من معجزات خالق الكون أن أرشدنا وهدانا لأهمية التعبئة والتغليف لكل الكائنات الحية على وجه البسيطة من إنسانية وحيوانية ونباتية فجلد الإنسان الحيوانات وجلود الحيوانات وما يعلو أو ينبت على ذلك الجلد من شعر وصوف أو وبر أو ريش مكن تلك الكائنات من مواجهة العوامل المناخية بحدها الادنى أو الاعلى أحياناً. كما ابدع في خلق معطيات حفظ المنتوجات النباتية بشكل عام فالفواكه ومثالها التمور ، التفاح ، الرمان ، التين والعنب لها قشور وتتباين نوعيات وخصائص تلك القشور تبعاً لخصائص الفاكهة وتتغاير من الصلبة مثل جوز الهند الى نصف الصلبة كقشور البطيخ والشمام ووصولاً الى الرقيقة كقشور العنب والتفاح… وتلك القشور غايات للحفظ. وكون كل تلك المنتجات مخلقة من كائنات حية فلها عمر زمني تحدده عوامل عدة شاملة خصائص المادة ذاتها وطبيعة غطائها (جلدها أو قشورها) وأساليب حفظها وبيئة تداولها. وللطبيعة مواسم عطاء غزيرة ومواسم شحة في الإنتاج الزراعي مما يستلزم على الإنسان التعامل مع الفائض منها زمن الوفرة لحفظه بصورته الطبيعية ووفق ظروف خاصة أو من خلال تصنيعه لسلع يسهل تناولها أو تصنيعها كمنتجات وسيطة وتلك المنتجات جميعها الطازجة والمصنعة تحتاج الى عمليات تعبئة وتغليف عند تداولها بين الناس سواء بالقرب من مواقع إنتاجها أو لتسويقها لمسافات قصيرة أو طويلة على حد سواء.
وان كان الغرض من التعبئة والتغليف للمنتجات الغذائية حفظها لاطول فترة زمنية مستطاعة وبأفضل نوعية ممكنة ولتلائم طبيعة استخدامها وخزنها وتداولها، ولطبيعة حساسية تلك الاغذية وقابليتها للتلوث وللفساد السريع لا بد أن تمتاز مواد التعبئة المستخدمة في تغليفها بخصائص وميزات يتم تحديدها بموجب مواصفات قياسية معتمدة مراعية طبيعة وتركيب وخصائص المادة الغذائية نفسها ( مشيرين الى ان هناك آلاف المنتجات الغذائية التي تعرضها الاسواق في العالم).
ومن أهم الصفات التي لا بد أن تمتاز بها مواد التعبئة الغذائية التالي:
أن تكون كافة المواد الداخلة في تصنيعها غير سمية بأية صورة من الصور.
أن تكون نظيفة بالقدر الكافي لمنع حدوث أي تلوث للمادة الغذائية.
ان توفر الحماية للمادة الغذائية من أية تأثيرات للكائنات المجهرية والحشرات أوأية تأثيرات أخرى مضرة.
الأغذية ومنتوجاتها المصنعة ومنظومة التعبئة والتغليف في الوطن العربي
هناك مقولة متداولة عالمياً منذ عقود ثلاثة من الزمن مضمونها ان التعبئة والتغليف الجيدة للمنتجات الغذائية هي أحد الاسلحة التي تملكها الشعوب ضد الجوع. والحفاظ على المنتجات الزراعية من مصادرها الاولية كمنتجات حيوانية أو نباتية ونقلها وخزنها تمهيداً لتسويقها المباشر أو لمواقع تصنيعها من الامور الهامة جداً للحفاظ على تلك المنتجات من التلف، ثم ان تصنيعها بصورة منتجات شبه نهائية أو نهائية لاعطائها قيمة اقتصادية أكبر وللحفاظ على قيمتها التغذوية وتيسير تبادلها التجاري هي واحدة من أهم ضمانات الامن الغذائي لاية دولة وللمجتمع الانساني كله. وكلما ارتفعت وتأئر الانتاج الغذائي وتنوعت المنتجات الغذائية كلما زاد الطلب على مواد ومعدات وتقنيات التعبئة والتغليف، كما انه كلما زاد وعي المجتمع التغذوي والصحي وارتفعت مستويات الدخل وتعددت انماط الاستهلاك الغذائي ونمت حركة التجارة الداخلية وتوسعت المدن زادت الحاجة الى أنواع جديدة وملائمة واقتصادية وصحية من مواد التعبئة والتغليف.
وعالم التعبئة والتغليف في الوطن العربي شهد بصورة عامة نمواً وتطوراً وارتقاء بتصاميم العبوات وبنوعياتها وتعدد مصادر موادها الاولية وتلك التطورات تباينت بين صناعة وأخرى. ومن المتوقع أن تشهد منظومة التعبئة والتغليف العربية آفاق ارحب وتحديات أكبر داخلية وخارجية على ضوء الاستقراءات المستقبلية لكم وحجم الحاجة لتعبئة المواد الغذائية وما ستواجهه صناعة الغذاء في الوطن العربي من منافسة خارجية تكون التعبئة والتغليف احد ساحاتها اذ ان العبوة اصبحت في عصرنا هي البائع الصامت المروج للسلعة. ولا عطاء تصور عن حجم الحاجة العربية من مواد التعبئة والمعدات اللازمة لها والكوادر الفنية والادارية والاقتصادية التي تحتاجها وستحتاجها مستقبلاً.
فاننا نشير الى أن الوطن العربي يحتاج لتعبئة عشرات الملايين من الفاكهة والخضروات لسوقه المحلي ولاسواق تصديره وكذلك الى تعبئة ملايين الاطنان من البقوليات والبطاطا والسكر ، والحبوب ومنتجات الاعلاف.
واذا ما اضيف الى ذلك الانتاج العربي من المشروبات الغازية والمياه المعدنية والعصائر ومنتجات الالبان المصنعة وأنواع الحليب السائل واللبن واللبنة والاجبان والزبدة والمثلجات، ومنتجات قطاع المعلبات بأنواعها من منتجات البندورة (الطماطم) والخضروات والفواكه المعلبة والمربيات والاغذية الجاهزة ومنتجات المخابز والافران ومعامل اعداد الشاي والقهوة والتوابل والبقوليات ، يضاف الى ذلك المنتجات العربية والسكرية المتبلورة وغير المتبلورة والشيكولاته والحلويات العربية وكذلك احتياجات مواقع انتاج الاكلات الجاهزة (لما بين الوجبات) مشيرين الى ان تسلسل حلقات الانتاج الغذائي من حقول الزراعة الى مواقع الاستهلاك او مواقع التصنيع ووصولاً الى اعداد المنتجات بصورة نهائية تحتاج الى أنواع واصناف متعددة من العبوات. هذه وغيرها من المنتجات تحتاج سنوياً الى مئات مليارات العبوات من مصادر مواد أولية مختلفة (المعدنية، الزجاجية، البلاستيكية والورقية) باشكالها واحجامها وأنواعها المختلفة كما تحتاج الى مواد طباعية هائلة الكمية وذات نوعيات متعددة ومع الإشارة إلى أن معدل نمو الاستهلاك الغذائي العربي يزداد بنسبة (6%) سنوياً نستقرىء من ذلك حجم التحديات التي نواجهها وسنواجهها مستقبلاً في توفير احتياجات تلك السلع من مواد التعبئة والتغليف.
وفي مواجهة كل تلك التحديات والتطورات وخاصة التقنية ومع استمرار الوطن العربي في اعتماده على استيراد عديد من مدخلات صناعة التعبئة من مواد ومستلزمات وتقنيات ومعدات فلا زالت الجهود لم تفلح في اقامة المركز العربي للتعبئة والتغليف للبحث العلمي والتطوير التقني ولاعداد الكوادر التي يحتاجها هذا القطاع الحيوي، كما لا زالت الجهود محدودة في التعامل مع مخلفات هذا القطاع واعتماد مواصفات قياسية وأدلة ضبط الجودة للمواد الاولية وللمنتجات النهائية له ولسبل الحفاظ على البيئة وصيانتها وكما أسلفنا هناك العديد من المحاولات الجادة الجارية لتطوير هذا القطاع ولكنها وفي ظل زخم التقنيات المتولدة وطوفان المعلومات التقنية وعشرات القوانين والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة يستلزم كل ذلك اجراء عمليات تقييم سنوية لما تم انجازه في ميادين منظومة التعبئة والتغليف عربياً وعالمياً لتنعكس ايجابياً على التطور المنشود في الوطن العربي.
وعموماً فان صناعة التعبئة والتغليف كمنظومة متكاملة، ولا بد من التعامل معها في مختلف روافدها بحيث تتكامل في نهر عطاء كبير.
الدكتور فلاح سعيد جبر