الإدارة اليابانية تجربة متميزة قادت إلى تفوق تكنولوجي واقتصادي

يبلغ عدد سكان اليابان حوالي 128 مليون نسمة يعيشون على أربع جزر رئيسية في المحيط الهادي ويعيش 50 مليون نسمة منهم في المناطق الممتدة من طوكيو العاصمة مرورا بـ (اوساكا وكوب)، وقديما كانت الامبراطورية اليابانية تعتمد على القوة العسكرية كأساس للنجاح الا أن هذه النظرة تغيرت مع قدوم الامبراطور مايجاي عام 1968 الذي اعلن عن انفتاح اليابان على بقية دول العالم واعتمادها على القوة الاقتصادية بديلا عن اي شيء آخر، وهو ما مهد الى ان تكون اليابان دولة صناعية اقتصادية متطور.

ومع انطلاقة الثورة الاقتصادية والصناعية في اليابان وخاصة بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، اصبحت الصناعات اليابانية ندا وخصما قويا للصناعات الاوروبية والاميركية وقد تفوقت عليها في بعض الأحيان وساعدها على هذا التفوق والجاهزية للمنافسة عوامل عديدة ابرزها قوة وحضور الادارة اليابانية. فما هى سمات هذه الادارة ؟

لقد لخص الباحث هوفستاف منظر علم الادارة الدولية والادارة المقارنة هذه السمات بما يلي:

1- نزعة متوسطة من حيث وجود تباعد بين الرئيس والمرؤوس ( النفوذ الوظيفي )
2- يميل اليابانيون الى تجنب المجهول وعدم الاقبال عليه.
3- اعتماد الثقافة اليابانية على الأداء الجماعي.
4- اعتبار نجاح المنظمة هو الاساس على حساب النجاح الشخصي.

تركز الثقافة اليابانية على قيم الولاء والانتماء داخل المؤسسة فعندما يسأل الياباني عن عمله او طبيعة عمله فإنه سيجيب بذكر اسم الشركة التي يعمل فيها وهذا ما يدعم سياسة التوظيف الدائم وتعزيز قيم الولاء والانتماء.

ويهتم اليابانيون بالعنصر البشري باعتباره محور وجوهر أي ادارة وأي تنظيم. فغالبا ما تفضل الشركاتُ اليابانية استقطاب اعضاء جدد من صغار السن والقادمين من المدارس والجامعات والكليات أكثر من نظرتها الى الموظفين ذوي الخبرة حيث يقوم اليابانيون بتدريبهم حسب ما يرونه مناسبا وحسب التدريب المتبع لديهم. كما يميل اليابانيون الى تدوير الموظف داخل أقسام المؤسسة لاكسابه اكبر قدر ممكن من المعرفة واثراء خبراته وبالتالي امكانية تأهيله لتبوؤ مراكز وظيفية عليا مستقبلا.

ان نظام الترقية يعتمد على عامل الخبرة والاقدمية لدى اليابانيين حيث ان المنصب وتبوؤ المناصب يكون لحساب عامل الخبرة على حساب الاداء والتميز في العمل، كما يشجع اليابانيون موظفيهم على شراء وتملك الاسهم داخل المؤسسات التي يعملون بها وهو الأمر الذي يؤدي الى الولاء والتوظيف الدائم وينعكس ايجابا على الادارة اليابانية.

ان سياسات التوظيف والاستقطاب والتدريب والتأهيل ونظام الاجور والترقية المتبعة لديهم من شأنها ان تعمل على تقليل الاستقالات وتقليل المقاومة تجاه الادارة وسياساتها وتقوي قيم العمل والانتماء والتمسك بالمؤسسة، وهذا ما يفسر لماذا تعتبر اليابان متميزة في سياسة ادارة مواردها البشرية ولماذا يعتبر الموظف الياباني الاكثر ولاء وانتماء لمؤسسته في العالم والأقل تركا لعمله.

كما تركز الادارة اليابانية على الاهداف المشتركة للموظفين وعلى كافة الصعد والمستويات سواء من حيث الادارة او حتى على صعيد اللباس الموحد، فلباس الموظفين يأخذ نفس التصميم واللون وهو ما يدل على الوحدة داخل المؤسسة الواحدة، كذلك فإن القلائد الموحدة «هوية العمل» التي يضعها الموظفون تدل على ذلك.

ان جميع الموظفين يتناولون طعامهم معا في فترات الاستراحة المخصصة داخل المطعم التابع للمؤسسة والخاص بتقديم وجبات الطعام ووسائل الرفاهية معا.

ان الحواجز الشفافة التي تفصل بين مكاتب المديرين والموظفين والتي تعمل على أساس النظام المفتوح تتيح للموظفين رؤية ما يفعله المسؤولونَ أمامهم وهو الأمر الذي يحد من وجود التباعد الشديد في النفوذ الوظيفي ما بين الرئيس والمرؤوس، كما ان هذا الأمر ساعد على اقامة العلاقات الاجتماعية المشتركة.

لقد اعتمدت الادارة اليابانية على الجماعية ومجموعات العمل في الاداء حيث يعمل في هذه المجموعات افراد مختلفون من فئات مختلفة يكون هاجسهم الاول والأخير الارتقاء بالتنظيم الى أعلى المستويات مستندين بذلك على احترام قرارات الآخرين، وهو ما يساعد على التعاون والولاء، كما ان معظم تقنيات الادارة اليابانية تعتمد على الجماعية في الاداء ومنها ادوائر النوعية التي اخترعها اليابانيون والتي تقوم على تقديم الاقتراحات البناءة والمتطورة من كافة العاملين بحيث تساهم في تطوير العمل.

لقد ساعد معيار الجماعية الذي اتخذه اليابانيون اساسا في نجاحاتهم وتقديمهم نموذجا رائدا لادارتهم العالمية في ابتكار أساليب وتقنيات كلها تعتمد على الأفراد ومشاركتهم في اتخاذ القرارات وجماعيتهم في الادارة والقرار، فتوقيع عقد مشترك ما بين الجانبين الاميركي والياباني يحتاج الى فرد اميركي واحد وهو دليل على الفردية بالنسبة للاميركيين بينما يحتاج هذا القرار الى ثلاثة افراد من الطرف الياباني وهو دليل على جماعية اليابانيين.

نافذ الهرش

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التربية والمجتمع.. علاقة تكاملية وركيزة أساسية لتطور الأفراد

تُعد التربية والمجتمع من المحاور الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان وتحدد معالم تطوره. إن العلاقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *