أ. د. محمد حسن الحمود
يشكل التراث العلمي العربي والاسلامي مصدرا اساسيا من مصادر الفكر العلمي المعاصر لما كان له من سمات جعلت منه تراثا خالدا حمل عناصر الأصالة والابداع. وقد كون العلماء العرب والمسلمون الاطار العام له حيث أنهم وبكل فخر واعتزاز سجلوا أبهى الابتكارات والنظريات العلمية واضفوا الطابع العربي الاسلامي الاصيل على الكثير من الأفكار التي اثبت العلم الحديث صحتها ودقة نتائجها.
علماء البصرة وعلم الفيزياء
يأتي في مقدمة علماء البصرة الذين أسهموا في تطور علم – الفيزياء العالم العربي يعقوب بن اسحق الكندي الذي ولد ونشأ في البصرة ثم انتقل الى بغداد وكان عظيم المنزلة عند الخلفاء العباسيين مثل المأمون والمعتصم.
وقد ساهم الكندي في علم الفيزياء من خلال وضعه لقانون انبساط الاحجام. وقد ترك الكندي رسالة علل فيها اسباب حدوث المد والجزر وقدم الحسن بن الهيثم «القرن الخامس الهجري» وهو من اكبر علماء البصرة تحليلا دقيقا للضوء.
وجاء من الابداع العلمي لعلماء البصرة تحديد نظرية الاشعاع حيث انتقد ابن الهيثم كافة الآراء القائلة بخروج الاشعاع من العين وذلك وفق منطق علمي يقوم على التجربة والملاحظة فذكر أن عملية الابصار تتوقف على عاملين اساسيين هما المبصر والبصر. وقد توصل ابن الهيثم الى الخصائص العلمية المتعلقة بالضوء منها خاصية انتقال الضوء بخطوط مستقيمة اذا اثبتها من خلال تجربة الثقب في الغرفة المظلمة والتي جاء ذكرها بصورة مفصلة في كتابة الموسوم «المناظر».
وقد سجل علماء البصرة سبقا علميا مهما كان له الأثر الفعال في تقدم علم الفيزياء عندما توصل ابن الهيثم الى صياغة قوانين الانعكاس وفق صيغ علمية أصبحت الأساس الأول للدراسات الحديثة، وتوصل ابن الهيثم الى صياغة قوانين الانكسار او انعطاف الضوء والتي تدرس في مشارق الأرض ومغاربها في الوقت الراهن.
ويعتقد الباحثون بأن فكرة آلة التصوير استندت بالفعل إلى ابتكارات ابن الهيثم في هذا الحقل من البحث العلمي. وقد ساهم اخوان الصفا «القرن الرابع الهجري» في توثيق ملاحظات مهمة عن نشوء الصوت وعللوا الاسباب الحقيقية لنشوئه.
وقد قدم علماء البصرة مساهمة متميزة اخرى وهي میلاد اسلوب منهج البحث العلمي الرصين الذي يقوم على الملاحظة والتجربة والبرهان مما يوضح دور العرب والمسلمين في حركة البحث العلمي في العصور القديمة.
علماء واسط والموصل وعلم الرياضيات
احتلت العلوم الرياضية مركز الصدارة في تاريخ الفكر العلمي والعربي الاسلامي حيث اهتم بها العرب والمسلمون وبحثوا في جوانبها المختلفة من حساب وجبر ومثلثات وهندسة وقدموا الكثير من النظريات والأعمال الرياضية المتطورة التي اسهمت في التقدم العلمي العالمي وخاصة تهذيب وتوحيد الأرقام واستعمال الصفر واكتشاف الكسور العشرية ووضع الفاصلة وأسس علم الجبر وابتكارهم الرموز الجبرية وبحثهم في المعادلات حتى الدرجة الرابعة.
ويرجع الى العلماء العرب والمسلمين الفضل في التمهيد لعلم الهندسة التحليلية وعلم اللوغارتيمات اضافة الى ان علم المثلثات يعد من العلوم الرياضية العربية الأصيلة التي توصل العلماء العرب والمسلمون الى قوانينها.
وقد ساهم جمال الدين الواسطي الشافعي «القرن السادس الهجري» في تقديم تحليلات ومسائل رياضية في غاية الدقة والأهمية ومن المؤلفات التي ترجع اليه كل من :
الحاوي في الحساب: يحوي على جملة من المباحث في المجهولات والاعمال الجبرية وبعض الموضوعات الهندسية المبتكرة.
رسالة في الحساب: بحث فيها أصول علم الحساب وهي الضرب والقسمة والنسبة والتناسب «مخطوطة في مكتبة فيض الله افندي تركيا».
غنية الحساب في علم الحساب: يعد هذا الكتاب من نوادر كتب التراث العلمي العربي والاسلامي حيث جمع بين الحساب والهندسة اذ تكلم في القسم الأول عن المراتب والاسماء العدلية ثم عمليات الضرب والقسمة والجمع والطرح في الاعداد الكسرية والصحيحة والجذور، وتضمن هذا القسم ايضا اشارات رياضية مبتكرة منها طريقة استخراج جذر العدد الاصم واعطاء المفهوم العلمي الصحيح الاصطلاح الكسر وكذلك مسائل أخرى مهمة في الاعداد المتناسبة. وتكلم في القسم الثاني عن علوم الهندسة والآلات المستعملة في المساحة وكيفية ايجاد مساحة المربع والمثلث والدائرة ومساحة المجسمات مثل المكعب والاسطوانة والمخروط والكرة والقبة المجوفة.
وقد تفرد الواسطي بذكر مسائل رياضية عن مساحة المدرج، وأشار الباحثون إلى أن مؤلفات الواسطي لا تزال مخطوطة وهي بعيدة عن يد الدارسين ولا شك أن نشر هذه المخطوطات يساعد في اضافة مصادر علمية جديدة للفكر الرياضي ويوضح مقدار مساهمة العلماء العرب والمسلمين في الحركة العلمية في العصور السالفة.
وقد أنجبت مدينة الموصل العالم الموسوعي والطبيب الرياضي المؤرخ شمس الدين محمد بن ابراهيم بن ساعد الأنصاري السبخاري الذي ولد في سنجار وعاش في القاهرة «القرن الثامن الهجري». .
وقد جاء في كتابه الموسوم «اللباب في علم الحساب» معلومات تخص الحساب والجبر والمقابلة والهندسة حيث قدم طرقا حسابية وجبرية مبتكرة. وكانت له مؤلفات اخرى في العلوم الطبيعية مثل «كتاب: نخب الذخائر في أحوال الجواهر» وكان قد عهد اليه الاشراف على البيمارستان المنصوري في القاهرة مما يشير الى موسوعيته اضافة الى مؤلفاته الطبية مثل «غنية اللبيب عند غيبة الطبيب».
علماء حران وعلم الفلك
ترك البتاني «القرن الثالث الهجري» أثرا واضحا على الفكر العلمي المعاصر وذلك لاشتغاله بالفلك والرياضيات.
وقد خلد مساهماته العلمية في كتابه الموسوم «الزريج و الصابي» الذي ألفه سنة 299 هجرية حيث أورد فيه ثبت للكواكب الثابتة. وقد ترجم هذا الكتاب الى اللاتينية منذ عام 1143 م.
ومن مؤلفاته الأخرى كتابه «معرفة مطالع البروج فيما بعد ارباع الفلك» وكانت له ارصاد دقيقة ومهمة للكسوف والخسوف.
وقد أسهم البتاني باضفاء الطابع العلمي للأصالة العربية والإسلامية لعلم المثلثات وإرساء قواعده لما قدمه في هذا الحقل حيث ان اغلبها ما زال يستعمل حتى الوقت الحاضر. وقد كتب ارنولد في كتاب «تراث الاسلام» بأن البتاني اكتشف وبسط النسب المثلثية حيث أن بطليموس كان يستعمل الاوتار في عملياته اما البتاني فاستعاض بالجيب عن الوتر.
ومن الاعمال الخالدة التي أضافها البتاني إلى السجل الحضاري العربي والاسلامي تمكنه من حل المعادلات المثلثية و عن طريق الجبر.
مصدر الصورة
imagenesmi.com