تعريف التربية لغةً واصطلاحًا

يؤكد الكثير من الباحثين أن ليس هناك في الحقيقة تعريف متفق عليه لمعنى التربية، وذلك لاختلاف الفلسفات والأديان والمذاهب.

كذلك يختلف معنى التربية ومفهومها من مجتمع لأخر، ومن ثقافة لأخرى، بل من فرد إلى أخر، وعلى الرغم من الاختلافات في المعنى والتعريف لمفهوم التربية قديما وحديثا، إلا أنها تنطوي على أبعاد مشتركة بصورة كلية أو جزئية، فإن اتجاه التربية إيجابي بحد ذاته.

إننا نربي للتوصل إلى الحسن والجيد، وليس إلا ما هو سيء وخاطئ، إذن لا وجود للتربية بدون معايير.

إن تعدد العقول والمفكرين أدى إلى تعدد في المفاهيم والتعريفات، حيث نجد ” أن هناك معاني مختلفة للتربية، لكن إذا دققنا النظر فسوف نجد أن ما قد يبدو(اختلافا) فإنما هو نتيجة تغاير لفظي من حيث الصياغة، وفي أحسن الحالات فهي ( زوايا الرؤية ).

ومن الأمثلة التي قد تشير إلى ذلك ما يقدمه بعض المتخصصين أو المهتمين بالبيولوجي أو علم النفس أو الأنثربولوجيا أو غير هذا وذلك من الاختصاصات، فغالبا ما يظل الاهتمام أو التخصص الأصلي من بين السطور ليشير إلى غلبة هذه الزاوية أو تلك، خاصة أننا نعلم أن المشتغلين بالتربية عادة ما ينتمون إلى حقول علمية بعينها أساسية، ثم أضيفت إليها التربية فيما بعد، فهذا تخصص (جغرافيا) وهذا (تاريخ) وهذه (فلسفة) وهذه (رياضة) .

وبالإضافة إلى ذلك فهناك (الظهير الثقافي والحضاري) لكل منا، فهذا ظهيره ثقافة فرنسية وهذا ألمانية وهذا أمريكية وهذا ظهيره الأساسي ثقافة دينية أو ثقافة قومية.. الخ، مثل هذه المواقع المتعددة تنعكس بالضرورة على المعنى الذي يقدمه الكاتب للتربية، لكنها كما قلنا قد لاتصل إلى حد الاختلاف في الجذور” .

بمعنى أن الاختلاف بين المفكرين ينتج عنه بالضرورة الاختلاف في التعريفات لمصطلح التربية، فكل له مفهومه الخاص انطلاقا من رؤيته الخاصة حول الموضوع المدروس.

وعليه نجد أن فلسفة التربية تحدد–إذن– بطريقة مزدوجة، بواسطة علوم التربية ونوع الأسئلة التي تطرحها على نفسها، وبواسطة فروع الفلسفة الأخرى وما يتوخى من التربية، حيث حاولنا في هذا الفصل أن نبرر ونحدد معالم هذه الأخيرة.

أ-تعريف التربية لغة:

نجد أن البعض قد زعم”…أن فعل “ربى” أتى من اللاتينية بمعنى عمل على إخراج ” أو وضع في الخارج” وهذا ليس صحيحا، إذ اللفظ جاء من فعل أخر ويعني ربي الحيوانات أو النبتات وأصح عن طريق الاشتقاق يدل على العناية بالأطفال.

إن الرجوع إلى أصل الكلمة فيه دائما نوع من المجازفة “فهي” تعني العناية بالشيء واصلاحه، فإذا قلنا ربى فلان ولده فمعنى ذلك نشأه تنشئة صحيحة وحسنة وفق عادات المجتمع الذي يعيش فيه “.

تقول تربى الرجل إذا أحكمته التجارب ونشأ نفسه بنفسه ومن شروط التربية الصحيحة أن تنمي شخصية الطفل من الناحية الجسمية والعقلية والخلقية، حتى يصبح قادرا على الألفة ويعمل على إسعاد الناس.

وتعد التربية ظاهرة اجتماعية لما تخضع له الظواهر الأخرى في نموها وتطورها، من أجل أن تكون التربية صحيحة يجب أن تنمى جميع جوانب الحياة مما يتمكن الإنسان من إفادة الغير.

لا يمكننا أيضا عدم الرجوع إلى تاريخ المصطلح، ففي اللغة الفرنسية خلال القرن التاسع عشر كانت كلمة تربية تعني أدب السلوك مما يفرض التكيف مع أعراف الطبقة العليا ورموزها وقيمها وألفاظها المتداولة ولكنها كانت تعني أيضا الضبط الحقيقي للنفس.

فالشخص المربي هو الذي يعرف كيف يتوقف بالمعنى المزدوج المحافظة على مكانته والمحافظة على هدوئه, على خلاف ذلك نجد بأن الكلمة الإنجليزية education هذا المغلوط الذي تسرب إلينا خلسة تعني التعليم كمؤسسة، أي النظام المدرسي والجامعي فعبارة تعني شخصا متعلما وهذا لا يعني أنه ذو تربية حسنة، وفي أيامنا هذه عندما نتحدث عن المشاكل عن العلوم عن وزير التربية فإننا نفكر بالخصوص في التعليم.

مع ذلك فان كل واحد منا يجيز أي معنى أخر للتربية غير المعنى الذي يدل على ترويض الإنسان وانتاج حاملي الشهادات” ،وهذا يعني إمكانية والقدرة على التحكم في النفس وتوجيهها، وعليه يثبت مكانته في للمجتمع، فالشخص المتعلم لا يعني بالضرورة أنه شخص ذو تربية حسنة.

فحين نجد مصطلح ” علم أو درس يدل بالعكس على تربية مقصودة، إنه نشاط يمارس في مؤسسة أهدافها واضحة منهاجها تقريبا مرموزا، ويتم الإشراف عليها من طرف محترفين”، أي أنهما مصطلحان يكونا وفق مناهج ومكان يتم فيه العمل التربوي تحت إشراف معلمين يكونوا قادرين على تحمل وأداء هذه المهمة.

التربية والتعليم هما إذن نشاطان مختلفان وربما ينفي احدهما الأخر, إذا كان يجب استعمالهما معا فمن الصعب أن نقوم بهما في نفس الوقت وأن توكلهما لشخص واحد، إن الآباء ولو كان كانوا متعلمين فهم ليسوا بقادرين على تعليم أبنائهم لأنهم دائما غير صبورين, قلقين ومتحمسين، المعلم على العكس ليس أبا ثانيا والمعلمة ليست أما ثانية، إن دور المعلمين لا يتحصل في أن يجعلوا التلاميذ “كون” هذا لفظ أصبح متداولا بكثرة ( تكوين مستمر، تكوين المتكونين ) إنها كلمة تثير الجدل, زيادة على ذلك فإننا نقيم تعارضا بين التعليم الجاف (الكتبي) والتكوين الجيد (الإنساني) السخي الذي يعلمنا كيف نحيا.

في كل الحالات نجد أن التربية، التعليم، التكوين – التي تبدو مرادفات تربط بينهما علاقة إقصاء إلى درجة إننا لو تعلمنا نفس الشيء في الحالات الثالثة فإننا لا نتعلمه أبدا بنفس الطريقة”، رغم أن بعض المصطلحات ذات حقل دلالي واحد إلا أنها تختلف في طريقة تلقينها واكتسابها.

ب-اصطلاحا:

أما اصطلاحا فهي ” تبليغ الشيء إلى كماله، أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمارين حتى تبلغ كمالها شيء، فشيء تقول ربيت الولد إذا قويت ملكاته ونميت قدراته وهذبت سلوكه حتى يصبح صالح للحياة في بيئة معينة .

بمعنى يستطيع أن يواجه المشكلات ويدرسها ويفيد ويستفاد منه وعليه ينشأ الإنسان الصالح في المجتمع.

حيث نجد ” التربية والوراثة متقابلتان، والفرق بينهما أن ماهية الأولى التغير، وماهية الثانية الثبوت، فإذا كان الموجود الحي يتغير بتغير الظروف التي يعيش فيها تارة، فمرد ذلك إلى التربية، واذا كان يميل بفطرته إلى الاتصاف بصفات نوعه، فمرد ذلك إلى الوراثة” ،1فالإنسان يتغير حسب الظروف التي يعيش فيها وذلك راجع إلى التربية لأن التربية تتسم بطابع التغير.

وللتربية طريقتان: الأول أن يربى الطفل بوساطة المربي، والثاني أن يربى نفسه بنفسه، فإذا أخذت التربية بالطريق الأول كانت عملا موجه يتم في بيئة وفقا لفلسفة معينة، واذا أخذت بالطريق الثاني كانت عملا ذاتيا يترك فيه الطفل على سجيته ليتعلم من نشاطه القصدي.

وليتضح المعنى” …إن التربية في كل المجالات منذ الولادة إلى أخر يوم من الحياة هي تعلم إنساني، والتربية العائلية والتعليم والتكوين هي أيضا أجزاء من هذا التعليم، تتعلم في كل الحالات كيف نصبح رجالا، إذن لو أردنا أن نعرف التربية يجب أن نفكر في كلمة رجل” ،فهي منتوج إنساني تنشأ و تتطور معه.

وتسمى التربية التي تقوم على هذا النشاط الحر، وعلى مراعاة الفروق الفردية، والقابليات الشخصية بالتربة التقدمية، وهي حركة اصطلاحية مبنية على المذاهب النفسية والاجتماعية” ،ومنه نجد بأن التربية إما تكون مقصودة تحت إشراف مربي واما تكون حرة تلقائية.

إننا نراها تلك العملية التي عن طريقها تقوم بتنمية جوانب الشخصية الإنسانية في مستوياتها المختلفة، ذلك أنه شاع بين المتخصصين أن للشخصية مستويات ثلاثة:

المستوى الأول: هو مستوى الوعي والإدراك المعرفي.
المستوى الثاني: هو مستوى العاطفة والوجدان.
المستوى الثالث: هو مستوى الحركة والنزوع والمهارة.

وهكذا يتم تنمية الجانب المعرفي للإنسان عن طريق تزويده بكم من المعلومات والمعاني والمفاهيم والحقائق، فضلا عما يرتبط بهذا من حيث طريقة التفكير ومنهج البحث وأساليب الربط والاستنتاج والاستنباط والتحليل والنقد ، فإذا كانت التربية تساهم في تنمية وتطوير شخصية الإنسان في مختلف جوانب الحياة فنحن نجد بأن التربية تؤثر على كل جانب من جوانب شخصية الإنسان.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

ديوان “همس مسموع ” بين التأمل العميق والتعبير الإنساني

ديوان “همس مسموع” للأديبة الأردنية حياة صالح دراغمة يتضمن مجموعة من القصائد النثرية التي تتميز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *