عرف العرب قديما بحبهم الشديد للترحل والتنقل، وقد قام كثير من هؤلاء العرب برحلات استكشافية لعدد من المناطق والأماكن وقد وصفوا تلك الرحلات في كتب خالدة سلطت الضوء على تلك الأماكن وعادات أهلها واهتماماتهم وطبيعة الحياة في تلك الفترة الزمنية، وقد عرفت كتبهم تلك بكتب الرحلات ، ومن أشهر هؤلاء الرحالين القدماء العرب : المسعودي ، والبيروني ، وأبو عبيد البكري الأندلسي ، وابن جبير، و ابن بطوطة .
ويعد ابن جبير من الرواد الأوائل الذين تركوا آثارا علمية تدل على الدقة والنظرة الفاحصة ، فهو بهذا أستاذ ابن بطوطة، إلا أن ابن جبير يمتاز عنه بحسن الصياغة، وكمال الوصف، وصدق الرواية .
حياة ابن جبير
هو محمد بن أحمد بن جبير بن محمد من بني ضمرة من قبيلة كنانة ولد عام 540 هجرية ( 1145 ميلادي ) وهو ينتمي إلى أسرة عربية وفدت إلى الأندلس عام 123 هجرية. تلقى العلم على أبيه الذي كان يعمل بمدينة ( شاطبة ) حيث برزت ميوله في علم الحساب واللغة وأظهر مواهب شعرية ، كما درس على يد کبار علماء عصره، فعنى بالأدب، وأظهر مواهب شعرية ونثرية رشحته للعمل كاتبا لحاكم (غرناطة) وقتذاك عثمان بن عبد المؤمن .
كان ابن جبير مشغوفا بالارتحال والأسفار، فخرج إلى مكة المكرمة للحج ثلاث مرات ، الأولى عام 578 هجرية ، والثانية عام 585 هجرية ، والثالثة عام 614 هجرية ، وكان عقب الحج يطوف بكثير من بلاد الشرق، ثم يعود إلى الأندلس متنقلا في بلادها المختلفة .
وفي طريق عودته من مكة إلى الإسكندرية آخر مرة، عزم على الإقامة بها ليعلم الحديث، ولكنه توفي في العام نفسه.
اشتهر ابن جبير برحلته الأولى التي وصف فيها البلاد والأقطار التي عاش فيها أو مر بها، وصفا مستفيضا تارة وموجزا تارة أخرى ، ويروى فيها ما لاقى من صعاب وأخطار وما عاناه من أخلاق الناس ، وما شاهد من آثار و مساجد ودواوين في البلاد التي طاف بها .
وقد وصف حال مصر زمن السلطان صلاح الدين الأيوبي ، والمسجد الأقصى في القدس، و جامع بني أمية بدمشق، وغير ذلك.
وعنى المستشرقون بطبع کتب رحلاته باللغة العربية، كما ترجمت إلى الإيطالية وطبعت عام 1896، وكان قد سبق أن ترجم الجزء الخاص بصقلية إلى اللغة الفرنسية، وطبع في باريس عام 1846.
وقد عرفت رحلات ابن جبير باسم ” تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار” والتي كتبها في عام 582 هجري 1186 ميلادي ، والذي تم تداوله على نطاق واسع وترجمه الإنجليزي ويليام رايت ونشره والتي عرفت باسم رحلة ابن جبير، ومن مؤلفاته ” اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك “.
هذا ولم يكن ابن جبیر جغرافيا فحسب، بل كان أديبا عاما بمختلف العلوم الدينية والدنيوية، وله ديوان شعر و مراسلات أدبية بديعة وحكم بليغة … وفوق هذا كله كان زاهدا تتلمذ على يديه الكثيرون في البلاد الإسلامية المختلفة.
اشكركم جزيل الشكر على تعريفنا بالرحالة ابن جبير والذي هو من اشهر الرحالة العرب