استخدم قدماء المصريين ورق البردي لتدوين تاريخهم وحضارتهم /pixabay

تاريخ ورق البردي وطريقة صناعته وإنتاجه

ورق البردي هو الورق الذي ابتكره قدماء المصريين ليدونوا عليه و ثائقهم وما وصلوا إليه من رقي حضاري رفيع . و فضل هذا الورق على الحضارة الإنسانية عظيم ، فقد حفظ لنا ثروة هائلة من المعارف و العلوم التي توصل إليها المصريون القدماء وغيرهم ، فمن مخطوطات البردي عرفنا أن المصريين القدماء هم أول من وضع التقويم الشمسي الذي لا يزال متبعة في أرجاء المعمورة، وأنهم أول من ألف برديات في الجراحة والطب الظاهري و بعض قواعد علم الحساب و مبادئ الجبر وهندسة المسطحات و المجسمات مما لم تعرفه أوروبا إلا بعد ذلك ثلاثة آلاف عام .

كذلك عرفنا من أوراق البردي أن المصريين القدماء هم أول من اكتشف القلم ، والحبر الأسود، والورق الذي لا يزال يعرف في اللغات الأوروبية الحديثة باسمه المصري القديم( paper ) بابير وس – Papyrus مع تحریف قليل .

ولم يقتصر استعمال ورق البردي على مصر القديمة وحدها ، بل انتشر منها إلى سوريا والإمبراطورية الأيونية والإمبراطورية الرومانية الغربية والشرقية ، فكانت لفائف البردي المركب الضخم الذي نقل إلينا أرقى ما توصلت إليه تلك الحضارات الزاهية من علم و فلسفة وأدب وفن. وكان البردي يحتل المركز الثاني بعد نسيج الكتان بين صادرات مصر في تلك العصور الغابرة.

ولعل البردي قد يساعد على انتشار الكتابة وتطورها إذ كانت مهنة الكتابة من المهن المرموقة في مصر القديمة، وكان الملوك والأمراء والنبلاء” والتجار يستخدمون الكتان لحفظ سجلاتهم وحساباتهم وقراراتهم ووثائقهم . وكثيرا ما كان الآباء يوصون أبناءهم بأن يتعلموا الكتابة لأنها مهنة تضمن لهم المكانة الرفيعة والحياة الرغدة والمركز المرموق في المجتمع .وقد كانت مكتبة الإسكندرية القديمة التي أحرقها « يوليوس قيصر» كانت تضم نحو ثمانمائة ألف مجلد من ورق البردي.

وينمو البردي بغزارة في البقاع الضحلة المياه التي يبلغ ارتفاع الماء فيها نحو ثلاثة أقدام . و يمتد الجذر الرئيس لنبتة البردي أفقية ، ويبلغ سمكه سمك رسغ الرجل ، وطوله نحو خمس عشرة قدما . ومن الجذر الرئيس تنبثق جذور صغيرة تضرب عموديا في الأرض الموحلة و تظهر منها السيقان إلى ارتفاع ست أقدام أو أكثر ، وهي سيقان مثلثة مستدقة الأطراف ، فمن رءوس السيقان ذات الزهرة المفردة كانت تصنع أكاليل الأزهار ، و من جذورها كانت تصنع الأواني و يتخذ الوقود .

ومن السيقان كانت تصنع القوارب والأشرعة والحصر والقماش والحبال ، فضلا عن صناعة الورق منها . هذا وكان السواد الأعظم من الناس يتخذ من الإسفنج الإسفنجي في وسط الساق طعامأ يأكله مطبوخا أو على حالته الطبيعية .

ويذكر أن الكهنة كانوا يتخذون منه مادة لصنع صنادلهم، كما أن نسالة السيقان كانت تستعمل في سد الشقوق بين ألواح المراكب . وكان نبات البردي إلى جانب ذلك يستخدم في بناء الزوارق الشراعية الصغيرة الخفيفة السريعة التي تصلح للملاحة في البرك والمياه الضحلة وفي مياه نهر النيل العميقة على حد سواء.

وقد حظي البردي لدى المصريين القدماء بمكانة رفيعة فزخرفوا معابدهم بنماذج بديعة من أوراقه ومن أزهاره التي تسمى أزهار اللوتس ، واتخذت أعمدة المعابد وتيجانها شكل ساق البردي التي تنتهي بزهرة ذات أهداب ناعمة .

وبقي البردي محتفظا بمكانته حتى القرن الثامن الميلادي ، حين امتدت الفتوحات الإسلامية إلى سمرقند شرقا ، واستطاع العرب الوقوف على سر صناعة الورق في الصين التي يرجع تاريخها إلى القرن الأول الميلادي . وعند ذلك أخذت صناعة ورق البردي في التدهور وبخاصة بعد ظهور أساليب متطورة لصناعة الورق من الحرق و نسيج القطن و لب الخشب الذي يتحول إلى عجينة تعالج بمواد كيميائية تجعل منه المادة المثلى لصناعة الورق في عصرنا الحاضر ، ومع انتشار الورق الجديد استطاع ورق البردي البقاء في الميدان حتى القرن الثاني عشر الميلادي . وقد كان لاستصلاح الأراضي على ضفتي النيل لتوسيع الرقعة الزراعية في الآونة الأخيرة الأثر المباشر في انقراض نبات البردي من البلاد ، وانطوت صفحة البردي الناصعة ، وانطوى معها سر صناعة ورق البردي القديمة .

وفي السنوات الأخيرة بدا أن استهلاك الورق أخذ يرتفع بصورة هائلة مع انتشار دور الطباعة في العالم وكثرتها ، تلك الدور التى تقذف إلى الأسواق سيلا جارفة من المطبوعات . وقد أدى ذلك إلى تفكير مصر في الإفادة من خبرة الصين الورق ، وكانت الصين هي المنتجة الأولى للورق في الخمسينات من القرن العشرين لكثرة قش الأرز لديها . ولما كانت مصر تزرع مساحات شاسعة من الأرز فقد رئي إمكان الشروع في إنشاء مصانع للورق تعتمد على قش الأرز، وبدئ في دراسة صناعة الورق و أساليبها المتقدمة في الصين، و تطور هذا التفكير إلى البحث في صناعة ورق البردي من جديد و هو الورق الذي ارتبط بالتراث المصري القديم ، وجرت محاولات عديدة لإماطة اللثام عن سر صناعة ورق البردي القديمة وجلبت كمية من جذور البردي من الحبشة والسودان ، وهما الموطن الأصلي للبردي ، فزرعت في مصر ، و بعد التجارب العديدة أنشئت مزارع كبيرة على ضفتي النيل على مقربة من القاهرة ، ثم تلا ذلك إنشاء «معهد ورق البردي » العائم على مياه النيل في منطقة الجيزة و هو بمثابة متحف ناشئي لورق البردي .

وقد توصلت الدراسات الحديثة التي تجري في مصر حول صناعة ورق البردي تمهيدا لإحيائها من جديد إلى أن المادة الأساسية في صنع ورق البردي هي ذلك اللب النسيجي الذي تحتويه الساق . وتتلخص صناعة ورق البردي في استخلاص ذلك اللب ثم كبسه و صقله .

وتتم صناعة ورق البردي بأن تقطع سيقان البردي في المزارع بمدى كبيرة بعناية فائقة حتى لا تصيبها أية كدمات من شأنها أن تضر بلب الساق الذي يعتبر قوام صناعة ورق البردي . ثم تقص الأجزاء السفلى الغليظة من السيقان على طول قدمين ويسلخ لحاؤها حتى ينكشف اللب الناصع البياض الذي يقطع إلى شرائح طويلة ذات سمك واحد تقريبا ويبلغ عرض الشريحة منها نحو أربعة سنتيمترات و هو عرض كتلة اللب . وتجفف هذه الشرائح وتوضع في مستودعات خاصة لاستعمالها في المستقبل . وعند استعمالها في صناعة ورق البردي تنقع مرات عديدة في الماء في أحواض مطلية بالمينا ومصنوعة من الخزف الصيني ثم تخفق بمطرقة خشبية أو توضع على منضدة مغطاة بقماش نظيف وتمرر عليها اسطوانة . و تتكرر عملية النقع والخفق حتى تتشبع الشرائح تماما بالماء . وبهذه الطريقة يمكن التخلص من العناصر العضوية الغريبة غير المرغوب فيها ، ومن ثم تبرز الألياف النسيجية من الشرائح التي تغدو جاهزة لعمل صحائف منها. و يقص بعض هذه لشرائح إلى طول أربعين سنتيمتر و بعضها الآخر إلى طول ثلاثين سنتيمترا وهي الأطوال التي كانت عليها صحائف البردي في العصور القديمة .

وتؤخذ بعد ذلك بعض الشرائح من فئة الأربعين سنتيمتر و تصف أفقيا على نحو متداخل فوق قطعة من اللباد السميك في حجم الورقة المطلوبة مغطاة بملاءة من قماش القطن بدلا من الكتان الذي كان المصريون القدماء يستعملونه ، ثم تصف شرائح من فئة الثلاثين سنتيمترا فوقها بشكل متعارض .


وهنا يقوم عامل بتمرير مدحاة من المطاط فوقها لاستنزاف الماء من الصحيفة ، ثم تغطى بقطعة ثانية من اللباد و قماش القطن وتوضع تحت مكبس لولبي وتضغط بشدة حتى يتم تجفيفها فتتماسك الشرائح بعضها ببعض ومن ثم يمكن الحصول على ورقة بردي صالحة للكتابة عليها بقلم الرصاص أو قلم الحبر الجاف أو السائل .

ليس ذلك فحسب ، بل تصلح أوراق البردي التي تصنع في مصنع البردي للرسم بالألوان الزيتية و المائية على حد سواء زيادة على أنه يتوفر فيها جميع الخواص التي يتطلبها ورق الكتابة والطباعة في عصرنا الحاضر.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

شركة WardLin السويدية تفوز بجائزة الابتكار لعام 2024

أعلنت شركة (Företagfabriken)، الحاضنة الرائدة للشركات الناشئة في السويد وضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي والسويد لدعم …

3 تعليقات

  1. ورق البردي حملت تاريخ الحضارة الفرعونية العريقة

  2. شكرا لكم ولموقعكم الرائع على المعلومات الثقافية والصحية التي تفيدنا كثيرا

  3. اشكركم كثيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *