يكون نمو الإنسان سريعا في السنتين الاوليين من حياته ثم يصبح بطيئا / pixabay

النمو الجسمي والحركي والحسي والانفعالي للإنسان واشباع الحاجات المادية

يحدث الوفاق بين الاباء والابناء وتمر الحياة بسلام بينهم ينبغي للوالدين معرفة المراحل النمائية للأبناء وتلبية الحاجات المادية والانفعالية والفكرية والاجتماعية.

يكون نمو الطفل في السنوات الاولى من حياته سريعا، ويكون النمو عادة من الاعلى الى الاسفل ومن مركز الجسم الى الاطراف، ولهذا يجب الاهتمام بطعام الطفل وشرابه ونومه ونظافته.

اما من حيث النمو الحركي فان الطفل يقوم بالحركات الاولى كحركة عينيه في تتبع الاشياء امامه وتحريك رأسه وذراعيه ثم يبدأ بإمساك الاشياء بيديه، ثم يسيطر على القسم الاسفل من جذعه وساقيه ثم يقوم بالزحف والجلوس والسير ثم القفز واللعب ثم الركض واللعب، هذا ويرافق النمو الحركي عادة انخفاض في وزن الجسم وزيادة في طول الجذع والساقين ونمو في العضلات والنسيج والاعصاب. لذا وجب ترك الطفل ليلهو ويلعب ويتحرك في اماكن آمنة وتحت رقابة المربي، وان يتمكن من استخدام المعجون والطباشير والالعاب المختلفة.

اما من حيث النمو الحسي فتعتبر حواس الطفل من أكثر اعضائه تكاملا عند الولادة كما ان نموها سريعا مما يجعلها قابلة للاستجابة للمؤثرات الخارجية بصورة جيدة في نهاية السنة الثالثة من العمر، ثم يتناقص النمو تدريجيا كلما اتجه الطفل نحو البلوغ، فالطفل يستجيب للمؤثرات اليومية بعد مرور ساعات على الولادة، الا انه لا يستجيب للألوان قبل الشهر الثالث او الرابع، وعند الشهر الخامس يتم عنده التوافق الحسي الحركي.

وتكون حاسة السمع عند الولادة اقل نضجا من حاسة البصر، ولا يستطيع الطفل ان يميز بين الاصوات قبل الشهر الرابع، ولا تبلغ حاسة السمع اقصى قوتها الا بعد سن السادسة، ويعتمد الطفل في البدء على حاستي اللمس والشم في احتكاكه لانهما ناميتان نموا جيدا منذ الولادة، لهذا يحتاج الطفل في هذه المرحلة الى رعاية اساسية من طعام وشراب ومساعدة له على النوم ومعالجة بعض المظاهر المرضية كالمغص او البكاء والصراخ والمحافظة على النظافة.

مرحلة الطفولة المتأخرة

يكون النمو سريعا في السنتين الاوليين في هذه المرحلة (سن السادسة والسابعة) ثم يبطئ نسبيا حتى سن المراهقة، لهذا يكون الطفل حوالي الثامنة من عمره وما بعدها قويا ونشيطا لان نموه البطيء لا يستنفذ قدرا كبيرا من طاقته، وتختلف درجة النمو باختلاف الاعضاء والاجهزة، فطول القامة والجذع والساقين مثلا يزداد بين سن العاشرة والثانية عشرة، ثم تهبط درجة النمو فجأة.

وتختلف درجة النمو من طفل لأخر ومن جنس لأخر، والاختلاف في النمو الجسمي بين الجنسين واضحة تماما، حيث تكون البنات عامة أكثر نضجا من البنين من نفس العمر، فمثلا يكون الهيكل العظمي وعملية التكلس أكثر تكاملا عند البنت في سن الثامنة منها عند الصبي في هذه السن. ويتحسن النمو العضلي من سن السابعة حتى الثانية عشرة مما يساعد الطفل على التقدم في المهارات اليدوية التي تتطلب السيطرة على العضلات المختلفة، وتظهر قدرة الطفل في السيطرة على العضلات الصغيرة بوضوح في سن التاسعة من حيث عضلات العين واللسان والاصابع فتتسع دائرة نشاطه الفني واللغوي والترويحي. اما الدماغ والجملة العصبية والغدد والحواس فيكون نموها سريعا جدا حتى أوائل الطفولة الثانية ثم يأخذ هذا النمو بالتباطئ.

اما من ناحية النمو الحسي فان التمييز البصري يكون ضعيفا وقد تتعرض حاسة البصر الى الفقدان لذا يجب ان يتجنب الطفل التدقيق في الحروف الصغيرة كي لا تترك اثرا سيئا على صحته الجسمية والعصبية والنفسية. اما حاسة السمع فان الطفل يستطيع ان يميز بين بعض النغمات الصوتية.

ان النمو الحركي والحسي والجسمي يقتضي من المربين الاهتمام بالتربية المادية وبالأخص والصحية.

التربية الصحية

يجب مراقبة صحة الطفل في بداية عمره من حيث صعوبات التنفس والاسهال والافراط في النوم واصابة العيون والحمى ومدى استجابته للأصوات واليرقان والتهيج العصبي الشديد والطفح والاصابات الجلدية والتقيؤ وازدياد الوزن. ويمكن للام ان تستشير طبيبا إذا ابدى الطفل أي مظهر من المظاهر التالية التي تشير الى تأخر في تطوره في عمر (4-5) سنوات:

– اظهار سلوك فيه رعب.
– اظهار سلوك عدواني.
– لا يستطيع الانفصال عن والديه دون ابداء مشاعر القلق والصراخ بشكل غير عادي.
– تشتت انتباهه بسهولة وعدم القدرة على التركيز على نشاط مفرد لأكثر من بضع دقائق.
– يبدي اهتماما ضئيلا في اللعب مع الاطفال الاخرين.
– من النادر ان يستخدم الخيال او التقليد في لعبه.
– يبدو انه حزين او غير سعيد في معظم اوقاته.
– لا يعبر عن انفعالاته.
– يجد صعوبة في تناول طعامه او في نومه او في استعمال المرحاض.
– لا يستطيع التمييز بين الخيال والحقيقة.
من واجب الاباء حماية اولادهم من الامراض السارية والمعدية عن طريق تطعيم الطفل كوقاية ومعالجة الامراض حال حدوثها.

اللعب في حياة الأطفال

السنوات السبع من عمر الطفل هي لعب ولعب ولعب، فاللعب في هذه المرحلة هدف بحد ذاته لا فرق بينه وبين العمل، وهو يلعب اينما كان في المطبخ ، في حوض الغسيل ، في البانيو، في غرفة النوم، ولا يقبل الطفل على اللعب في المكان المخصص للعب فيه الا اذا كان معه آخرون، ولا يرغب في اللعب منعزلا، وانما يرغب في اللعب قريبا من امه، لذا ينبغي على الام ان تحترم رغبته في اللعب حولها فتتيح له اللعب قريبا منها وهي تقوم بأعمال المنزل، وهذا كله لا ينفي تخصيص مكان ليلعب فيه، ووضع العابه فيه، وتعويده على احترام ممتلكاته وممتلكات غيره، وهذا يجعله يفرق بين العابه واثاث المنزل حتى يتجنب العبث به، وعلى الام ان تشجع طفلها على ان يرجع كل شيء مكانه بعد الانتهاء من استعماله، وهذا يتطلب اشرافا مستديما عليه.

وللتخفيف من الفوضى التي يحدثها الطفل ان يحتفظ بألعابه بعيدا عن متناول يده، وان يعطى القليل منها بالشكل الذي يكفي لاستغراقه في اللعب بها، حتى إذا ظهرت عليه علامات الملل استبدلت بغيرها.
كما يحتاج الطفل الى الهواء الطلق خارج غرف المنزل بحيث يستطيع الركض والتسلق دون ان يتعرض لأذى، وبشكل عام هو بحاجة الى ارض مكشوفة خالية من العوائق ليلعب عليها، ويرغب الطفل باللعب بالرمل قبل سنوات المدرسة، وهذا يتطلب توفير مكان آمن ليلعب فيه بالرمل وان تشاركه امه لعبه ولا تتركه وحيدا لساعات طويلة.

ان اللعب مفيد في تنمية عضلات الجسم والتدرب على استخدامها، ويحثه على البحث والتعلم.

النمو الانفعالي واشباع الحاجات النفسية

ويقصد بالنمو الانفعالي كل ما يعبر عن الحاجات النفسية من سرور وارتياح وضحك وبكاء وخوف وغضب واسى وحزن وضيق والم وانفعال مستمر في حياة الفرد في جميع الاوقات والظروف والحالات.

ويتطور النمو الانفعالي عند الطفل من استجابات عامة مشوشة الى اخرى خاصة، كما تأخذ انفعالاته في التنوع والتخصص.

ويمتاز الطفل الانفعالي بالتقلب الفجائي من ضحك الى بكاء والعكس بالعكس، ويتدرج هذا السلوك من الحزن والشدة الى الاعتدال والهدوء بازدياد نمو الاطفال العقلي، اذ يستغني عن كثير من الحركات والتعبيرات الحادة لأنه يكتشف انها غير مفيدة ولا تلاقي استحسانا ممن حوله، كما ان سيطرته على اللغة تساعده على الاعتدال في التعبير عن انفعالاته فيستخدمها لتفسر عما يسعر به من ضيق او الم او غضب.

اما من حيث القلق والخوف فان هذه الانفعالات تبلغ اقصاها في نهاية السنة الثالثة، وذلك لان الناس حول الطفل يحاولون الضغط عليه باستمرار لاكتساب معايير ومفاهيم المجتمع، فيحرمونه من اشياء يريدها او يؤجلوها فيشعر بالمرارة والخيبة، وأكثر الانفعالات حدة تعلقه بوالديه وخوفه من فقدانهما.

وهنا يتعلم الطفل ان الاشياء تظهر وتختفي وان طلباته تنفذ او ترفض، فليس كل ما يريده يحصل عليه.

اما مخاوف الطفل في هذه المرحلة فإنها تنتقل من الاشياء الحسية الى الاشياء الوهمية كالأشباح والوحوش والظلام او يخافون من الاصوات العالية او الالم الجسدي او الحركات المفاجئة.

لذا يجب حماية الطفل من الانفعالات الشديدة وضرورة ابعاده عن كل ما يثير فيه الخوف او القلق، وان يكف الاهل عن سرد القصص التي تثير الخوف كقصص الغولة والجن وغيرها، خاصة في هذه المرحلة بالذات.
عند دخول الطفل المدرسة يفتح امامه المجال واسعا للاهتمام بالعالم الخارجي وتكوين علاقات مع رفاقه مما يساعده على الشعور بالطمأنينة والتخلي عن شدة التعلق بوالديه. كما ان تقدمه في السن ونموه العقلي يساعده على تعلم انماط من السلوك للتوفيق بين رغباته ورغبات الاخرين فيؤدي ذلك الى الهدوء الانفعالي، فقد يعبر الطفل في التاسعة عن غضبه باتخاذ موقف سلبي كأن يرفض تناول الطعام او ينزوي في غرفته ويتمتم ببعض الكلمات مع تغيير في تعبيرات وجهه.

ولكن مع اتصاف هذه المرحلة بالاتزان العاطفي فان الطفل يثور ويغضب ويخاف كما كان عليه في المرحلة السابقة، وانما الفرق بين المرحلتين في حدة الانفعال واسلوب الاستجابة ونوعها.

سلوك الطفل الانفعالي يتطور ويتكيف نتيجة عوامل منها عامل النضج وامكانيات الطفل العقلية والجسمية وحاجاته وميوله المختلفة، ومنها عامل التعليم والمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل.

وحتى نؤمن للطفل نموا انفعاليا مناسبا يجب مراعاة النواحي التالية:

1- توفير الحاجات الضرورية للطفل واحاطته بحياة عائلية يسودها الشعور بالاطمئنان، ذلك ان اتجاهات الوالدين واسلوب تعاملهما اثر كبير في مساعدة الطفل في السيطرة على انفعالاته.
2- حمايته من التوترات الانفعالية العالية التي تأتي من الصدمات القوية الحادة كعض الأب للطفل او تعرضه للغرق بالماء، وهناك صدمات سيئة كتعرض الطفل في المنزل مشاجرات الوالدين المستمرة مما يفقده الشعور بالامان.

مواجهة النوبات الانفعالية لدى الاطفال

في الوقت الذي تريد فيه الام ان تلزم ابنها بالقواعد السلوكية المرغوبة يحاول الطفل ان يعزز استقلاله عن امه والتحرر من الخضوع لها. ومن هنا يحدث الاصطدام بين الام والطفل وهذا امر حتمي لا يمكن تجنبه، واول علامات الاصطدام قول الطفل كلمة لا عندما يطلب منه امر. وقد يتحول احتجاجه هذا الى نوبات من الصراخ، او ان يرمي نفسه على الارض ويطبق اسنانه على بعضها، ويركل ويدق الارض بقبضته، وقد يحبس انفاسه، وذلك لشعوره بانه مركز الكون وان امه مسخرة لتحقيق مصالحه، وفي نفس الوقت يريد الاستقلال عنها وعدم الاعتماد عليه، ومع ذلك فان امه تمنعه من اشياء كثير يحبها، ولا يستطيع ان يجبرها على تلبية ما يريد فيلجأ الى الغضب والصراخ والبكاء.

وعلى الام ان تعتبر ذلك طبيعيا وهي مرحلة من مراحل نموه، وعليها بداية ان تقلل من حدوث هذه الانفجارات وذلك باتباع ما يلي:

1- عندما تطلب منه عمل شيء ينبغي ان تخاطبه بصوت رخيم ودي وهذب وتصوغ طلبها على شكل دعوة منها له، كأن تقول له ( من فضلك) ( لو سمحت) ( يا بني يا حبيبي) في بداية الطلب ( شكرا) (الله يجزيك الخير) ( الله يرضى عليك) عندما يستجيب لها، وتمدحه على كل سلوك مهذب يبديه.

2- ان تخفف من ضغوطها فلا تفرض عليه اوامر لا يستطيع الالتزام بها او تنفيذها، وقد لا يستطيع فهمها.

3- ينبغي ان لا تفرط الام في ردة فعلها عندما يقول لها الطفل كلمة(لا) لانه يقولها بشكل آلي دون تفكير بها او قصد لمعناها، فاذا ما رفض طلبها فلا توقع عليه عقابا فوريا، بل تبقى هادئة وتكرر طلبها بطريقة الامر. أي اذا كانت طلبت منه في البداية الامر بطريقة مهذبة كأن قالت له ( من فضلك اغلق الباب) تكرر الطلب ثانية بطريقة الامر لا مجرد طلب( اغلق الباب) دون تعليق ودون سؤال… وسيأتي الحديث عن الاوامر الفعالة.

4- ينبغي ان تختار الام معركتها مع طفلها بعناية، وان لا تدفعه الى الانفجار، فاذا رفض الاستجابة لها في امر غير هام تغض الطرف عنه، اما اذا رفض الاستجابة لها في امر مهم فعليها ان تجبره على طاعتها.

5- يجب الا تتيح الاختيار لطفلها اذا لم يسمح الموقف بالاختيار، فاذا ابدى الطفل رغبته في البقاء في الشارع خارج المنزل او رفض الذهاب الى النوم حين حان موعده، او رفض الذهاب الى الحمام وهو بحاجة له فهذه امور غير قابلة للتفاوض. وهو لا يستحق أي مكافأة إذا تعاون معها، لان تقديم مكافأة له حتى يستجيب لها في مثل هذه الحالات تعزيز لعناده.

6- ينبغي للام ان تتيح لطفلها اختيارات محدودة اذا كان ذلك ممكنا مثل ان تتيح له ان يلبس الملابس التي يختارها، او يختار اللعبة التي يرغب بها، وان هذا الاختيار يعني استقلاله الذاتي ويزيد من استجابته لامه.

7- ان تجنب طفلها أي موقف يثير غضبه، فاذا كانت تعرف ان طفلها يستثار في السوق او في مكان عام فلا تصحبه معها وتبقيه في البيت، وتخرج دون ان يراها.

وهناك طريقة ايجابية لوداع الطفل وهي أن تأتي الأم عند طفلها وتؤكد له أنها ذاهبة في مشوار قصير وستعود قريبا وتقبله قبلة سريعة وتذهب ويحبذ أن تكون الأم ايجابية وسريعة فلا تطول الوداع ولا تبكي وكأنها ستغادر إلى الأبد, بل يستحسن أن تكون سعيدة حتى تنقل اليه هذا الاحساس.

ربما تبدو هذا الطريقة مستحيلة لبعض الأمهات ولكني أنصحها باتباع هذه الطريقة فورا والاستمرار عليها حتى يتعود عليها الطفل لما لهذه الطريقة من فوائد عدة أهمها:

– ثقة الطفل بأمه وهذه الثقة تكسب الام مزايا ذهبية تكتشفها مع مرور الوقت
– التخفيف من حدة ظاهرة الخوف عند الانفصال عن الام ولهذا ايضا فائدة للأم فلا يعود ابنها عبئا كبيرا عليها كلما ارادت القيام بشئ من اعمال المنزل او المغادرة لسبب ما.

وأخيرا .. فكل أم تتبع الأسلوب المناسب لها ولابنها فليس كل الاطفال سواء .

8- تكافئ الام أي سلوك جيد يقوم به طفلها وتزيد من اهتمامها به وتمدحه.

9- اذا ما حدث الانفجار العاطفي رغم كل وسائل الوقاية فعليها استخدام الاقصاء معه بان تعزله في مكان ما لفترة قصيرة من الزمن، وسيأتي الحديث عن ذلك. وإذا حدث الانفجار في الشارع فعليها ان تبقى هادئة فلا تضربه ولا تصرخ عليه لأنه سيتمادى في انفعاله وصراخه، وعليها ان تأخذه الى مكان بعيد عن الحاضرين، وتعمل على تهدئته باحتضانه ومخاطبته بصوت هادئ والاستفسار عما يغضبه.

النمو الاجتماعي

يبدأ الطفل منذ الاشهر الاولى من حياته بالاستجابة للمؤثرات الاجتماعية حوله مثل كلام البالغين وضحكهم معه وتقديمهم الغذاء له وبذلك يكتشف تدريجيا صبغة نشاطهم ومعناه، وتتخذ استجاباته صبغة اجتماعية.

وقد اثبتت الدراسات ان الطفل في الشهر الاول يستجيب لصوت الانسان ويميز بينه وبين الاصوات الاخرى، وفي الشهر الثاني يضحك لمن حوله، ويكف عن البكاء، ويبتسم عند اقتراب امه منه، وفي الشهر الثالث يكف عن البكاء بمجرد سماعه صوت امه. وفي الشهر السادس يميز تعابير الوجوه التي تنم عن الرضا او التوبيخ او عدم الرضا.

وفي السنة الثانية من عمره يكون الطفل صورة خاصة جدا لعالمه الاجتماعي واصدقائه، وأكبر صفة يتصف بها في هذا العمر هي تمركزه حول نفسه، وهذه الصفة تمنعه من اللعب مع اطفال آخرين بالمعنى الاجتماعي الحقيقي، وانما يلعب بجوارهم. ويتنافس معهم على الدمى وغيرها، وهو ينسجم بشكل أفضل بصحبة شخصين ولكن بين الفينة والاخرى يخطف الالعاب منهم، وغالبا ما ينتهي صراعه معهم بانفجار يعبر عنه بالضرب او بانهمار الدموع.

وحتى تخفف الام من المنافسة بين اطفالها او بين طفلها واي طفل آخر زائر لهم، ينبغي ان تقدم قدرا وافيا من الدمى لكل واحد منهم. وان تكون على اهبة الاستعداد للفصل بينهم حال نشوب أي صراع، ولكن عليها ان لا تتدخل بسرعة ما دام الخلاف بينهم ليس خطيرا ولا يؤذي احدا منهم، وذلك لاتاحة الفرصة لهم لحل مشاكلهم بانفسهم.

وفي هذا السن ينزع الاطفال الى تملك الاشياء بشكل شديد، ويدافعون عما يمتلكون، فلا يسمحون لغيرهم باستعمال اشيائهم اذا كانوا لا يريدونها في تلك اللحظة.

وعلى الام ان تحاول التأكيد لطفلها ان صديقه لا يريد امتلاك أشيائه وحرمانه منها، وانما هو فقط يريد ان يلعب بها ثم يتركها له، وعليه ان يكون لطيفا مع اصدقائه. وان يسمح لهم باللعب بأشيائه لوقت قصير، كما يمكن له ان يلعب بأشيائهم لوقت قصير ثم عليه ان يتركها لهم.

وهذا يساعد على تخفيف حدة حب التملك لدى الطفل وعدم الطمع في ممتلكات الاخرين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يولد المرء على الخصال كلها عدا الخيانة والكذب” ، فكما يوجد حب التملك لدى الطفل ايضا لديه البخل والكرم ولديه الاثرة والايثار وهذه مظاهر لغريزة البقاء عند الانسان، وهذه المظاهر يمكن احلال الواحدة مكان الاخرى، ويمكن تقوية واحدة واضعاف اخرى، او يمكن استخدامها جميعا في مواقف متنوعه، وهذه تتبع مفاهيم الانسان وميوله، وبإمكان المربي ان يقلل من صفة البخل الناتجة عن الرغبة في التملك، وان يقوي صفة الكرم، ولكن لا يمكن ابراز هذه الصفة بالقوة، وانما على الام او المربي ان يساعد الطفل على ابراز هذه الصفة في سلوكه بالممارسة العملية. وبتشجيع الطفل على السماح لأصدقائه واخوانه باللعب بألعابه.

على الام ان تتأكد ان الاطفال لا يمكنهم اللعب معا فترة طويلة، ولكن اذا ترك الطفل على طبيعته ولم يجبر على التخلي عن ممتلكاته فسوف يكتشف متعة ان يشاركه غيره في اللعب، ويزداد التعاون فيما بينهم كلما زادت ثقة الطفل بالاطفال الاخرين، وكلما زادت قدرته على تبادل الافكار معهم عن طريق الكلام.

والطفل في هذه السن لا يعرف مشاعر الاخرين واحساسهم فاذا ما ضرب طفلا وسبب له الما وبكى الطفل الاخر لن يدرك انه السبب في ذلك.

لذا على الام ان تعرفه ما حدث، وما نتج عن اعتدائه على اخيه دون ايقاع عقوبة به، فاذا عض طفلا تقول له امه: اسنانك هي التي سببت له الاذى والالم وهو يبكي بسبب العضة.

ان ما يدفع الطفل لضرب طفل آخر هو اشباع حب الاستطلاع، ولكن قد تكون هناك دوافع اخرى على الام ان تعرفها وتعالجها، قد يكون سبب عدوانه انه لا ينال دعما كافيا من والديه او قد يغار من اخيه الأصغر، او ان طفلا اكبر منه يعتدي عليه باستمرار وهو لا يستطيع مقاومته، لذا على الام محاولة معرفة الاسباب ومعالجتها اولا بأول.

وفي هذا السن يكون الطفل مقلدا بارعا لاعمال الاخرين، فهو يميل الى تقليد امه في اعمالها، ويصر ان يجلي الصحون معها او يقف بجانب الغسالة ليغسل، وعلى الام ان تحول هذه المساعدة الى لعبة من اجل اشباع رغبته الا اذا كانت في عجلة من امرها او كان عملها خطرا لا يمكنه مساعدتها فتمنعه، لكن في فيما عدا ذلك يجب ان لا تثبط مثل هذه الدوافع بل تعمل على تنميتها واستمرارها.

والطفل في هذه السن يقضي لعبه الخيالي في تقليد الاخرين فاذا وضع لعبته على الفراش تحدث اليها بنفس كلمات امه ويقلد نغمة صوتها ، ومهما كانت مقاومته لتعليمات امه شديدة في بعض الاحيان، لكنه يقلد سلوكها ويطلب من لعبته ان تنفذ تعليمات امه التي تطلبها منه، وهذه الانشطة تساعده على تعلم السلوك الاجتماعي الذي تسلكه امه معه، وتكون امه نموذجا جيدا للدور الذي تلعبه في حياة ابنها.

يكون الطفل سعيدا اذا قام بزيارة مع امه الى منازل الاصحاب والاقارب، خاصة اذا كانوا يسكنون على مقربة منه، فعن طريقهم يستطيع التعلم من الاجيال المتعاقبة العادات المنزلية المختلفة، ويشعر بالاستقرار العاطفي نتيجة ملاحظة الاخرين له بالأساليب السلمية.

وإذا زار المنزل ضيوف على الام ان تشرك ابنها معها في استقبال الضيوف والترحيب بهم وتقديم واجبات الضيافة لهم.

عندما يتقدم الطفل في السن ويصبح بين 3-4 سنوات، تقل انانية الطفل ويقل اعتماده على امه مما يدل على احساسه بذاته وشعوره بالأمن، وتزداد رغبته باللعب مع الاطفال، ويدرك من خلال لعبه معهم انهم يفكرون بشكل مختلف عما يفكر فيه، وان لكل طفل منهم خصائصه الفردية التي لا يشاركه فيها غيره، فبعضهم اكثر جاذبية مع اطفال آخرين، ويكتشف ان له خصائص خاصة به تجعله محبوبا من قبل الاخرين وذلك دعم حيوي لاحترامه لذاته. ويتوقف عن منافستهم والنفور منهم ويقترب منهم ويتقبل ان يشاركهم في العابه، ولكن هذه ليست حالة دائمة، ومع ذلك لا يلجأ الى الصراع او البكاء من اجل الحصول على شيء، وانما يطلبه بادب، فيقل سلوكه العدواني، وتزداد فترات لعبه مع الاطفال ويلجأ الى ايجاد حلول للنزاع القائم بينه وبين الاطفال، وعلى الام ان تشجع هذا النوع من التعاون.

واذا حدث صراع بينه وبين الاطفال عليها ان تساعده في التعبير عن مشاعره وانفعالاته وتحدد له سبب انزعاجه وتبين له انها تفهم مشاعره، ولكن عليها ان توضح له ان الاعتداء على الطفل الاخر ليس طريقة صحيحة للتعبير عن هذه المشاعر.

وعلى الام ان تساعده ان يرى الموقف من وجهة نظر الطفل الاخر وتذكره بمشاعره عندما اعتدى عليه شخص بالضرب او الصراخ عليه، وان تقترح عليه طرقا اخرى لحل النزاعات، وعندما يفهم ان ما فعله خطأ تطلب منه الاعتذار عن خطئه.

واهتمامات الطفل في هذه السن تؤدي الى انخفاض مستوى صراعه مع الاطفال لانه يقضي وقته في اللعب الخيالي الذي يقلد فيه دور الكبار كدور الام او الاب او الغني او الفقير، او القوي او الضعيف مما يساعده في فهم المشاعر المختلفة مثل الحب والكراهية والقسوة والرحمة والتعاطف، وفهم الافكار المتعلقة بهذه المشاعر.

وفي اللعب الخيالي يبدأ الطفل في تحديد دور الجنس الذي ينتمي اليه، فالاولاد يتبنون دور الاب او الجد، بينما البنات يتبنون دور الام او الجدة. وفي هذا العمر يتأثر الولد بأبيه واخوته الذكور، بينما تنجذب البنت الى امها واخواتها الاناث.

والولد في هذا السن يكون اكثر عدوانية من البنت، وتكون البنت اكثر ميلا للكلام من الولد، كما تميل البنت الى اللعب بالدمى واستخدام مواد التجميل وارتداء الفساتين وتلميع الاظافر، بينما يميل الولد الى التباهي مثلا بحمل مسدس او بندقية، ويرتدي ازياء الرجال ، وعلى الوالدين تشجيع ذلك واستحسانه ومكافأة الاولاد عليه.
في عمر 4 سنوات يعيش الطفل حياة اجتماعية نشيطة حافلة بالاصدقاء، وقد يتخذ صديقا مفضلا على غيره، وغالبا ما يكون من جنسه.ويقدر قدراته وقدرات زملائه بامانة الى حد كبير، ويقل الشجار بينه وبينهم ليستطيعوا التعبير عما في نفوسهم لغويا، ويحبون من يتفق معهم في الرأي.

كما يستجيب الاطفال للقائد الذي يدير خطتهم، ويمكن ان يتحقق الانسجام بين ثلاثة اطفال بسهولة تبلغ اعمارهم 5 سنوات، وعلى الام ان تشجعهم على ذلك. فاذا كان الطفل يعيش في بيت لا يوجد فيه اطفال من سنه، على الام ان ترتب له فترات لعب مع اطفال من سنه كأن تأخذه الى المتنزهات والحدائق العامة، وعلى الام ان تشجع طفلها على دعوة احد اقرانه لزيارة منزله، لان هذا يغذي فيه اعتزازه بنفسه واسرته خاصة اذا رحب افراد اسرته باصدقائه واكرموهم مما يزيد من اهتمام الاطفال به.

ولا يهم الاطفال شكل المنزل ومحتوياته ولا اثر له في ازدياد اهتمامهم بالطفل الذي يزورون منزله.
والاصدقاء في هذه السن لهم تأثير على الطفل في تفكيره ومشاعره وسلوكه، وهو يبذل جهده في تقليدهم. حتى انه يقلدهم في انتهاك المعايير السلوكية التي تربى عليها، لانه يتعلم معايير اخرى غير موجودة في منزله، ويحاول اختبار هذا الاكتشاف الجديد بالقيام بالاعمال التي لم يكن مسموحا له القيام بها، كأن يلبس ملابس او يتناول اطعمه ممنوعه، وعلى الام ان لا تيأس اذا تغيرت علاقة ابنها معها نتيجة اختلاطه باصدقائه، فقد يتعامل معها بفظاظة، وقد يشتمها ويخالف امرها، وعلى الام ان لا تستغرب ذلك، لان ذلك فيه علامة ايجابية على انه يتعلم تحدي السلطة ويختبر حدود التحدي، ولكن ماذا تفعل بهذه الحالة؟

افضل طريقة هي استهجان سلوكه مع مناقشته فيما يعنيه حقيقة او يحس به، وكلما زادت شدة انفعالات الام عند استهجانها لسلوك طفلها كلما زاد استمرارية في سلوكه السيء، لذا على الام ان تواجه مخالفاته بهدوء، دون ان تشجعه على الاستمرار فيها، بل تذمها وتحذره من الاستمرار فيها، والا فانها يتعاقبه على ذلك وتنفذ بالفعل نهديدها له. بان تضعه في مكان ما بعيدا عنها لا يزيد ذلك عن خمس دقائق، وان تمدحه عندما يقلع عن اية مخالفة سلوكية من تلقاء نفسه، وسيأتي شرح ذلك في الحديث عن الاوامر الفعالة والاقصاء.
على الام ان تعلم ان ادراك ابنها لمفاهيم الخير والشر لا يزال ضعيفا، وهو عندما يطيع اوامرها يطيعها لا لانه يدرك صحتها، بل خوفا من العقاب، وهو لا يدرك الفرق بين سلوك سيء تعمده وبين سلوك سيء لم يقصد فعله، وهو بحاجة الى تعلم الفرق .

وحتى يفهم الفرق لا بد ان يدرك انه منفصل عن سلوكه فاذا عاقبته امه على سلوك سيء يجب ان تفهمه انها عاقبته من اجل سلوكه السيء، وانها تحبه كشخص. وإذا تخلى عن سلوكه تبقى تحبه. فبدلا من ان تقول له (انت سيء) تقول له (ازعاجك لي عمل سيء)، وفي الحديث ” أنك امرؤ فيك جاهلية” لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي ذر انت جاهل، وانما قال له:” انك امرؤ فيك جاهلية”
وعندما يقع من الطفل خطأ دون قصد وشعر بالذنب، على امه ان تخفف عنه وتقول له: انت تعرف ان هذا الخطأ لم يكن مقصودا منك… (أنك لم تتعمد ان ترتكب هذا العمل الشيء).

وفي الوقت نفسه على الام ان لا تبدو منزعجة من فعله حتى لا يظن ان امه غاضبة عليه بسبب ما صدر منه.
من المهم ان تطلب الام من طفلها اداء مهام يستطيع ان ينجزها بنجاح ثم تثني عليه بعد ان ينتهي بنجاح. حتى يستطيع ان يتحمل مسؤوليات بسيطة، مثل تقديم مساعدة في اعداد المائدة، او تنظيف غرفته.

وعند زيارة المعارف على امه ان تخبره انها تتوقع منه ان يحسن التصرف وعليها ان تهنئه وتمدحه كلما صدر منه سلوك حسن.

في الطفولة المتأخرة :

في هذه المرحلة يصبح الطفل قادرا على المشاركة الوجدانية، اذ يشارك الاخرين افراحهم واحزانهم، وهذا يتوقف على فهم الولد وخبراته والتربية الاسرية. ودرجة التعاون او التنافس التي يشجعها المجتمع.
ويستطيع المربي ان يستغل المشاركة الوجدانية في تكوين الاتجاهات الخلقية والاجتماعية عند الاطفال.
وفي هذه المرحلة يهتم الاطفال بالتنافس حيث يتسابقون على انجاز بعض الاعمال او الاسهام في بعض الفعاليات الفردية او الجماعية للحصول على الدرجات الجيدة والجوائز.


وتختلف درجة المنافسة باختلاف الاطفال والظروف البيئية والتوجيه الذي يتلقونه، وواجب المربي ان يحول المنافسة الى نواح مثمرة حتى يتذوق الطفل لذة النجاح والتفوق وهذه المشاعر تفيده حيث تبعث فيه الحماس والاندفاع في الانتاج.

ومن الامور الاجتماعية البارزة في هذه المرحلة: الصراع والقتال بين الاطفال. وفسرها بعض المربين بانها تفريغ للطاقة، او وسيلة من وسائل توكيد الذات، لهذا يلجأ الاطفال الذكور خاصة الى تشكيل جماعة يضعون على رأسها زعيما يسنون له دستورا للقتال ويحددون طريقته، ويستطيع المربي ان يوجه هذه الفعالية بتنظيمها في نشاط اجتماعي كالرياضة والرحلات وتعلم فنون القتال والدفاع عن النفس، وربطها بمفهوم الجهاد في سبيل الله لرفع كلمة الله، والقتال دفاعا عن المسلمين ورفع الظلم عنهم.

نجاح السباتين

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *