الإنسان بحاجة إلى إشباع الحاجات المادية والمعنوية/ pixabay

حاجات ماسلو النفسية والفسيولوجية

علم النفس Psychology من العلوم الهامة في عصرنا ولا يمكن للمربي بحال من الأحوال الاستغناء عن نتائج هذا العلم لأنه يبين خصائص النمو لكل مرحلة عمرية من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشيخوخة ويشرح هذا العلم حاجات الإنسان الجسمية والعقلية والاجتماعية والنفسية بغرض التعامل معها بالشكل الأمثل.

وبما أن التربية هي عملية لتغيير السلوك الإنساني فإن علم النفس من المفاتيح الهامة لفهم أغوار النفس من أجل التنمية وتحقيق الصحة النفسية. في كل يوم تكتشف الدراسات المزيد من الأسرار النفسية في ميدان علم النفس العلاجي والأسري والاجتماعي. الأصول النفسية للتربية تدرس طبيعة المتعلم وكيفية تغيير سلوكه وبذلك فإن دراسة المتعلم ودوافعه وحاجاته والفروق الفردية ودور كل من الوراثة والبيئة في تشكيل شخصية الإنسان وطرائق التعلم كلها من الموضوعات التي تدخل في دائرة الأسس النفسية. وعلى ذلك فإن الأصول النفسية للتربية تبصر المربي وتقدم له الأسس الخاصة بكيفية التعامل مع المتعلم وفق طبيعته الإنسانية في جميع مراحل حياته وكيفية التفاعل بين السلوك الإنساني والبيئة المحيطة.

الحاجات النفسية

الإنسان بحاجة إلى إشباع الحاجات المادية والمعنوية. ما زال المربون في ميدان التربية يعتبرون نظرية العالم النفساني الأمريكي إبراهام ماسلو (Abraham Harold Maslow) (1908-1970م) من النظريات النفسية الهامة الجديرة بالدراسة لكل المعلمين والمعلمات (Parkay & Stanford, 2001, p. 298 ). للإنسان حاجاته النفسية مثل حاجة الشعور بالأمن كما يقول ماسلو في هرمه المشهور “هرم الحاجات” “Hierarchy of Needs” ولذلك فإن التربية يجب أن تراعي تلك الحاجات النفسية والاجتماعية والبيولوجية كي يشبعها الإنسان.

أشار ماسلو إلى الحاجات التالية:

1-الحاجات الفسيولوجية Physiological Needs مثل الحاجة للطعام والشراب والكساء والسكن والزواج وهي الحاجات الضرورية لاستمرار بقاء الإنسان على قيد الحياة. فإذا أمّن الإنسان ضرورات حياته المعيشية فسيبدأ بالبحث عن تحقيق غاية أو حاجة أخرى أعلى في الهرم.

2-حاجات الأمن Safety Needs (security) في النفس والمسكن والوظيفة. إن تهديد الإنسان في معاشه هو تهديد لحاجة أساسية في حياته وكلما ضمن الإنسان من خلال اللوائح والقوانين كفالة حقه في توفير حاجاته الضرورية كلما ازداد شعوره بالارتياح النفسي. حتى في مرحلة البداوة فإن هذه الحاجات تشبعها القبيلة بنظامها المبني على التكافل لأبناء القبيلة.

3-حاجات الانتماء Social Needs (affilation) للجماعة والمجتمع وتحقيق التوافق مع الآخرين من خلال الحب والمودة والبر. وفي هذه المرحلة يمكن استنباط قاعدة اجتماعية تُعد من أهم الأصول التربوية وهي أن الإنسان اجتماعي بالطبع يميل إلى التجمع والتفاعل مع الآخرين.

4-حاجات التقدير Esteem Needs (Recognition) من كلمات ثناء وألقاب التكريم والتشريف. هذه الحاجة،كغيرها من الحاجات، يجب أن يتم إشباعها في محيط العائلة والمدرسة والمؤسسات التي يتعامل معها الفرد وفي بعض الأحيان شهادة التقدير قد تكون لها قوة في التأثير كحافز أكبر وأكثر في النفس من استلام الجوائز المادية.

5-حاجات تحقيق الذات Self-actualization Needs الرضا عن النفس والشعور بقدر كبير من السعادة الذاتية بعد تحقيق الأهداف. وهكذا فإن ثناء الآخرين والحصول على المادة لا يمكن أن توفر السعادة في النفس ما لم يشعر الإنسان بأن تقديره لنفسه من مصادر سعادته.

برز ماسلو في الستينات من القرن العشرين كرائد من رواد علم النفس الإنساني Humanistic Psychologyويعتبر علم النفس الإنساني مقدمة هامة تربوياً لفهم طبيعة الإنسان وفهم حاجاته. يؤكد ماسلو في نظريته على أن الإنسان كلما حقق حاجاته الأولية فإنه يتطلع لإشباع حاجة أعلى فيتنقل من مرحلة إلى أخرى على التوالي إلى أن يشبع حاجاته من خلال تحقيق ذاته والكثير من أهدافه.

تؤكد نظرية ماسلو على أن الحاجة إلى الأصحاب والحاجة إلى التقدير والاحترام في محيط الأسرة والمدرسة ومركز العمل من الحاجات الأساسية للإنسان وأن الانتماء إلى الأندية والجمعيات والنقابات ليس بالأمر الكمالي في حياة الإنسان فهذه الحاجات تغذي نفسه من ناحية الانتماء إلى الآخرين. وجد ماسلو من خلال ملاحظته لبعض الشخصيات التاريخية البارزة أن قلة من الناس هم الذين يصلون إلى مرحلة تحقيق الذات The level of self-actualization.وهذه المرحلة بحاجة إلى عمل دائم لأنها عملية مستمرة تتصف بالنمو والديمومة وتستدعي الحفاظ على مستوى الصحة النفسية والإنجازات التي سبق أن حققها الفرد. أكد ماسلو على الحاجات الفسيولوجية، وحاجات الأمن، وحاجات الانتماء وحاجات التقدير وحاجات تحقيق الذات.

يحتاج المعلم إلى فهم هذا الهرم النفسي لأنه سيتعامل مع مجموعة من الطلاب ممن قد يكون منهم من يفتقد الأمن في البيت أو المدرسة أو يدفعه الفقر والحاجة إلى إهمال الدروس فلا ينتبه في الفصل. سيلاحظ المعلم أن بعض طلابه في مراحل متفاوتة في هرم ماسلو فقلة الموارد أو فقدان الأمن من الأسباب المؤدية إلى انخفاض التحصيل الدراسي للطالب وضعف مشاركته في الفصل (298 Parkay & Stanford, 2001, p. 298). وهناك نظريات كثيرة تشبه نظرية ماسلو استخدمها علماء الإدارة. يؤكد بعض الباحثين (p.45 1994, ، Merrill Covey, Merrill &) وعلى رأسهم ستيفن كوفي على أن الإنسان بحاجة إلى إشباع الحاجات التالية:

الحاجة المعيشية الخاصة باستمرارية الحياة والبقاء (To Live).
للحب (To Love).
للتعلم (To learn).
للإنتاج والعطاء (To Leave a Legacy).

عندما يولد الطفل يحتاج إلى الحاجات الضرورية البيولوجية العضوية مثل الغذاء والماء والهواء والمناخ الآمن ثم بعدها يحتاج إلى الشفقة والرحمة فإذا كان محروماً من الشفقة والرحمة فإنه لا يصبح شخصاً سوياً بل يصير قاسياً مثل زياد بن أبيه والحجاج في تاريخنا أو نيرون في تاريخ روما. في المرحة الثالثة يكون الطفل بحاجة إلى التعلم ليعرف أهله وما حوله بعد هذه المرحلة فإنه يحتاج إلى العطاء بعد الأخذ وهي مرحلة التعليم بعد التعلم فيترك الإنسان بصمته على أبنائه ومن حوله. مرحلة العطاء هي ثمرة الحاجات الأولى وغاية الفرد في أن يساهم في استمرارية العطاء الإنساني.

لا ريب أن المسلم يشبع حاجاته العضوية والنفسية والاجتماعية والعقلية دون الإخلال بجانب على حساب جانب وتكون عملية إشباع الحاجات والغرائز في ظلال الإسلام الذي ينظم كيفية إشباع الحاجات باعتدال دون إفراط ولا تفريط.

والإنسان السوي لا يكبت أو يقمع حاجاته المادية والمعنوية كما أن الحاجات النفسية في المنظور الإسلامي يجب أن تنسجم مع غايات التربية الإسلامية ويجب أن تعين الإنسان على تحقيق غاية الطاعة وهي لا تكون إلا بثلاثة محاور تتمحور حول ثلاث كلمات جوهرية وهي الاقتصاد والاعتقاد والاجتهاد وفيما يلي بيان لها:

1) الاقتصاد في الاستمتاع بالملذات ومصالح أمور الدنيا والسعي في توفير الحلال من المأكل والمشرب والمسكن والمركب وهي الضرورة البيولوجية وما يرتبط بها من متطلبات مادية دنيوية تنتهي بحسن الاستفادة من البيئة بتعميرها لا تدميرها.

2) الاعتقاد بالله وحده والاعتماد على أوامره ونواهيه في الأمور كلها.

3) الاجتهاد في تطبيق مكارم الشريعة والتعامل مع النفس والناس وفق ميزان العدل والإحسان.


تهتم النظرية الإسلامية بالجسد والحاجات المادية فيتم الإشباع بالحلال وتهتم أيضا بالحاجات الروحية السامية وذلك بتهذيب النفس وتحقيق السعادة الروحية كفرد وجماعة. لم يأت الإسلام لكبت وقمع الطاقات الإنسانية إنما جاء لتنظيم حياة الفرد والمجتمع ليعيش كريماً كما أراد الله له أن يعيش “أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {14}” (سورة الملك). وبهذا لن يكون المسلم عبداً لشهواته فهو يتحكم بها ولا تتحكم به وبهذا أيضا تتميز النظرة الإسلامية عن غيرها من النظرات في أنها واضحة تتحد فيها الغايات مع الوسائل في منهج واحد اختاره الله عز وجل وارتضاه لعباده وعلى رأسهم الأنبياء عليهم السلام.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *