قصة اكتشاف القهوة .. تاريخ حافل بالطرائف

تاريخ القهوة يكتنفه بعض الغموض ، وأول ذكر لها يرجع إلى أوائل القرن السادس عشر . وتكاد المصادر التاريخية تجمع على أن الفضل في اكتشافها، يعود إلى العرب ، حتى أن كلمة «قهوة » العربية مستعملة الآن في جميع اللغات مع تعديل طفيف في لفظها .

وقصة اكتشاف القهوة لا تخلو من طرافة لعبت فيها الصدفة دورا عجيبا ، فبينما كان أحد الرعاة العرب من اليمن يسرح قطيع ماعز في سفوح مرتفعات «كافيا » في بلاد الحبشة ، لاحظ أن ماعزه تطفر و تمرح وتثب بصورة لم يعهدها فيها من قبل ، مما أثار تعجبه وفضوله . ولما اقترب منها رأى أنها تقتات ثمار شجرة لم يسبق له أن عرفها ، فالتقط قليلا منها وعلكتها بين أسنانه فوجدها مرة المذاق ، فعمد إلى غليها بالماء ثم جرع الشراب الناتج عنها ، فكان ذلك أول فنجان قهوة في التاريخ.

ومع أن ذلك الشراب لم يكن مستساغا ، فقد أضفى عليه صفاء الذهن ، وحدة التفكير ، ويقظة الحواس ، فما كان منه إلا أن أخذ بعض حبوب تلك الشجرة لدى عودته إلى اليمن ، ونثرها في أرضه الخصبة فنجحت نجاحا كبيرة، ومن ثم انتشرت زراعتها في جبال اليمن وأقبل الناس على شرب القهوة بعد أن حالف الحظ التجارب التي أجراها أحد المتحمسين لهذا الشراب ، إذ هداه تفكيره إلى تحميصها و طحنها ثم غليها في الماء ، وبذلك تم له صنع شراب سائغ لم يلبث أن تفشي بين الناس وسرى بينهم سريان النار في الهشيم .

وأقبل الناس بعد ذلك على شرب القهوة إقبالا كبيرة ولا سيما في الشام ومصر وأخذت المقاهي تنتشر في دمشق وحلب والقاهرة . ثم انتقلت بعد ذلك إلى « استانبول ».

أما الغرب فإنه لم يعرف القهوة إلا في أواخر القرن السابع عشر على يد رجل يدعى «فرانزا جورج». ففي عام 1683 حاصر الجيش العثماني مدينة « فيينا » وقطع عنها المؤن والإمدادات ، حتى انتشرت فيها مجاعة مريرة ، وتفشي بين أهلها مرض الدوسنطاريا ، مما أوهن مقاومتها وكادت تعلن تسليمها . وفي هذه اللحظات الحرجة تطوع « فرانزا » وهو من أصل بولندي عاش أعواما عديدة بين الأتراك وعمل ترجمانا لهم بحمل رسالة خاصة إلى «دوق اللورين» زعيم جیش الحلفاء بغية الإسراع في إنقاذ المدينة . وانسل « فرانزا » بين خطوط الجيش العثماني متخفيا في زي تركي والمطر ينهمر ، فأحس به ضابط عثماني فدعاه إلى خيمته واستجوبه ، ولما لم يكتشف لديه ما يریبه أخلى سبيله بعد أن قدم إليه فنجان قهوة . وقام « فرانزا» بإيصال الرسالة إلى الدوق ، وعاد من حيث أتي يحمل إلى المدينة المنكوبة ما يبعث على الأمل .

واعترافا بالجميل نفحه سكان المدينة مبلغا من المال ومنحوه حق المواطنة وامتیازا خاصا بممارسة الأعمال التجارية في المدينة . وجاء جيش الحلفاء وتمكن من فك الحصار عن المدينة وهزم الجيش العثماني . وكان من الغنائم التي غنمها جیش الحلفاء خمسمائة كيس مملوءة بحبوب غريبة تنبعث منها رائحة زكية لم يسبق لأحد أن رآها . وثار الجدل حول ماهيتها وماذا يفعلون بها ، حتى أنهم قرروا أخيرة طرحها في نهر الدانوب . وهنا ظهر «فرانزا » فجأة و هاله ما أقدم على فعله مواطنوه ، فطلب منهم أن يأخذ تلك الأكياس ، فقدموها له عن طيب خاطر .

وسرعان ما افتتح « فرانزا» أول مقهى في أوروبا ، وقد أبدى رواد مقهاه شيئا من التأفف لدى شربها على الطريقة التركية الثقيلة فقام بتجارب مختلفة نجح معها في تحضير قهوة مستساغة ذات نكهة طيبة بعد تخفيف حدتها بقطرات من اللبن يضيفها إليها ويقدمها في فناجين كبيرة. ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل طلب إلى خباز أن يصنع له أقراصا صغيرة محلاة يقدمها مع فناجين القهوة ، وهي العادة التي ما زالت جارية في بعض الأوساط الغربية والشرقية ، ولا سيما في الصباح .

وبذلك استعاد ، فرانزا رواد مقهاه فازدحم بالوافدين الذين استطابوا شرب القهوة على ذلك النحو ، ومن ثم أخذت المقاهي تنتشر في البلدان الأوروبية ، أما القارة الأمريكية فقد عرفت القهوة في أواخر القرن السابع عشر وراحت تنتشر فيها المقاهي بشكل واسع في الثلث الأول من القرن الثامن عشر ولا سيما في المدن الكبيرة مثل نيويورك و بوسطن و فيلادلفيا. ويعتقد أن المهاجرين الهولنديين حملوا معهم القهوة إلى نیویورك و أطلقوا عليها « أمستردام الجديدة » .

ومن القصص الطريفة التي تروى حول نقل شجرة البن إلى العالم الجديد تلك المغامرة التي قام بها ضابط فرنسي شاب في البحرية ، وكان قد عين قائدا للمشاة في جزر المارتينيك. فقد بلغ أسماعه النجاح الباهر الذي أحرزه الهولنديون في نقلهم شجرة البن من جنوب الجزيرة العربية إلى جزر الهند الشرقية ، فصمم على أن يحذو حذوهم في نقل تلك الشجرة إلى جزر المارتينيك ، وشجعه على ذلك تشابه الخصائص المناخية بين المنطقتين .

وحدث أن قام عام 1720 بزيارة إلى باريس في عهد لويس الخامس عشر ملك فرنسا ، وكان قد علم من مصدر خاص أن لدى الملك بضع شجيرات بن نادرة أمر بغرسها في بيت خاص في حديقة قصره ، فتقدم من طبيب الملك الخاص، تدفعه حماسة وطنية مضطرمة ورغبة جامحة ، وطلب منه أن يتوسط لدى الملك لمنحه إحدى تلك الشجيرات الثمينة . وأجيب الضابط إلى طلبه وحملها معه في مغامرة طويلة دامت نحو شهرين عبر المحيط الأطلسي متحدية حملات القراصنة والعواصف البحرية الهوجاء وتناقص كمية الماء في السفينة لدرجة حدت بقائدها إلى تقنين الماء الأمر الذي جعله يشرك الشجيرة الأثيرة لنفسه بالنزر اليسير من الماء الذي كان يحصل عليه في أثناء الرحلة الشاقة . وما أن وطئت قدماه أرض المارتينيك ، حتى غرس الشجيرة وتعهدها بعناية فائقة فنمت وترعرعت وأزهرت وحملت الحبوب الزمردية التي يقال إنها كانت أصل جميع أشجار البن في العالم الجديد ، وبلغت أشجار البن في « المارتينيك » مع إطلالة عام 1777 م نحو تسعة عشر مليون شجرة.


هذا وقد انتشرت زراعة شجرة البن في كثير من بلدان العالم كالبرازيل وجمايكا وكوبا وفنزويلا والمكسيك و غيرها . والقهوة في كثير من البلدان تشكل جزءا كبيرا من دخلها الوطني ، وليس ذلك فحسب بل إن القهوة أوجدت العمل للملايين من البشر لا سيما أن مؤسسات صناعية كبيرة تعتمد اليوم على هذه السلعة التجارية الرائجة في تأمين أرباح هائلة عبر تزويد الأسواق الاستهلاكية بأصناف عديدة من القهوة تعدها أيد خبيرة.

مصدر الصورة
pixabay.com

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

شركة WardLin السويدية تفوز بجائزة الابتكار لعام 2024

أعلنت شركة (Företagfabriken)، الحاضنة الرائدة للشركات الناشئة في السويد وضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي والسويد لدعم …

3 تعليقات

  1. قصة اكتشاف القهوة قصة طريفة وغريبة

  2. هل يسمح باخذ هذا المقال لاضافتة الى كتابي مع ذكر المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *