أدي التقدم الكبير في عالم المعلوماتية الى احداث تغيرات هامة وجوهرية في عالمنا، حيث نشأت تخصصات علمية جديدة وبرزت حقول معرفية تكنولوجية أدت الى تغيير العديد من الحقول القائمة ومنها تلك المرتبطة بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإداري مثل الحكومة الالكترونية والتجارة الالكترونية وان تأثير المعلوماتية في حقول العلوم كان وما يزال تأثيرا مولدا وفاعلا ، ولا بد للبلاد العربية من الدخول في هذه الحقول وفق رؤية واضحة ومحددة.
وقد بينت الدراسة «المعلوماتية والعلوم» التي اعدها الدكتور محمد مرياتي الخبير في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا اوجه وصفات ونتائج تأثير المعلوماتية في عمليات التعليم والتعلم للعلوم والتكنولوجيا ومنها :
– إدخال نمط ثالث لمنهجيات تعليم العلوم والتكنولوجيا بعد المنهجية النظرية والمنهجية التجريبية وهي المنهجية الحاسوبية التي ترتكز على عمليات نمذجة النظم والتمثيل والتحليل الإحصائي للنظم وغيرها.
– استعمال المخابر العلمية التجريبية الافتراضية.
– التعليم عن بعد والتعلم عن بعد باستعمال الشبكات الحاسوبية «التعلم الالكتروني».
– تحول قطاع تعليم العلوم من قطاع خدمي تدعمه الحكومات الى قطاع خدمی مخصخص يخضع لاقتصاد السوق وتنظمة اتفاقيات «الجات»، و«التربيس»، و«منظمة التجارة العالمية»، وان التعليم قد يتحول من حكومة عامة إلى سلطة تجارية.
– اجراء تغيير للمناهج التعليمية المعتمدة في الجامعات بوتيرة اعلى من السابق بادخال مواد جديدة وحذف مواد لم تعد مفيدة وكذلك تغيير مناهج المواد بوتيرة اعلى من السابق .
– أصبحت مكتبات العالم ومصادر المعلومات الاخرى في متناول الاستاذ والطالب الذي يملك الوسائل المعلوماتية اذ اصبحت هذه المكتبات على طاولته وعزلت من لا يملك هذه الوسائل.
– تؤثر تكنولوجيا المعلومات في زيادة امكانات وفرص التعلم اذ تزود الطالب بوسائل وبرمجيات مساعدة في التعلم كما تزود الاستاذ بوسائل تسهل عملية التعليم.
– ادت المعلوماتية الى وجود تنافسية اكبر بين الجامعات والى وسائل تزيد من إنتاجية التعليم والتعلم ومن جودته.
– اصبحت المعلوماتية جزءا لا يتجزأ من اي علم من العلوم وأصبحت الأمية المعلوماتية مسألة ذات اهتمام عام.
وخلصت الدراسة إلى أنه على التعليم العالي للعلوم في الوطن العربي أن لا ينجز اعمال اليوم والغد باستخدام ادوات الامس.
كما خلصت الى ان المعلوماتية تساعد علی ربط عناصر منظومة العلم والتكنولوجيا، وبالتالي تساعد في تحويلها الى نظام وطني للإبداع والابتكار، وأوصت باهتمام الوطن العربي بهذا التحويل.
وتقول الدراسة أن المعلوماتية قدمت أدوات جديدة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي لم تكن متوافرة سابقا وان المعلوماتية اثرت على انتاجية الباحثين ومردود البحث العلمي حيث شهدت نهاية القرن العشرين نموا سريعا لنتائج البحث والتطوير لم تشهده البشرية من قبل مما ادى الى زيادة التنافسية في البحث والتطوير بين المخابر والشركات والدول.
واوضحت الدراسة أن المنهجية الجيدة في البحث والتطوير والادوات الجديدة التي قدمتها المعلوماتية تتطلب من الباحثين تعلم المعلوماتية وإتقان ما تقدمه ومتابعة التغيرات المعلوماتية بشكل مستمر اذ انها دائمة التطور وكل هذا أضاف عبئا جديدا وكبيرا على الباحثين.
كما تقدم شبكة الانترنت وسيلة فعالة وقليلة التكلفة لربط الباحثين من خلال المواقع على الشبكة، والبوابات من خلال مجموعات الأخبار والبريد الالكتروني والجمعيات الافتراضية وغيرها، وبالتالي تحقق تفاعلا بين حقول العلوم مما ينتج عنه تحريض الاكتشافات والابتكارات، لان تفاعل حقول العلوم يعد من أهم محرضات الاكتشافات ويمكن أن يؤدي هذا التشابك الى عزلة بعض العلماء وبعض المؤسسات والدول علميا.
وبينت الدراسة أن من آثار المعلوماتية في توليد العلوم أيضا ما يمكن تسميته بعولمة البحث العلمي والتطوير وان سهولة الاتصال والإدارة عن بعد وتبادل الوثائق والمعلومات وعولمة الإنتاج والمال واندماج الشركات الكبرى تؤدي جميعها إلى نوع من عولمة البحث والتطوير، الا أن هذا يجري ، بشكل رئيسي بين الأقطاب العالمية الثلاثة ( الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبی، اليابان) وبشكل قليل مع الدول النامية.
وتشير الدراسة إلى أن هناك عولمة وتعاونا دوليا في العلوم ما قبل التنافسية وفي العلوم ذات المواضيع والنفع العالمي مثل علوم البيئة والهزات الأرضية وبعض علوم الفضاء وعلوم الفيزياء النظرية.
وأما في التكنولوجيات والعلوم التطبيقية المرتبطة بالمنتجات فإنها تتجه بالعكس نحو الانغلاق والحماية ونحو اعتبارها سلطة تجارية تحت منظمة التجارة العالمية واتفاقية تربیس مما يؤدي إلى مزيد من الفجوة بين الدول النامية والدول المتقدمة.
ودعت الدراسة الدول العربية الى الإسراع في اعتماد سياسات وطنية للعلم والتكنولوجيا ومنها السياسة الوطنية التكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما تحتاج مؤسسات التعليم والبحث والتطوير في الوطن العربي الى دعم كبير يغير ما بها من ترهل وتأخر، وتزويدها بالتجهيزات والشبكات الحاسوبية لتفادي الهوة الرقمية كما تحتاج إلى تنمية وتحديث قواعد المعطيات العلمية العربية و الوصل مع قواعد المعطيات العلمية العالمية. وأكدت على ضرورة تحفيز القطاع الخاص للاشتراك في تحصيل ونشر المعلومات .
وتقول الدراسة أن المسائل والقضايا الاجتماعية والانسانية تتعامل مع نظم معقدة جدا، لذلك فانه من المتوقع أن تكون هناك تطورات كبيرة في مجال البحوث ومجال التعليم للحقول العلمية والاجتماعية والإنسانية، وان هذه النتيجة لم تلمس بعد ولم تقم فرق البحث في هذه الحقول بالاستفادة الممكنة من المعلوماتية الا في بعض المجالات كالاقتصاد والمال وبعض الدراسات في التاريخ والجغرافيا والاجتماع والتربية وان إمكانات الشبكات الحاسوبية والاستمارات الذكية وقواعد المعطيات العلاقاتية ونمذجة النظم وتمثيلها سيؤدي إلى تغييرات جذرية في هذه العلوم.
وشبهت الدراسة ما حدث من ثورة علمية في عهد المأمون عند اعتماد تكنولوجيا الورق ونشر مصانع الورق ودور الوراقين في بعض ملامحه بما يحدث اليوم من تحول من الورق الى الرقمية.
وأوضحت أن هذا التحول لم يستوعب بعد ولكننا نعيش الكثير من تأثيراته والتي لا بد للوطن العربي من اتخاذ الاجراءات التي تكفل الاستفادة مما يقدمه من فرص ومواجهة التحديات التي يطرحها واشارت الى بعض تأثيرات هذا التحول وهي:
– تتغير طبيعة المكتبات ، فالمكتبات الحديثة تسمي المكتبات الرقمية. وعملية التحول من المكتبة التقليدية الى المكتبة الرقمية تسمى التوجه نحو الرقمية، وهناك آليات عديدة مستخدمة الان لتحقيق هذا التوجه، وهذا ما جرى ويجري في المكتبات الوطنية العالمية كالمكتبة الوطنية في باريس، ومكتبات لندن ومكتبة الكونغرس، ومكتبات الجامعات الرئيسية في العالم، أن هذا يعني اعتماد الكتب بشكلها الرقمي او الالكتروني وليس الورقي، اي اعتماد الوسائط المغناطيسية والبصرية الليزرية، ويعني اطلاع المراجعين على الكتب بشكلها الرقمي واخذ نسخ عنها بشكلها الرقمي، ويعني ايضا الانتقال من جمع الكتب الى الوصل مع مصادر الكتب عبر الشبكات الحاسوبية، فلم يعد من الضروري جمع الكتب بل يكفي عمل وصلة اتصالات مع مصدر الكتاب. أن هذه التغيرات ستغير في حجم المكتبات وحجم الرفوف وطبيعة غرف المطالعة، ويكفي أن نذكر أن سعة الشريط البصري بقطر ۱۲ بوصة هي 1000 مليون حرف اي حوالي عشرة الاف كتاب. كما أن المعلوماتية تتجه إلى أن تنقل المكتبات الى طاولات الباحثين والطلاب والاساتذة.
– ان كلفة نشر المعلومات انخفضت كثيرا اذ ان تكلفة الورق وتكلفة التوزيع اختفت !!
– المعلوماتية تؤدي ايضا الى تغير الوسط الذي يحمل المعلومات وينشرها، اذ نشهد بدايات انتشار واعتماد ما يسمى بالكتاب الالكتروني، وهو ليس كالكتاب الورقي التقليدي، والنقاش الدائر حول امكانية حلول الكتاب الالكتروني محل الكتاب الورقي هو نقاش محسوم حتما في بعض المجالات لصالح الكتاب الالكتروني الذي سيوفر الصوت والصورة المتحركة والفيلم والتفاعل مع القارئ والتفاعل مع الكتب الأخرى. أن بعض العلوم لن تقرأ الا من كتاب الكتروني في المستقبل.
– هناك اتجاه نحو عولمة بعض المعلومات العلمية وتوفرها على الشبكة العالمية بدون مقابل «لا حاجة للورق وللتوزيع» ومن جميع انحاء العالم . وهذا يجعل المعلومات التي يمكن أن تتوفر لاستاذ او طالب العلم او الباحث على طاولته معلومات لم تكن تتوفر سابقا لا تنوعا ولا مصدرا وكمية، ومن كل مكان وزمان.
– تتغير ايضا عملية نشر المقالات والمعلومات سرعة وسهولة. وتترافق هذه العملية مع اعتماد النشر على الشبكة وعلى حوامل الكترونية لمعظم المجلات والدوريات العلمية العالمية، كما تسعى دور نشر هذه المجلات الى وضع الأعداد السابقة على شكل رقمي ايضا، ويخشى في القريب ان يجري اهمال العودة الى المراجع غير الرقمية بشكل تدريجي، وهي مسألة تشغل بال الباحثين في هذا المجال.
– من المظاهر المرتبطة مع سرعة وسهولة نشر المعلومات على الانترنت حقيقة أن بعض المعلومات المنشورة هي بدون تحكيم او بدون مرجعية علمية اي انها معلومات في بعض الاحيان خاطئة أو مضللة او ناقصة. وقد يكون لهذه الظاهرة تأثيرات متعددة منها أن بعض الاساتذة يقولون أن تصحيح افكار الطلاب نتيجة حصولهم على معلومات خاطئة من الانترنت جهد لا يستهان به.
– نشر المعلومات على الانترنت، وعولمة المعلومة، وتوفرها بشكلها الرقمي مطبوعة جاهزة، جعل امكانية انتهاك حقوق الملكية الفكرية سهلة. من جهة اخرى ان نشر المعلومات التي لها حقوق ملكية فكرية «التي نشرت في ال50 سنة الأخيرة او ال۲۰ سنة الأخيرة» يجعل وضع هذه المعلومات على الانترنت من قبل المكتبات عملية معقدة ومكلفة ومسألة تحتاج لحل.
– إن لغة HTML، والنصوص الفائقة او المفرعة Hypertext، جعل الإبحار في عالم المعلومات سهلا يوفر الكثير من الجهد والوقت والمال، كما أن الروابط links والبرمجيات التي تربط الكتب مع بعضها البعض (active collection) جعل حلم الباحثين والعلماء في تكلم الكتب مع بعضها البعض يتحقق !!
– إن نشر العلوم غير نشر التكنولوجيا ويشهد العالم الان انفتاحا في بعض حقول الاول وانغلاقا في بعض حقول الثاني. وتعمل اتفاقيات الTRIPS و GATS ومنظمات WTO و WIPO على تنظيم هذه الامور.
– إن وجود المعلومات وقواعدها وبرمجياتها وتداولها عبر الشبكات اوجد حاجة ماسة لأمنها وأمانها، لذلك فان تكنولوجيات «التشفير وكسر الشفرة»، وتكنولوجيات حماية المعلومات من التهديدات المختلفة، أخذت أهمية كبيرة لا بد للوطن العربي من الاهتمام بها۔
تزداد سرعة استخدام التكنولوجيا نتيجة التواصل المعلوماتي، اذ ان انتشار الانترنت استغرق عددا من السنوات اقل بعشرة مرات من انتشار الراديو والتلفزيون مثلا.
وقد أوضحت الدراسة أن الوطن العربي يحتاج لوضع رؤية لردم الفجوة الرقمية وإذا فات الوطن العربي تحقيق طرق النقل السريعة فيما مضى، عليه أن لا تفوته طرق المعلومات السريعة. وان هذه التأثيرات تترافق مع تأثير للمعلوماتية في طرق ادارة العلم والتكنولوجيا.
وترى الدراسة أن التوجه نحو الاقتصاد المبني على المعرفة الذي وفرته المعلوماتية جعل الحاجة الى وضع سياسة للعلم والتكنولوجيا أكثر الحاحا مما مضى، وجعل تحقیق وتنفيذ هذه السياسة أكثر سهولة باستعمال المعلوماتية، وكذلك هناك حاجة لوضع سياسة وطنية لتكنولوجيا المعلومات والاهتمام بادارة العلم : والتكنولوجيا في الدولة، والانتباه للاستفادة من علوم جديدة في هذا المجال مثل علم ادارة المعرفة وعلم ادارة التكنولوجيا وهذا بتطلب إعادة النظر في القوانين التي تسهل إدارة العلم والتكنولوجيا واستعمال المعلوماتية في ذلك.
عبد الحفيظ ابو قاعود