الاحتباس الحراري

التغير المناخي وتأثير الاحتباس الحراري: كيف يمكننا إنقاذ الأرض؟

في العقود الأخيرة، شهد العالم تغيرات مناخية غير مسبوقة أثرت على كل جانب من جوانب حياتنا. ارتفعت درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية بسبب الاحتباس الحراري، وذابت الأنهار الجليدية بمعدلات غير مسبوقة، وزادت مستويات سطح البحر مما يهدد بغمر المناطق الساحلية.

كتبت سارة سعيد

في عام 2023، أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن السنوات الخمس الأخيرة كانت الأكثر حرارة على الإطلاق، حيث تجاوزت درجات الحرارة في 2022 وحده 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

هذا التغير السريع في المناخ، الذي ينتج بشكل رئيسي عن الاحتباس الحراري، يمثل تحدياً وجودياً للبشرية، ويتطلب استجابة جماعية من الحكومات، الأفراد، والمجتمعات على حد سواء.

الاحتباس الحراري، الذي نتج عن تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي بسبب الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري، يؤدي إلى تفاقم الكوارث الطبيعية وتزايد تواترها وشدتها. ففي عام 2020، تسبب إعصار “آمفان” في الهند وبنغلاديش في مقتل أكثر من 100 شخص وتشريد الملايين، مع خسائر اقتصادية تجاوزت 13 مليار دولار.

وحرائق الغابات التي شهدتها أستراليا في 2019 وكاليفورنيا في 2020 تعد من أسوأ الكوارث الطبيعية في التاريخ الحديث، حيث دمرت أكثر من 18 مليون هكتار من الأراضي في أستراليا، مما أدى إلى وفاة حوالي 3 مليارات حيوان. وفي أوروبا، تعرضت عدة دول مثل ألمانيا وبلجيكا في صيف 2021 إلى فيضانات عارمة أودت بحياة المئات وأحدثت دمارًا هائلًا في البنية التحتية، وقدرت الخسائر بأكثر من 10 مليارات يورو.

أثر الاحتباس الحراري في الدول العربية

في الدول العربية، تعاني مناطق مثل الخليج العربي من ارتفاع شديد في درجات الحرارة، حيث تجاوزت درجات الحرارة في الكويت صيف 2021 حاجز 53 درجة مئوية، مما يجعلها واحدة من أكثر الأماكن سخونة على وجه الأرض.

هذا الارتفاع يؤثر بشكل كبير على الصحة العامة ويزيد من الضغوط على الموارد المائية. وفي مصر، تواجه دلتا النيل تهديدًا بالغمر نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد بغمر حوالي 15% من الأراضي الزراعية بحلول نهاية القرن الحالي. وتشير الدراسات إلى أن ارتفاع مستوى البحر بمقدار متر واحد يمكن أن يؤدي إلى تشريد أكثر من 7 ملايين شخص في المنطقة العربية.

ولايزال للتغير المناخي تأثيرات عميقة على النظم البيئية والحياة البرية في العالم العربي حيث يشهد البحر الأحمر والشعاب المرجانية في الخليج العربي تدهورًا كبيرًا بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه، حيث فقدت بعض المناطق ما يصل إلى 70% من شعابها المرجانية.

هذا الارتفاع في درجات الحرارة يهدد الحياة البحرية التي تعتمد على الشعاب المرجانية كمواطن أساسية. وفي المحيط الجنوبي، يعاني طائر القطرس من انخفاض كبير في أعداده بسبب التغيرات في درجة حرارة المياه، مما يؤثر على توفر الطعام ونجاح التكاثر. وفي القارة القطبية الجنوبية، أدى ذوبان الجليد إلى تهديد حياة البطاريق التي تعتمد على الجليد البحري للعيش والتكاثر.

دور الحكومات في مكافحة التغير المناخي

الحكومات في جميع أنحاء العالم تدرك أن التغير المناخي يمثل تهديدًا وجوديًا. ولذلك، تم إطلاق العديد من المبادرات والاتفاقيات الدولية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة والتخفيف من آثار التغير المناخي. في عام 2021، تم عقد قمة المناخ COP26 في غلاسكو، حيث تعهدت الدول بتقليل الانبعاثات العالمية بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2010، والهدف هو تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

ورغم أن اتفاقية باريس تمثل خطوة كبيرة نحو مواجهة التغير المناخي، إلا أن التنفيذ لا يزال يواجه تحديات. في الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، تمثل الانبعاثات الضخمة عقبة رئيسية، حيث تساهم الدولتان معًا بأكثر من 40% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.

وقد اتخذت العديد من الدول العربية أيضاً خطوات لتقليل الانبعاثات، مثل تبني مشاريع الطاقة المتجددة وزيادة كفاءة استخدام الموارد المائية في الزراعة. على سبيل المثال، في عام 2021، أطلقت الإمارات العربية المتحدة “استراتيجية الإمارات للطاقة 2050” التي تهدف إلى زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 50% وتقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 70%.

كما أعلنت السعودية عن “مبادرة السعودية الخضراء” التي تستهدف زراعة 10مليارات شجرة في المملكة وتخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة 60%.

الطاقة المتجددة والتحول الأخضر

التحول إلى الطاقة المتجددة يعتبر من أهم الخطوات التي يمكن أن تتخذها الحكومات للحد من الاحتباس الحراري. الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية هي مصادر طاقة نظيفة يمكنها تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يعتبر المصدر الرئيسي لغازات الدفيئة.

في عام 2020، أصبحت المملكة المتحدة أول دولة في العالم تقوم بتوليد أكثر من 40% من طاقتها الكهربائية من مصادر متجددة. كما شهدت ألمانيا زيادة كبيرة في استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما ساعدها في تحقيق أهدافها المناخية.

ورغم أن الدول العربية تتمتع بموارد طبيعية غنية بالطاقة المتجددة، مثل الشمس والرياح، إلا أن الاعتماد الكبير على النفط والغاز يشكل تحديًا في التحول إلى الطاقة النظيفة.

ومع ذلك، هناك جهود متزايدة في هذا الاتجاه، مثل مشروع نيوم في السعودية الذي يهدف إلى أن يكون مدينة خضراء تعمل بالكامل بالطاقة المتجددة.

دور الأفراد والمجتمعات: كيف يمكننا أن نكون جزءًا من الحل؟

في مواجهة تحدي التغير المناخي، يمكن للأفراد والمجتمعات أن يلعبوا دورًا حيويًا. مع أن الحلول الحكومية والتكنولوجية ضرورية، إلا أن التغيير الحقيقي يبدأ من خلال السلوكيات اليومية للأفراد. يمكن للأفراد تقليل استهلاكهم للطاقة من خلال استخدام الأجهزة الموفرة للطاقة، وعزل المنازل لتحسين كفاءة استخدام الطاقة، واستخدام وسائل النقل العامة بدلاً من السيارات الشخصية.

ففي دول مثل الدنمارك، يُعزى 40% من استخدام الكهرباء إلى طاقة الرياح بفضل التزام الحكومة والمواطنين بالتحول إلى الطاقة النظيفة.

النظام الغذائي له تأثير كبير على البيئة. يمكن لتقليل استهلاك اللحوم وتبني نظام غذائي نباتي أكثر أن يقلل من انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بإنتاج اللحوم. كما أن تقليل هدر الطعام له تأثير إيجابي على البيئة. تشير الدراسات إلى أن تبني نظام غذائي نباتي يمكن أن يقلل من انبعاثات الكربون الغذائية بنسبة تصل إلى 50%. يمكن للأفراد أيضًا دعم الزراعة المستدامة عن طريق شراء المنتجات المحلية والعضوية التي تزرع بأساليب تقلل من استخدام الموارد والمبيدات الكيميائية.

وأخيرًا، يمكن للأفراد دعم المبادرات البيئية من خلال المشاركة في حملات التشجير، وتنظيم ورش عمل للتوعية بالتغير المناخي، وتعليم الأطفال كيفية الحفاظ على البيئة.

فعلى سبيل المثال، في الأردن، تم إطلاق مبادرة “الحد من استخدام البلاستيك” التي تسعى إلى تقليل استخدام البلاستيك في الحياة اليومية وزيادة الوعي بالمخاطر البيئية.

ومن خلال تبني سلوكيات صديقة للبيئة، يمكن لكل فرد أن يسهم في الحد من الاحتباس الحراري والمساعدة في بناء مستقبل أكثر استدامة.

المراجع:

https://www.twinkl.ae/blog/alahtbas-alhrary-tathyrh-ly-albyyt-wkyfyt-msharkt-alatfal-fy-mkafhth
https://www.un.org/ar/climatechange/what-is-climate-change
https://www.twinkl.com.sa/blog/lmadha-yjb-an-nlm-atfalna-n-altshjyr-wzrat-alnbatat

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التلوث الكهرومغناطيسي: مخاطر تهدد صحتنا وسبل الوقاية

يتصدر التلوث الكهرومغناطيسي قائمة القضايا البيئية المعاصرة التي تتطلب اهتماماً واسعاً، وعلى الرغم من وجود …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *