كارثة الثاليدومايد التي قتلت وشوهت آلاف الأطفال

لقد لقن الثاليدومايد العالم درسا مرعبا رافق باستمرار تطور الادوية واختبارها وتسميتها ووصفها واستهلاكها، وهي تستحق منا التذكر وأخذ الدروس منها.

كان المجتمع الالماني حتى عام 1961 يوجه اهتماما رومانسيا كبيرا لتطوير وتقديم ادوية جديدة، وقد تغيرت نظرته فقط عندما كررت الصحافة بطريقة عرضية ومرات عديدة من السنة ان امرا مفاجئا حدث، لقد اكتشف الناس انذاك ان تقديم الدواء اكثر خطورة مما كان يعتقد في السابق.

لقد اثارت كارثة الثاليدومايد الرأي العام وأجبرت الحكومات على الاشراف على كل مراحل تقديم الدواء، وكل من كان معنيا بهذه العملية اتخذ اجراء وقائيا، وكان القرار ان الاستخدام العرضي للأدوية، لا يمكن ان يكون، او يجب الا يكون نفسه منذ كارثة الثاليدومايد.

بداية قصة الثاليدومايد

بين عامي 1960 و 1960 حدث انتشار للفوكوميليا، والفوكوميليا تعنى « حدود الاختام» وهو تشوه خلقي وراثي، تبدو فيه العظام الطويلة للاطراف ناقصة وهى حقيقة في وضع اعتيادي، تبرز عليه الايدي والأقدام اصلا، او تظهر على الجذع تقريبا مثل اطراف الختم، وقد تحدث تشوهات اخرى في آن واحد.

والفوكوميليا نادرة الحدوث عادة ولم تواجه معظم عيادات المانيا مثل هذه الحالات في العشر سنوات السابقة حتى عام 1959 ففي ذلك العام شوهدت سبع عشرة حالة في عشر عيادات، وفي عام 1960 شوهدت 126 حالة وفي عام 1961 شوهدت 477 حالة، وبدأ الانتشار محصورا في المانيا الغربية مع ان حدوثا مشابها اصغر حجما لوحظ في الوقت نفسه في استراليا.

لقد درست الاحتمالات المختلفة مثل تعرض الام للأشعة والهرمونات والأطعمة وحافظات الطعام، ومانعات الحمل. ووجد طبيب كان يقوم بفحص ومراجعة حالات مريضاته من خلال استبيانات 20 % منهن قد تعاطين الكونتيرجان في فترة الحمل المبكرة، وعندما سأل المريضات ثانية اعترفت 50 % منهن بتعاطيه، وقال كثير منهن بأنهن كن يعتقدن أن الدواء لا يؤذي ولا يستحق التنويه ابتداء.

وفي تشرين الثاني من عام 1961 تم الاعلان عن الافتراض ان دواء غير معروف كان سببا في انتشار مرض اعلن عنه الطبيب نفسه في مقابلة حول بعض الامراض التى تصيب الاطفال، وفي اعقاب تقرير عن اربع وثلاثين حالة من مرض «الفوكوميليا». وإثر تساؤلات عدة لاحقة اصبح معروفا ان الثاليدومايد ( كونتيجران وديستافال وكيفادون وتاليمول وسوفتنون) كان هو السبب ونتيجة لذلك تم سحبه من سوق المانيا الغربية في شهر تشرين الثاني، ومن سوق بريطانيا في كانون الاول لعام 1961، ووردت تقارير في ذلك الوقت من اقطار اخرى من العالم.

لقد اظهرت دراسة مراقبة الحالة ان من الست واربعين حالة فوكوميليا كانت واحدة واربعون اما قد تناولت الثاليدومايد، ومن الثلاثمائة ام واطفالهن العاديين لم تتعاط أي منهن الثاليدومايد في الفترة ما بين الاسبوع الرابع والتاسع من الحمل.

ومع تتابع التقارير تأكد ان الثاليدومايد هو السبب في حدوث ابشع كارثة في التاريخ العلمي الحديث للدواء والعلاج الطبي، لقد مات كثير من اطفال الثاليدومايد، ولكن الكثيرين منهم بقوا وبأطراف مشوهة وعيون واذان وقلب وقناة هضمية ومسالك بولية غير عادية.

وقدرت وزارة الصحة في المانيا الغربية أن الثاليدومايد قد سبب 10 الاف حالة ولادة مشوهة في الاطفال، عاش منهم 5000 طفل و ان 1600 طفل مهم كانوا بحاجة الى اطراف صناعية، وكان في بريطانيا حوالي 600 حالة ولادة مشوهة من الاطفال الذين بقوا على قيد الحياة منهم حوالي 400 طفل.

وقد كان تم تسويق الثاليدومايد في المانيا الغربية في عام 1956 باسم (كونتيجران) ( مانع الحمل ) وفي بريطانيا عام 1958 باسم (ديستافال) كمسكن ومنوم.

وتبين أن الثاليدومايد آمن ومنوّم حلو المذاق، وبدون ادنى شك فضله بعض المرضى على غيره، وفي سياق الدواء والعلاج الطبي كانت الفوائد قليلة.

وبالرغم من غياب صفات اخرى واضحة فقد تم انجاح الثاليدومايد بمهارة ووصفه وتعاطيه باتقان في لمجتمع – فقد تم بيعه بدون وصفة طبية – وحقق شهرة واسعة فأصبح الطفل الخداج لالمانيا الغربية. لقد كان منوما معتادا في المستشفيات وكان يوصف للاطفال ليساعدهم في ملاءمة انفسهم مع جو بيت متعاف وقد بيع مع ادوية اخرى لتسكين اعراض الالم مثل السعال والحمى، وهذا قد يساعد في تفسير حيرة المرضى والاطباء في التأكيد على من تعاطى الثاليدومايد ومن لم يتعاط.

وفي عام 1961 كان اصبح واضحا ان الاستخدام المطول الثاليدومايد يمكن ان يسبب اعراضا جانبية ابرزها التهاب الاعصاب الخارجية وهو السبب الرئيسي، اذ تم تأخير اجازة الشكل ( كيفادون ) من ادارة الدواء والغذاء للسوق الاميركية وعندما تكشفت تأثيراته السلبية لم يوافق عليه ومع ذلك فقد ولد في الولايات المتحدة بعض (اطفال الثاليدومايد) نتيجة اعتماد طريقة تجارب التسويق العلاجى المسبق بواسطة 1270 طبيبا اعطوا الدواء الى 20771 مريضة منهن 207 نساء كن حوامل. وثمة اقطار اخرى وقعت فيها حالات فوكوميليا الثاليدومايد تشمل استراليا وبلجيكا والبرازيل وكندا وألمانيا الشرقية ومصر واسرائيل ولبنان والبيرو واسبانيا والسويد وسويسرا رغم ان الدواء لم يسوق في كل هذه الاقطار.

فعندما يصبح الدواء معروفا يتخطى كل الحصون. ويبذل الناس قصارى جهدهم في الحصول عليه وبالتالي تقسم المسؤولية بين الصانعين الذين يعملون على زيادة نجاحه، والأطباء الذين يكتبون وصفات مقابل اعراض غير واضحة، وهكذا يشجعون على زيادة النجاح، وهناك ايضا الصحافة التي تثير المجتمع وتحفزه اللحصول على ( ادوية العجب)، اضافة الى العبث الاهوج لبعض المرضى الذين يتخذونه تميزا ليتمكنوا من التفاخر والتباهي بأنهم يعالجون بأحدث الادوية خصوصا اذا كان الدواء صنفا غير متوافر لأترابهم وأمثالهم.

ربما كانت حقيقة حدوث الفوكوميليا اكثر بين اطفال فئات المهنيين انعكاسا لحرص الاطباء على تأمين احدث علاجات لعائلاتهم كما هو بالنسبة لمن يطلبون ذلك او المرضى في الحالات الحرجة الذين يجب أن يحصلوا على احدث الأدواية، ولذلك يتوقعون بكل تفاؤل افضل الادوية.

لقد انتشر حبر كارثة الثاليدومايد بسرعة حتى ان بعض الامهات اللواتي تعاطينه علمن بالخطورة قبل اسابيع من ولادة أطفالهن، وبالطبع، ليس كل من تعاطين الثاليدومايد في اثناء الفترة الحرجة ( 37 – 54 يوما من اول يوم في آخر فترة حيض) رزقوا بأطفال غير عاديين، وربما كانت النسبة لا تزيد على 20 %، ولكن ليس ثمة رقم يعتمد عليه. ففي عام 1977، كان لا يزال يدور تساؤل وتسمع مطالب لإجراء تحقيق عام رسمي في كارثة الثاليدومايد.


الوضع الحالي ان ضحايا الثاليدومايد قد تلقوا، بعد كفاح طويل، مبالغ تعويض كبيرة من شركة الادوية التي قامت بتسويق الثاليدومايد.

إن الدروس الطبية العلمية المستفادة من الحلقة الدرامية قد تم تعلمها من قبل لجنة الصحة والسلامة التي تم تشكيلها بحيث لن يسوق اي دواء قبل موافقة مجلس مستقل من الخبراء على سلامته، وان المزاعم العلاجية تتم مراقبتها ايضا بإشراف القانون.

الصيدلانية: سلوى عمارين

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *