هل تناول الدهون الحيوانية والشحوم ضار بالصحة؟

عشنا عقوداً طويلة .. منذ ستينات القرن الفائت .. ونحن نعتقد تحت ضغط الآلة الإعلامية والترويج الدعائي .. أن الدهون الحيوانية ( الزبد ـ السمن ـ القشدة ) ضارة بالصحة والأفضل استبدالها بالمسلى الصناعي التي أثبتت الدراسات ضررها فيما بعد وبخاصة على المعدة .. وما أن تكشف ذلك حتى بدأت نفس الآلة الدعائية الترويح لفائدة الأكل بالزيوت النباتية ( زيت الذرة ـ زيت دوار الشمس ـ زيت بذرة القطن …. ) وانها لا تسبب زيادة بمعدلات الكوليسترول بالدم أو نسبة الدهون الضارة به ( LDL) فسلك الكثيرون طريق الأكل بالزيوت النباتية طلباً للصحة والعافية .. ولاشك أن الدهون النباتية مفيدة وبخاصة زيت الزيتون، وزيت بذرة الكتان ( الزيت الحار ) ـ والتى دلت الدراسات على فائدته للمرضى وبخاصة مرضى البول السكرى ودوره فى تخفيض المعدلات العالية للكوليسترول ـ ولكن هل تناول الدهون والشحوم الحيوانية يضر بالجسم ؟

إن هناك مجموعة مهمة من الفيتامينات الحيوية والتي تسمى الفيتامينات الذائبة فى الدهون وهى (A–E-D-K) وهذه الفيتامينات لا يتم امتصاصها من الأمعاء إلا بواسطة هذه الدهون الحيوانية وهى متواجدة بغذائنا اليومي ( البيض ـ الكبد ـ الجزر ـ الطماطم ـ الكرنب …. إلخ ) واستدامة الأكل بالزيوت النباتية فقط يحرم الجسم من فرصة الاستفادة من هذه الفيتامينات ـ وهناك امراض قد تصيب الجهاز الهضمي والكبد فيقل معها امتصاص هذه الفيتامينات ويؤدي ذلك إلى تدهور صحة المريض .. ففيتامين A مفيد جداً لتجديد الخلايا المبطنة للأغشية المخاطية .. وأيضاً للرؤية الجيدة خاصة بالليل .. وفيتامين E من الفيتامينات الهامة للخصوبة ومن مضادات الأكسدة المفيدة للجسم .. وفيتامين K مفيد لعملية تجلط الدم وتكوين عوامل التجلط ونقصه قد يؤدي إلى نزيف تحت الجلد او من الأوعية الدموية الدقيقة بالأغشية المخاطية .. أما فيتامين D فهو مفيد للعظام ونقصه قد يؤدي إلى الكساح فى الأطفال او هشاشة العظام عند الكبار ـ وقد أثبتت الدراسات الحديثة أهميته ودوره الوقائي ضد أمراض الشرايين التى قد ينتج عنها الجلطات المميتة .

ورغم إتباعنا هذه النظم الغذائية الحديثة بالزيوت النباتية فإن أعداد المرضى الذين يعانون من ارتفاع معدلات الكولسترول وآثاره الضارة بالدم لازالت فى ازدياد مما حدا بشركات الأدوية لإنتاج العديد من المركبات الدوائية التى تساعد فى تخفيض الكولسترول تجنباً لآثاره الضارة ( وعموماً ليست كلها ضارة فهو أيضاً يدخل فى تكوين الهرمونات الحيوية كالإستروجين والتستوستيرون ) ـ ولهذه الأدوية أيضاً مضاعفات عديدة .

وعلى مر الأيام والسنين أوضحت الدراسات ان هناك أسباباً أخرى تؤدي إلى ارتفاع الكوليسترول وترسبه بالشرايين محدثاً بها قصوراً أو جلطات خطيرة خاصة شرايين القلب والمخ .. ورأينا حالات عديدة لشباب فى العشرينات خاصة من المدخنين يدخلون غرف العناية المركزة بهذا القصور بالشرايين التاجية للقلب .. وثبت أيضاً أن من أسباب ارتفاع وترسب هذه الدهنيات الدموية .. قلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة ـ فهذه الرياضات المختلفة وأبسطها رياضة المشي تؤدي إلى حرق الدهون بالدم ( الأحماض الدهنية) للحصول على الطاقة فتقل مستويات الدهون بالدم والكبد .

وكذلك ثبت أن هذه النظم الغذائية العالمية الفقيرة فى الخضر والفواكه والحبوب الكاملة ( بقشرتها الداخلية ) بمحتوياتها من الألياف والفيتامينات والمعادن المفيدة للجسم .. والغنية بالألياف الدهنية التى يتم خلطها مع الردئ من اللحوم ( أطعمة التيك أواى والأغذية السريعة ) كل ذلك يسهم فى تغيير الصورة الطبيعية للدهون بالدم .. ولو أضفنا إلى ذلك أمراض العصر الحديث كالقلق والتوتر والاكتئاب وما يصاحبها من تغيرات جسدية وهرمونية ـ لعلمنا ان هناك أسباباً عديدة لزيادة الدهون وترسبها بشرايين الجسم .. وقد حكى لنا أجدادنا كيف كانوا يلتهمون كميات من هذه الدهون الحيوانية وكانوا يتمتعون بكامل الصحة والعافية ( حيث لا يتعرضون لهذه الملوثات الكيميائية الغذائية العديدة ولمضاعفات حياتنا السهلة الحديثة ) .

إن هيئة الدواء والغذاء الأمريكية ( FDA ) توصي المجتمع الأمريكي بتناول ملعقة يومياً من الدهون الحيوانية بغذائه ( 9 جم يومياً ) .. وهذا الهرم الغذائي الأمريكي الذي تم وضعه فى تسعينات القرن الماضي يتعرض الان للعديد من الانتقادات العلمية ـ فهلا راجعنا نظمنا الغذائية بدقة وأضفنا إليها هذه الدهون الحيوانية ( الزبد ـ السمن….. ) بطريقة معتدلة دونما إفراط .. هذه الدهون المستخرجة من الألبان ذلك السائل النقى الذي يخرج لنا مرشحاً من بين فرث ودم كما يقول ربنا سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ) (النحل:66)

خلافاً لهذه الألياف الدهنية التي تحيط بأعضاء الحيوان وأحشاء بطنه وباقى أنسجة جسمه فهى مكان لتجمع السموم الكيماوية التى يحقن بها الحيوان وتدخل جسده طيلة حياته ( السموم والكيماويات ذات ميول للتخزين بنسيج الدهن ) ـ وعودة إلى كتابنا الكريم حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (الأنعام:146)


لعلمنا أن هذه الشحوم الحيوانية ( البقر والغنم ) قد حرمت على اليهود لبغيهم وظلمهم فى الأرض .. وقد درسنا بكلية الطب أن هناك أمراضاً تصيب اليهود بصفة خاصة كمرض كرونز ومرض الالتهاب الأمعائي التقرحي ربما لاتباعهم هذا النظام الغذائي الخالي من الشحوم .. ورسولنا صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن فائدة ألبان وسمن الأبقار وضرر الإفراط في لحومها فيقول صلى الله عليه وسلم : ( لحومها داء وسمنها دواء ولبنها شفاء ) ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم : (عليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر ) .

الدكتور فيصل سرور المنشاوي
باحث في الطب النبوي

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

أهمية وفوائد وجبة السحور في رمضان

تعد وجبة السحور من الوجبات الرئيسية في شهر رمضان المبارك، وتعود فوائد وجبة السحور في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *