مصطفى شقيب *
اكتشفت العالمة البيولوجية العصبية ديانا مارتينيز وزملاؤها من جامعة كولومبيا أن الأشخاص الذين لديهم معدلات مرتفعة من مستقبل الدوبامين في الدماغ لديهم مركز اجتماعي أعلى من الآخرين، مركز وظيفي مرموق، تأثير اكبر على الآخرين، مداخيل عالية وأصدقاء أكثر.
ما هو مُستقبِل الدوبامين؟ إنها تلك الجزئية التي كرد فعل على وجود الدوبامين في الخلايا العصبية تعمل على دوائر خلايا عصبية مسئولة عن التحفيز. عندما نرغب بشيء ما، نقوم بشيء ما، نواصل مشروعا يمكن أن يُتوج بمكافأة، فإننا نكون حينئذ مدفوعين بدوائر للدوبامين تسهل الفعل الذي سيأتي بالمتعة المرجوة.
الوضعية الاجتماعية هي بالفعل مصدر ارتياح هامة بما أنها تشمل العديد من المتع: السلطة، المال، وجود الحاشية والمحيطين، ويبدو أن الأشخاص الذين لديهم معدلات عالية من مستقبِلات الدوبامين يكونون أكثر تحفيزا، لأنهم يستمتعون بشدة.
وبالعكس، الأشخاص ذوي المعدلات الضعيفة من مستقبِلات الدوبامين هم أكثر عرضة لاستهلاك المخدرات ( سواء كانت نيكوتين التبغ أو الكوكايين) التي تحفز اصطناعيا دارات الدوبامين: فدوائر الدوبامين لديهم قليلة جدا طبيعيا بحيث يتم إشباعهم بالإنجازات الاجتماعية.
تؤكد هذه الدراسة أن الجاه أو المركز الاجتماعي هي إحدى التحفيزات الرئيسية في الجنس الإنساني، وان التصنيف الممنوح لفرد في مجتمع ما ربما محدد في جزء ما بالمعدلات الطبيعية للدوبامين.
لكن تبقى درجات من الحرية، فقد بينت دراسات لحسن الحظ –لدى القرود- أن معدلات مستقبلات الدوبامين لدى حيوان مسيطَر عليه ترتفع عندما يصعد إلى درجة المسيطر. الانجازات الشخصية قد تغير هكذا بيولوجيا. “التحفيز الاجتماعي” وكسر حلقة هذه الحتمية. لكن الدراسات لدى الإنسان تختلف عن تلك لدى القرود، إذ يبدو أن مرونة دوائر الدوبامين ضعيفة لدينا نحن بني البشر.
ما هي مستقبلات الدوبامين؟
مستقبلات الدوبامين هي بروتينات متخصصة توجد على سطح خلايا معينة في الجهاز العصبي والأنسجة الأخرى. تلعب هذه المستقبلات دورًا حاسمًا في التوسط في تأثيرات الدوبامين، وهو ناقل عصبي يشارك في العمليات الفسيولوجية والنفسية المختلفة في الجسم.
وغالبًا ما يشار إلى الدوبامين على أنه الناقل العصبي “للشعور بالسعادة” لأنه يرتبط بمشاعر المتعة والمكافأة والتحفيز. هناك عدة أنواع مختلفة من مستقبلات الدوبامين، مصنفة إلى عائلتين رئيسيتين: مستقبلات تشبه D1 ومستقبلات تشبه D2.
المستقبلات الشبيهة بـ D1:
مستقبل D1 (DRD1): يقترن هذا المستقبل بشكل أساسي ببروتين G المحفز (Gs) وينشط مسارات إشارات AMP (cAMP) الدورية. يوجد في مناطق الدماغ المرتبطة بالتحكم الحركي والمكافأة والتحفيز.
مستقبل D5 (DRD5): مثل مستقبل D1، يقترن مستقبل D5 أيضًا ببروتينات Gs ويشارك في تعديل مستويات cAMP. ويوجد في مناطق مختلفة من الدماغ، بما في ذلك القشرة والجهاز الحوفي.
المستقبلات الشبيهة بـ D2:
مستقبل D2 (DRD2): يقترن مستقبل D2 ببروتين G المثبط (Gi) ويقلل مستويات cAMP عند تنشيطه. يتم توزيعه على نطاق واسع في الدماغ ويلعب دورًا في تنظيم المزاج والسلوك والحركة. غالبًا ما تستهدف الأدوية المضادة للذهان مستقبلات D2 للتخفيف من أعراض حالات مثل الفصام.
مستقبل D3 (DRD3): يقترن مستقبل D3 أيضًا ببروتينات Gi ويوجد في مناطق الدماغ المرتبطة بالمكافأة والتحفيز. وقد تورط في الإدمان وبعض الاضطرابات النفسية.
مستقبل D4 (DRD4): مستقبل D4، مثل المستقبلات الأخرى في هذه العائلة، يقترن ببروتينات Gi ويوجد في قشرة الفص الجبهي ومناطق أخرى من الدماغ. ارتبطت الاختلافات في جين DRD4 بسمات الشخصية واضطراب نقص الانتباه/فرط النشاط (ADHD).
يمكن أن يكون لارتباط الدوبامين بهذه المستقبلات تأثيرات مختلفة على الخلايا المستهدفة، اعتمادًا على النوع الفرعي للمستقبل المحدد وموقعه في الجسم. يؤدي تنشيط المستقبلات الشبيهة بـ D1 عمومًا إلى تأثيرات مثيرة، في حين يؤدي تنشيط المستقبلات الشبيهة بـ D2 عادةً إلى تأثيرات مثبطة.
تعد مستقبلات الدوبامين أهدافًا مهمة للعديد من الأدوية المستخدمة في علاج الاضطرابات العصبية والنفسية، بما في ذلك الأدوية المضادة للذهان ومضادات الاكتئاب والأدوية المستخدمة لإدارة حالات مثل مرض باركنسون واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. يعد فهم وظيفة هذه المستقبلات أمرًا بالغ الأهمية لتطوير علاجات جديدة لهذه الحالات.
* كاتب في علم النفس – المغرب