يرتبط القلق في كل مراحل الحياة بالدوافع العدوانية وبالكراهية. فحيثما يوجد القلق لا بد أن نبحث عن كراهية نشأت عند صاحبه في موقف معين. فماذا في حياة الأطفال يؤدي إلى نشأة الكراهية عندهم، ومن ثم القلق؟
إن أول ما يميز الجو السائد لطفولة الأشخاص القلقين، هو نقص الدفء العاطفي، فمهما صادف الطفل من صعوبات في حياته، فإنه يستطيع ان يتغلب عليها جميعا طالما يشعر انه مرغوب و محبوب. وهو يستطيع أن يستشعر بوضوح متى يكون الحب حقيقيا صادقا ومتی يكون مظهريا مفتعلا.
والذي يحدث عادة ويتسبب في حرمان الطفل من مثل هذا الجو العاطفي الدافئ هو قلق الأبوين نفسيهما، ومن ثم عجزهما عن اشعاع هذا الدفء العاطفي.
كذلك قد تؤدي بعض تصرفات الآباء الى اثارة كراهية الأبناء، كأن يفضلوا ابنا على ابن مثلا، أو يؤنبوا الطفل على كل صغيرة وكبيرة ودون وجه حق . او يتدخلوا فيما يشعر الطفل أنه حق له مثل اللعب او صداقة من يشاء.
وهذا لا يعني ان نترك الحبل على الغارب للطفل، وان نحقق له كل ما يبدي من رغبات. فقد تسبب هذا الاتجاه الذي اتخذه كثير من الآباء نتيجة جهلهم او سوء تربيتهم في هذا الاتجاه إلى إفساد كثير من الأطفال.
ان كل ما نطالب به الآباء في هذا الصدد هو مراعاة الصورة التي نطلب بها من الطفل أن يتنازل عن تحقيق بعض رغباته، فهذه الصورة اذا كانت تشعره بأنها عادلة، وأنه محبوب رغم منعنا له عن تحقيق رغبته او حتی رغم عقابنا له، فانها لن تثير في نفسه الكراهية نحونا.
وتعتبر الغيرة من أكثر الأسباب التي تثير الكراهية ثم القلق عند الطفل، وقد تكون هذه الغيرة من الأخوة او الرفقاء، وقد تكون من أحد الأبوين القلقين.
إن الآباء القلقين يكونون دائما غير قانعين بحياتهم، متعطشين إلى الحب، فيغمرون أطفالهم به، ويجعلونهم موضوعا لحبهم، ومن شأن هذا الشعور ان يجعل استجاباتهم لأطفالهم مشحونة بشحنة انفعالية غير عادية.
لقد دلت الأبحاث السيكولوجية التي أجرتها الباحثة الاميركية «هورنی»أن الشحنات الانفعالية بين الآباء من شأنها أن تثير كراهية الطفل لأحد أبويه. فهذه الكراهية قد لا تكون ذات خطورة في حياة الطفل في مراحلها الأولى، لكنها تكون أخطر اذا كبتها الطفل مما تؤثر سلبا في حياته الدراسية والاجتماعية وتؤدي به إلى قلق شديد وكراهية لكل ما يحيط من حوله.
وهناك أسباب أخرى تثير القلق عند الطفل، أهمها: شعور الطفل بالعجز وضعف الحيلة، فالطفل يكون عادة ضعيف الحيلة في طفولته المبكرة الى سن الثالثة تقريبا، لكنه بعد ذلك يبدأ يشعر بقدرته على الاستقلال والاعتماد على النفس. الا أنه يحلو لبعض الآباء الاستمرار في دعوة الطفل للاعتماد عليهم مع إشعاره بعجزه عن الاعتماد على نفسه وبضعف حيلته في تصريف أموره. وكلما كان هذا الموقف هو السائد عند الأبوين عجز الطفل عن ابداء اعتراضه عليهما وعن التعبير عن كراهيته لهما.
وقد يكون الخوف من اسباب كبت الطفل لكراهيته، والطفل قد يخاف من الأبوين لأنهما يخيفانه بطريقة مباشرة، وذلك بالنهر والعقاب او بالانفجارات الانفعالية أمامه. وقد يأتي خوفه منهما بطريقة غير مباشرة، لأنهما يخيفانه من مخاطر الحياة، مثل الأمراض او الحيوانات أو صوت الرعد.
ان مثل هذه الأسباب، مجتمعة او متفرقة تدعو الطفل الى كبت كراهيته لأبويه، والى الشعور بالذنب اذا هو لم يستطع أن يكبت هذه الكراهية، وفي كلتا الحالتين تكون النتيجة القلق. فاذا لم يجد الطفل من الوسائل التربوية في مدارسنا مايخفف هذا القلق، انقلب القلق الى مرض عصابی، واذا لم يجد النشء في الثقافة التي يعيش فيها ما يعطيه الأمن الاجتماعي والاستقرار العائلي والنفسي الذي فقده في طفولته المبكرة، ساد القلق في المجتمع وربما امتد إلى غيره من المجتمعات.
وفي ضوء الأحداث المتسارعة التي نمر بها، فان هذا – القلق يمتد ويتعمق في نفوسنا، وعلينا نحن الآباء وأهل الميدان التربوي أن نضع حدا لظاهرة القلق عند الاطفال ليصبح عالمهم عالما هادئا ومستقرا ومتزنا.
ياسين الجيلاني