثة عشر كائنٍ حيٍّ جميعهم ينتمون لرتبة الطيور، فإذا اكتفيت بعشرةٍ فقط، عندها سأظلم الكائنات البريّة والبحريّة.

انطلاقاً مما سبق سأعتمد المبدأ التالي للتصنيف: وهو تصنيف أسرع 20 حيوانٍ حسب المتوسّط العام للسرعة القصوى للنوع المذكور، عندما يكون بحالةٍ غير طبيعيّة، أي عندما يُطارِد الحيوان فريسته، أو عندما يكون هو بحدّ ذاته فريسةٌ مُطاردةٌ من حيواناتٍ أخرى، ولمزيدٍ من التشويق سأبدأ التصنيف انطلاقاً من المركز العشرين وانتهاءً بالمركز الأول.

المركز العشرون من نصيب الأسد Lion والذي يُطارد فريسته بسرعات عالية تصل بالمتوسّط لحدود 80 كم/الساعة.

المركز التاسع عشر من نصيب حيوانٍ يدعى النّو الأزرق Blue wildebeest والذي يجري بمتوسّط سرعةٍ عظمى تصل لحدود 80 كم/الساعة، خلال هروبه من المفترس الذي يُطارده، ورغم أنّ سرعته تماثل سرعة الأسد، ولكنّ النًو الأزرق يتفوق على الأسد بقدرته على الجري لمسافات طويلة.

المركز الثامن عشر من نصيب الظبي الأمريكيّ، الملقّب بالحيوان الماراثونيّ Antilocapra Americana وتبلغ متوسّط سرعته القصوى خلال الهرب من المفترس 96 كم/الساعة.

أما المركز السابع عشر فهو من نصيب سمكة السيف swordfish، والتي تستطيع السباحة بمتوسّط سرعةٍ عظمى تزيد عن 100 كم/الساعة.

المركز السادس عشر والذي يعتبر مركزٌ صادمٌ للكثيرين، فهو من نصيب الفهد الصياد Cheetah، والذي يُطارد فريسته بسرعةٍ تصل بالمتوسّط ل 110 كم/الساعة، وهكذا يكون الفهد أسرع كائنٍ بريٍّ يجري على اليابسة.

المركز الخامس عشر من نصيب سمكة المارلين السوداء Black Marlin، التي تسبح بسرعةٍ قصوى تبلغ بالمتوسّط حوالي 115 كم/الساعة.

المركز الرابع عشر من نصيب سمكة الزعنفة الشراعية Sailfish، التي تصل متوسّط سرعتها القصوى عند السباحة والقفز فوق الماء ل 120 كم/الساعة.

أما المراكز من الثالث عشر وحتى الثالث، فكلها لأنواع طيورٍ مختلفة، تتراوح متوسّطات سرعاتها القصوى ما بين 130 وال190 كم/الساعة، ولن أدخل في تفاصيلها هنا اختصاراً للوقت.

المركز الثاني من نصيب طائر النسر الذهبي Golden Eagle، الذي ينقضّ ع فريسته بمتوسّط سرعةٍ تصل ل 320 كم/الساعة.


أمّا المركز الأول والكائن الحيّ الأسرع على وجه الكرة الأرضيّة، فهو صقر الشاهين Peregrine Falcon، والذي يستطيع الطيران بسرعةٍ مخيفة جداً تبلغ بالمتوسط 389 كم/الساعة عند انقضاضه على فريسته.

وفي الختام أدعو جميع القرّاء الأعزّاء للمشاركة في مسابقة حقائق العلوم الأولى والتي وصلت لأسبوعها الثاني، حيث يمكنكم معرفة سؤال الحلقة وكيفيّة المشاركة في المسابقة من خلال متابعة الفيديو المرفق

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للغذاء الأسبوع المقبل في أبوظبي

• عبد الوهاب زايد: يشهد معرض ابوظبي للتمور بدورته العاشرة مشاركة أكثر من 100 عارض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *