تظهر اعضاء الفم في الحشرات تنوعا هائلا مكنها من استغلال كامل البيئة الحيوية على الارض – ربما باستثناء البيئة البحرية.
وحتى الفراشة تلك الحشرة الجميلة الرقيقة يوجد منها نوع واحد على الاقل يثقب جلد ضحيته ويمتص دمها. وهي تعيش في غابات ماليزيا.
ويفترض علماء الاحياء ان الحشرات والعناكب وديدان الارض قد تطورت من أصل واحد وان بعض الارجل تطورت لتؤدي مهام اخرى منها الحصول على الغذاء فأصبحت بعض الارجل الامامية فكوكا او شفاها او قرون استشعار او خراطيم لامتصاص الرحيق.
وقد لاحظ الباحثون نتيجة دراسة حشرات قديمة محفوظة في صمغ الكهرمان وتعود الى 300 مليون عام بأنها كانت تملك فكوكا قاضمة ماضغة كما في الصرصور.
ولهذا يعتبر الصرصور من اقدم الحشرات على وجه الارض، اذ لم يتغير كثيرا عبر مئات ملايين السنين اما الحشرات ذات الخرطوم الثاقب او الماص فانها قد تطورت وظهرت في مراحل متأخرة من الزمن.
وكما ان الاحافير والحشرات المحفوظة في الكهرمان تمثل سجلا مصورا لمراحل تطور الاعضاء الفمية لدى الحشرات خلال مئات ملايين السنين، فان بعض العلماء يرون بأن مراحل التطور التاريخي هذه تتجلى بشكل ابسط وأسرع في مراحل تطور الحشرة الواحدة من لحظة اخصاب البويضة وحتى الوصول الى الحشرة البالغة.
وتكشف الصور المجهرية لمراحل تطور يرقات الحشرات كيف تتحول بدايات الارجل الى فكوك ثم الى خراطيم ماصة والشفة العليا هي اقل هذه الاعضاء عرضة للتغير لانها اساسا جزء من الرأس وليست متحولة عن ارجل. اما الفك الاعلى فهو الاكثر قابلية للتطور وتغير الشكل وتنوع الوظيفة فى الحشرات.
ففي الجندب يعمل جزءا هذا الفك عمل الكماشة للقضم ومضغ أطراف النبات. وقد يساعدان على نهش جسم الضحية كما في الخنفساء المفتسرة (وضحيتها حشرة اخرى) او لحفر العش كما في الدبابير، او للقبض على غذائها وجره كما في النمل، او المصارعة الذكور لبعضها البعض كما في العنظوب (نوع من الجراد) .
اما الشفه السفلى والفك السفلي فتتعاون للقبض على الفريسة او لامساك الطعام او تقطيعه او انها تلتحم معا لتشكل خرطوما للامتصاص (كما في الفراشة) او للثقب والامتصاص (كما في البعوض والبرغوث والقمل) وفي نحو 200000 نوع من الفراش، لم يبق سوى الخرطوم ظاهرا وفعالا بينما اضمحلت باقي الاعضاء الفمية او تلاشت.
وحتى هذا الخرطوم فانه قد يكون بلا وظيفة مفيدة في بعض انواع الفراش التي تقصر مهمتها بعد خروجها من طور اليرقة، على التزاوج ووضع البيض ثم تموت سريعا، اي ان فترة حياتها الفعلية تقتصر على طور اليرقة.
وعلى اي حال فان لمعظم انواع الفراش خرطوما متميزا فعالا يمكنه من امتصاص رحيق الازهار بكفاءة كبيرة.
اما كيف أصبح خرطوم الفراشة الدموية التي ذكرناها في بداية المقال) ثاقبا وماصا للدم فإن مكتشفها العالم السويسري هانز بنزغر يفترض ان اسلافها في القدم كانت عاجزة عن بلوغ الرحيق العميق في الازهار المتوفرة في بيئتها فأصبحت تهاجم الازهار من الخارج وتثقبها لتمتص رحيقها ثم تطور الامر ببعضها لتثقب الثمار الناضجة وتمتص عصيرها والبعض الاخر اتجه نحو مهاجمة الحيوانات وامتصاص دمها.
هذا ويبلغ طول خرطوم الفراشة الدموية سنتمترا واحدا وسمكه ثلاثة اعشار الملمتر ويشبه رأس الخرطوم مثقبا يقتطع جزءا من لحم الضحية من اجل اعداد حفرة صغيرة يمتص من خلالها الدم بعد ادخال الخرطوم الى عمق قد يصل الى سبعة ملمترات داخل جسم الضحية ويتفوق هذا الخرطوم على افضل المثاقب الالية التي قد يتوصل الانسان الى صنعها بقياسات دقيقة مشابهة
عن Science et Vie