مشكلات الطلاب وطرق مقترحة لحلها

يتعرض الانسان مهما كانت طبيعة عمله الى مشكلات في حياته الخاصة والعامة الا ان هذه المشكلات تتفاوت بين انسان وآخر ، من حيث تعقيدها أو سهولتها ، من حيث تحليلها ونوعيتها.

ولما كانت المدرسة مجتمع مصغر فإن المعلم اكثر الناس مجابهة للمشكلات وهو اول من يفكر في ايجاد الحلول لهذه المشكلات ، كيف لا وهو أمين على فئة ليست بقليلة من الناس الا وهو جمهورالطلبة ، ساهر على أن يجعل هذه الفئة من الناس قدوة صالحة ولبنات متراصة في مجتمعه الذي يعيش فيه ، وحذر اشد الحذر على تربية هذا النشء الجديد الذي إن هو إلا رجالات المستقبل منه سيصبح الطبيب والمهندس والحاكم والاقتصادي والقائد العسكري وغيره، فالمعلم اذن والحالة هذه دائم النشاط والمثابرة والجد والاجتهاد كي يخلق جيلا مؤمناً بربه واثقاً بنفسه عليه تبعات جسام في مستقبله ، ومهما يكن من أمر فان المشكلات لا تنتهي.

وكلما اخضع الانسان قسما كبيراً منها لأرادته ونشاطه سرعان ما تتوالد مشكلات اخرى جديدة تتوالد بتوالد التطور الحضاري والاجتماعي وهكذا دواليك، ويبقى على المعلم ان يحافظ على دوره الفعال في كبح جماح هذه المشاكل كي لا يتعاظم امرها ويستفحل خطرها.

ولكي يكون المعلم قائداً قديراً مربياً ناجحاً مؤدياً رسالة التعليم على احسن وجه، فأنه يحتاج الى مفاهيم واعتقادات واتجاهات تتصل بمشكلات التلاميذ الآخرين في النمو وتتصل بعملية حل مشكلاتهم في المدرسة.

فيجب أولا ان يدرك المعلم ويؤمن ان جميع التلاميذ في مرحلة النمو عندهم مشكلات كما هو بطبيعة الحال عند الكبار وانهم يستطيعون تعرف مشكلات أخرى جديدة تتعلق بواقعهم ويقبلونها على أنها مسائل عليهم أن يجابهوها ، ويجب على المعلم أن يعتقد أن هذه المشكلات هامة للاطفال وعليه ان يعترف بأهمية مساعدة التلاميذ في حل مشكلاتهم امر هام، لأنهم يأتون الى المدرسة محملين بمشكلات كثيرة ، ونحن لا نعرف في الحقيقة كيف نعمل معهم قبل الوقوف على مصدر وأصل هذه المشكالات ومسبباتها.

ويجب على المعلم ان يتحقق من الصلة بين تقدم الطلاب في دراستهم من ناحية ومنحهم فرصة للعمل عن طريق حل مشكلات شاقة من ناحية أخرى.

ان الاهتمام والقلق بسبب حل المشكلات شيء حسن ويعتبر ذلك خطوة نحو مساعدة الطلاب الصغار على التكيف مع بيئتهم الحاضرة ، ويكاد كل فرد أن يقابل كل يوم مشكلات بدون استثناء ، وان عدم القدرة على حلها يجعل البعض منا يبدأ يشعر بالفشل الذي قد يقف عائقا في سبيل التعلم.

وهناك مسائل غالباً ما ينظر اليها التلاميذ على انها مشكلات صعبة ومعقدة ، ولكنها لا تبدو كذلك قط بالنسبة للمعلم ، وانه ليدهشني كثيراً تلك المسائل البسيطة التي تحدث كل يوم والتي يعتبرها التلاميذ مشكلات ولا يخطر ببالي مطلقا ان تكون بعض هذه المسائل من قبل المشكلات ولكنها بالنسبة للتلاميذ تعتبر مشكلات حقيقية هامة.

فيجب علينا نحن معشر المعلمين ان نقابل المشكلات المأخوذة من عالم الاطفال باهتمام صادق كما يجب ان نعتبرها مظهراً هاماً في تطور المنهج ، ويلعب المعلم دوره في تشجيع التلاميذ على الثقة بالنفس والاستقلال.

ويجب ان نميز بين حل المشكلات للتلاميذ وبين قيام التلاميذ انفسهم بحلها . ويجب على المعلمين ان يعملوا على ايجاد طرق يستطيع التلاميذ استخدامها في حل المشكلات بانفسهم كما ويجب ان يساعدوا التلاميذ على ان يدركوا ان هناك شيئاً داخل عقولهم يعينهم على التغلب على الصعوبات وان يترك التلاميذ يبحثون عن الحل ويقومون به .

وليس في استطاعة المعلم ان يسير بسهولة في خلق بيئة تساعده على حل المشكلات ان لم يؤمن بأن المدرسة هي الميدان الأول الذي تظهر فيه مشكلات التلاميذ، وان لم يشعر بالرغبة الأكيدة في مساعدتهم على حل مشكلاتهم وان لم يؤمن بأن التعليم المستمر أتي عن طريق حل المشكلات ويتخذ فيه موقفا ايجابيا.

ويجدر بالمعلم ان يقوم بدراسة وإعادة تشكيل آرائه واعتقاداته واتجاهاته فما يختص بعملية حل المشكلات من وقت لآخر ، وان المواقف العديدة الصعبة التي لا مهرب منها والتي تظهر بشكل طبيعي في الصف تزود المعلمين بأساس تساعدهم على اكتساب ادراك ابعد العناصر التي تشتمل عليها عملية حل المشكلات والاقتناع بها ، ومن احسن الطرق في حل المشكلات ان تبحث قدر استطاعتك عن طريقة السير في الحل وتضع بعد ذلك خطة للخطوات التي تتبعها ، ومن الضروري ان تبحث عن اسباب المشكلة قبل ان تخطط خطوات السير فيها .

ويستطيع المعلم اليقظ ان يضفي اهمية جديدة على الجزاء المختلفة لعملية حل المشكلة ويكسب افكاراً عن الطرق المختلفة التي يستخدمها التلاميذ في حلها ، ثم يعمل على جعل هذه العملية وظيفية يسهل على الطلاب
تطبيقها الى حد كبير.

ويستطيع المعلم ان يدرك الى اي مدى تختلف طريقة السير في حل المشكلات من طفل لآخر ومن موقف لآخر ، وان ذلك متوقف على طبيعة المشكلة وعلى الموقف ذاته وعلى الشخص الذي يقوم بحل المشكلة.

ان مثل هذا الادراك قد يزيد من حساسية المعلم نحو الملاحظة وغرس العادات والمهارات والاتجاهات التي تزيد القدرة على حل المشكلات عند بعض التلاميذ ، ان ذلك الادراك يجعلنا نتحقق اكثر واكثر ان هناك مشكلات يمكن ان يحلها التلاميذ بمجهوداتهم الخاصة فقط وهناك مشكلات تتطلب مساعدة من الكبار لحلها ، كما انه توجد مشكلات اخرى ابعد ما تكون عن قدرة التلاميذ على حلها.

ان الفهم المتزايد لعملية حل المشكلات يمكن ان يؤدي الى مقدرة متزايدة على الحل وكذلك المناقشات تساعد على تحديد معالم المشكلات وحلها وعلى جعل التلميذ يفهم مشكلته.

فمثلا : لقد أنشأ احد المعلمين ركناً للمناقشات في غرفته ليستخدمه اي تلميذ يود ذلك، وبهذا لم يكتسب التلاميذ تبصراً بمشكلاتهم وحسب ولكنهم اكتسبوا أيضاً قدرة على مواجهة الصعوبات التي تقابلهم والعمل على التغلب عليها بكفاءة اكبر ، وذلك بسبب العلاقات الشخصية التي مكنت التلاميذ من الإفضاء بأسرارهم والتي
تكونت نتيجة لاستخدام ركن المناقشات.

وهناك معلم آخر كوّن صداقة في صفه وحاول ان يغرس في تلاميذه حب المدرسة ، وبعد ذلك أنشأ صندوقاً لتلقى المشكلات واعطى التلاميذ بطاقات صغيرة بيضاء يكتبون عليها أي مشكلة يريدون المساعدة على حلها في أي وقت ، وكانوا يلقون بالبطاقة في الصندوق دون ذكر اسمائهم او توقيعهم عليها واستمع كل تلاميذ الصف للمشكلات واقترحوا الحلول، فلقد كانت للمشاركة في دراسة المشكلات قيمة علاجية كما انها نمت المهارات في حلها ، وكذلك فأن الفهم المتزايد لعملية حل المشكلات يمكن ان يوصلنا الى اسباب المشكلة
والتعرف على كوامنها وجذورها ، فمثلا :

هشام تلميذ صغير من اسرة فقيرة يمتنع عن شرب اللبن المعتاد شربه في احدى المدارس ويخالف بذلك زملاؤه وأقرانه في المدرسة، الا انه كان يريد ان يكون مثلهم ولقد حاول زملاؤه ان يقدموا له البسكويت واللبن كما حاول معلمه ذلك في البداية الا انهم لم يفلحوا وفي اليوم التالي يطلب المعلم زجاجة من اللبن لهشام ويضعها امامه فيصرخ هشام لذلك الا ان المعلم تجاهل ذلك، وأخيراً فتح هشام الزجاجة وشرب قليلا من اللبن الا انه بكى بصراخ مرتفع ، وهكذا ظل المعلم يقدم له اللبن يومياً ويتغاضى عن بكائه وصياحه، وذات يوم شرب كل اللبن الذي قدم اليه وضحك ، لقد كان فخوراً حقاً بنفسه وراضياً عنها وبعد ذلك كان هشام يقوم بطلب اللبن وقد أحبه.

إن اساس مشكلة هشام هو التقبل ليس فقط تقبل الغير له ولكن ايضاً تقبله لذاته، إن جزءاً من محاولته تحقيق التقبل ينعكس عن طريق الاحساسات والاعمال التي صدرت عنه بسبب اتباع طريقة جديدة ، لقد كانت تتنازعه كراهيته غير الحقيقية الى اللبن وربما الى الطعام بشكل عام ورغبته في ان يكون كأقرانه من تلاميذ صفه.


ان المعلم يعترف بمشكلة هشام كما يعترف بها الى حد ما سائر التلاميذ في صفه فلم يقدم اللبن الى هشام في اول الامر لانه لم يطلبه ، ولكن من الواضح ان ذلك ليس بحل كاف للمشكلة وفي اليوم التالي يضع المعلم زجاجة اللبن امام التلميذ الصغير بالرغم من انه لم يطلب ذلك ، وفيما عدا ذلك نجد ان المعلم يترك التلميذ يقرر ويعمل ما يشاء فلا يضغط عليه ، والطفل حر في ان يفتح زجاجة اللبن ويشربها او يتر كها مغلقة، وخلال فترة من الوقت يشرب هشام اللبن قدراً اكبر واكبر حتى يجيء يوم يشر ب فيه اللبن كله ويشعر بسرور عظيم، وهكذا وبمثل هذه الطريقة الجيدة لفهم مشكلة هشام من قبل المعلم تمكن من ان يجد حلا لها ويجعل من هشام تلميذاً سوياً كباقي زملائه يعمل مثلهم ولا يشعر بأي فارق بينه وبينهم.

المعلم محمد ناصر عيسى

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التربية والمجتمع.. علاقة تكاملية وركيزة أساسية لتطور الأفراد

تُعد التربية والمجتمع من المحاور الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان وتحدد معالم تطوره. إن العلاقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *