آفاق علمية وتربوية – يعد التحصيل الدراسي أحد أهم المخرجات التي تقوم على أساسها المؤسسات التعليمية التي من خلالها يتم التأكد من تحقيق الأهداف المحددة في العملية التعليمية، وتعتبر الاختبارات التحصيلية بأنواعها وأشكالها المختلفة الأداة الأساسية التي تستخدم في قياس تحقيق الطلبة للأهداف المعدة مسبقاً في المقررات الدراسية المختلفة وبما أن الاختبار التحصيلي هو الأداة التي تستخدم لقياس مستوى التعلم فأنه يمكن اعتباره جزءً من عملية التعلم التي هي عملية مستمرة.
وترى جميلة اللعبون أن التفكير الإبداعي والتحصيل الدراسي تعتبر احد محكات الكشف عن المبدعين للدلالة على التفوق العقلي، إذ قدم جيلفورد(1950) تصوراً نظرياً عن ظاهرة الإبداع من خلال نظريته عن تكوين العقلي والتي أشارت إلى وجود قدرات قابلة للتمييز بين الذكاء من جهة وبين القدرة على التفكير الإبداعي من جهة أخرى.
وقد اهتمت العديد من الدراسات بمحاولة الكشف عن العلاقة بين التفكير الإبداعي والتحصيل، وفيما يلي عرضاً لعدد من تلك الدراسات:
دراسة جيتزلز وجاكسون(1968Getzels & Jackson,):
هدفت الدراسة إلى تحديد العلاقة بين قدرات التفكير الإبداعي والذكاء ومعرفة أثر قدرات التفكير الإبداعي والذكاء في التحصيل الدراسي، وقد بلغت عينة الدراسة (449) من طلبة المدارس الثانوية في مدينة شيكاغو قسمت إلى مجموعتين: الأولى تمثل أعلى 20% من الطلبة ذوي الذكاء المرتفع، والثانية تمثل أعلى 20% من الطلبة ذوي التفكير الإبداعي، واستبعد الباحثان الطلبة الذين تفوقوا في القدرات الإبداعية والذكاء معاً، واستخدم الباحثان اختبار تقيس الإبداع والأخرى تقيس الذكاء، وتوصلا إلى عدم وجود فروق دالة إحصائياً بين الطلبة ذوي التفكير الإبداعي المرتفع والطلبة ذوي الذكاء المرتفع في التحصيل الدراسي، كما أسفرت النتائج عن وجود علاقة ضعيفة بين التفكير الإبداعي كما تقيسه اختبارات الإبداع وبين التحصيل الدراسي.
دراسة النشواتي وآخرون(1985):
هدفت الدراسة إلى الكشف عن العلاقة بين الإبداع والتحصيل الدراسي والذكاء، وتكونت عينة الدراسة من (925) تلميذ وتلميذة من تلاميذ الصف الأول الإعدادي الملتحقين في المدارس الحكومية في مدينة أربد بالأردن، ولتحقيق هدف الدراسة استخدمت الدراسة اختبار القدرة على التفكير الإبداعي من إعداد عبد السلام عبد الغفار واختبار كاتل للذكاء ومعدلات التحصيل الدراسي في المواد الدراسية، وأسفرت النتائج عن وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين قدرات التفكير الإبداعي (الأصالة والطلاقة والمرونة) والتحصيل الدراسي، كما أظهرت وجود علاقة دالة بين متغيري الذكاء والتحصيل.
دراسة عبادة (1987):
هدفت الدراسة إلى التعرف على العلاقة بين كل من التحصيل الدراسي والذكاء وبين مهارات التفكير الإبداعي والدرجة الكلية التي تعبر عن القدرة على الإبداع والذكاء، وشملت عينة الدراسة (240) تلميذ وتلميذة من ثلاث مدارس بالصف التاسع بمدينة المينا بالقاهرة، واستخدمت الدراسة اختبار القدرة على التفكير الإبداعي من إعداد سيد خير الله واختبار القدرة العقلية لأحمد زكي صالح والتحصيل الدراسي المتمثل بدرجات التلاميذ التي حصلوا عليها في أخر العام الدراسي (1985/1986)، وتوصلت الدراسة إلى وجود ارتباط دال إحصائياً بين قدرات التفكير الإبداعي والتحصيل الدراسي في المواد الدراسية المختلفة، كما أشارت النتائج إلى وجود ارتباط دال إحصائياً بين القدرات العقلية والتحصيل الدراسي مع التأكيد على استقلالية كل من التفكير الإبداعي والذكاء والتحصيل الدراسي.
دراسة بشر(1989):
هدفت الدراسة إلى بحث النمو الحاصل في القدرة على التفكير الرياضي والتفكير الإبداعي وعلاقتهما بالتحصيل الدراسي في الرياضيات لدى طلبة المرحلة الثانوية باليمن، وقد تألفت عينة الدراسة من (1160) طالب وطالبة من طلبة صفوف المرحلة الثانوية في أمانة العاصمة ومحافظة تعز للعام الدراسي 1987/1988م ولتحقيق هدف الدراسة استخدم الباحث اختبار للتفكير الرياضي للشطناوي وأبو زينة لعام 1982م واختبار تورانس للتفكير الإبداعي الصورة اللفظية (أ)، وأظهرت نتائج الدراسة أن هناك نمواً في القدرة على التفكير الإبداعي لتقدم الطلبة في الدراسة من الصف الأول الثانوي إلى الصف الثالث الثانوي وقد تبين أيضاً أن معامل الارتباط موجبة بين كل من التفكير الرياضي والتفكير الإبداعي وكذلك بين التفكير الإبداعي والتحصيل الدراسي في الرياضيات.
دراسة كاب(1991Cabe,):
هدفت الدراسة إلى معرفة أثر كل من الذكاء والإبداع على التحصيل الدراسي، وتألفت عينة الدراسة من(210) تلميذ من التلاميذ الذين تراوحت أعمارهم بين (12-16) سنة، واستخدمت الدراسة لتحقيق الهدف اختبار تورانس الصورة (الشكلية واللفظية) لقياس الطلاقة والمرونة والأصالة والقدرة على إعطاء التفاصيل، واختبار لقياس الذكاء واختبار التحصيل الدراسي بعد تقنينه، وتوصل الباحث من خلال دراسته إلى وجود علاقة قوية بين الذكاء والقدرات الإبداعية (الطلاقة، والمرونة، والأصالة، والتفاصيل)، كما أشارت النتائج إلى عدم وجود ارتباط قوي بين قدرات الإبداع (الطلاقة، المرونة، الأصالة) والتحصيل الدراسي.
دراسة هـام(2000Ham,):
هدفت الدراسة إلى التحقق من مهارات التفكير الإبداعي لدى الأطفال والأداء الإبداعي في مجال (اللغة، والفن، والرياضيات) لدى عينة من تلاميذ المرحلة الابتدائية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد بلغت عينة الدراسة (109) طفل وطفلة، واستخدم الباحث اختبار ولش وكوجن لقياس قدرات التفكير الإبداعي عند الأطفال، وتوصلت الدراسة إلى اختلاف أداء الأطفال في المجالات السابقة (اللغة، والفن، والرياضيات) باختلاف قدراتهم الإبداعية، فالأطفال ذوي التفكير المرتفع لديهم مهارات إبداعية عالية في المجالات السابقة على عكس الأطفال ذوي التفكير الإبداعي المنخفض.
دراسة أبو هلال والطحان(2002):
هدفت الدراسة إلى معرفة العلاقة بين التفكير الإبداعي والذكاء والتحصيل الدراسي لدى عينة من المتفوقين دراسياً من طلبة المرحلتين الابتدائية والإعدادية منهم(194) من الصف السادس الابتدائي، (212) من الصف الثالث الإعدادي من مدارس منطقة العين بالإمارات العربية المتحدة، واستخدمت الدراسة اختبار تورانس باستخدام الصور النشاط الثالث (الدوائر) لقياس الأصالة والمرونة والطلاقة كأبعاد للقدرة الإبداعية، كما تم استخدام اختبار المصفوفات المتتابعة لريفن لقياس الذكاء ومقياس لقياس بعض خصائص الطلبة العقلية والشخصية، وتوصل الباحثان إلى أن التحصيل الدراسي والذكاء والقدرة على الإبداع تشكل ثلاثة أبعاد مختلفة ومنفصلة عن بعضها البعض، كما أن قدرات الإبداع المتمثلة بالطلاقة والمرونة سمات تطورية لدى الفرد تنمو وتتطور عدا قدرة الأصالة حيث لم يتضح من الدراسة أنها تنمو وتتطور مثل قدراتي الطلاقة والمرونة.
دراسة حبيب(2003):
هدفت الدراسة إلى معرفة العلاقة بين القدرات الإبداعية (الطلاقة، والمرونة، والأصالة) والدرجة الكلية المعبرة عن القدرات الإبداعية وبين التحصيل الدراسي لدى طلاب المرحلة الثانوية في مدارس أمانة العاصمة (صنعاء)، وبلغت عينة الدراسة (761) طالباً وطالبة من طلبة الصفين الثاني والثالث في الاختصاصين العلمي والأدبي، واستخدم الباحث مقياس القدرة على التفكير الإبداعي لقياس قدرات الإبداع من إعداد سيد خير الله والمأخوذ عن تورانس وبارون، وتوصلت الدراسة إلى وجود فروق دالة إحصائياً بين الطلاب المبدعين والطلاب غير المبدعين في التحصيل الدراسي لصالح الطلاب المبدعين، كما وأشارت النتائج إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية في التحصيل الدراسي بين الطلبة المبدعين في الاختصاصين العلمي والأدبي.
دراسة النونو(2006):
هدفت الدراسة إلى معرفة مستوى القدرات الإبداعية لدى التلاميذ المتفوقين دراسياً مقارنة بأقرانهم التلاميذ ذوي التحصيل الدراسي العادي من الجنسين، وقد تكونت عينة الدراسة من(224) تلميذ وتلميذة من الصف السادس الأساسي في أمانة العاصمة، واستخدمت الباحثة اختبار تور انس للتفكير الإبداعي، وقد أسفرت النتائج عن ظهور فروق ذات دلالة إحصائية في نمو قدرات التفكير الإبداعي.
ومن خلال ما تم عرضه من دراسات سابقة تناولت مهارات التفكير الابداعي عند التلاميذ وعلاقة هذه المهارات بمتغيرات التحصيل الدراسي والذكاء، وما خرجت به من نتائج اختلفت وتباينت حسب طبيعة أهدافها إلا أن معظم هذه الدراسات أثبتت وجود علاقة ارتباطيه بين التفكير الإبداعي والتحصيل رغم اختلاف بعض الدراسات الأخرى مع هذه النتيجة، كما تبين قلة الدراسات التي تُجرى في الجمهورية اليمنية والتي تختص بإيجاد العلاقة بين التحصيل الدراسي ومهارات التفكير الإبداعي لدى طلاب المرحلة الإعدادية.
أ.د. داود عبد الملك الحدابي