قصة نشأة الريال السعودي منذ كان يحمل اسم “دولار ماريا تريزا”

يعد الريال السعودي واحدا من أهم العملات العالمية بسبب استناده لقوة اقتصاد المملكة العربية السعودية لكن العملة التي نعرفها جميعا اليوم لم تنشأ من عدم بل هي نتاج لجهود كبيرة لتوحيد أسلوب التجارة في منطقة اشتهرت منذ فجر التاريخ بالنشاط الاقتصادي.

وكشفت صحيفة “الشرق الأوسط”منذ سنوات عن قصة نشأة الريال السعودي عبر شهادات مواطنين سعوديين شهدوا نشأة المملكة أو سمعوا قصة التأسيس من أبائهم وقالوا فيها إن منذ فتح الملك عبد العزيز مدينة الرياض التي صارت فيما بعد عاصمة المملكة العربية السعودية، وانطلق منها لتوحيد أجزاء البلاد المتناثرة تحت راية التوحيد، وإلى أن تم بناء الدولة السعودية الثالثة، تم تداول العديد من النقود السائدة في تعاملات النصف الأول من القرن الماضي.

وكان النظام النقدي في معظم أقاليم الجزيرة العربية بصفة عامة، وأقاليم البلاد بشكل خاص، يعاني فوضى وتدهورا لم يشهدهما من قبل. فمعظم النقود الأجنبية من ذهبية وفضية وبرونزية ونحاسية جرى التعامل بها.

وفي ظل تلك الفوضى النقدية لم يكن أمام الملك عبد العزيز في بداية لأمر – أي بعد دخوله مدينة الرياض وسيطرته على معظم إقليم نجد – سوى أن يقبل ولو بشكل مؤقت بهذا الوضع، حيث أبقى على التعامل بالنقود المتوفرة بالأسواق آنذاك، لإدراكه التام بأن النقود تعد أهم مظهر من مظاهر سيادة الدولة، وإحدى شارات الملك الثلاث.

وأدى ذلك إلى محاولة الملك عبد العزيز في فترة مبكرة من مسيرة التوحيد لإصدار عملة نحاسية خاصة بسلطنة نجد آنذاك، رغبة منه في ضبط الأوضاع النقدية في أسواقها إبان تلك الفترة.

وتوضح مؤسسة النقد السعودي (ساما) أنه بعد تلك الخطوة الجريئة من الملك عبد العزيز، وفي ظل سيادة العملات الأجنبية، لم يكن أمام مؤسس البلاد سوى إقرار التعامل في محيط نفوذه السياسي بالنقود المتداولة آنذاك، وهي النقود التي جرى تداول معظمها إبان عهد الدولة السعودية الثانية، والفترة التي سبقت دخوله مدينة الرياض.

وتعتبر مؤسسة النقد أهم تلك العملات على الإطلاق التالر النمساوي، أو ما يعرف بـ«دولار ماريا تريزا» والمعروف محليا باسم «الريال الفرنسي»، وهو الاسم الذي أصبح مجازا اسما رسمياَ لهذا النقد في معظم أقاليم الجزيرة العربية، بل وبعض الأقطار العربية، بحسب ما أكدته مؤسسة النقد.

وتوضح «ساما» أنه إلى جنب الريال الفرنسي تم تداول أنواع مختلفة من النقود العثمانية الذهبية والفضية والنحاسية. وإن كانت النقود الفضية والنحاسية ومثلها النقود «الكوبر نيكل» هي الأكثر انتشارا وسيادة في التداول بين الناس، ذلك لأن هذه العملات تمتاز عن غيرها بفئاتها المتعددة التي جعلت منها نقودا رائجة في المعاملات التجارية.

وبحسب مؤسسة النقد، اشتهر من تلك النقود ما عرف بالريال المجيدي نسبة إلى السلطان العثماني عبد المجيد خان، كذلك البارات – جمع بارة – وهي نقود من «الكوبر نيكل»، وتمثل في حقيقتها أجزاء للريال المجيدي.

وكانت تلك النقود تتميز بصفة عامة بأنها تحمل على وجهها توقيع السلطان المشتمل على اسمه كاملا نقش بالخط الطغرائي، وعدد سنوات جلوس السلطان على العرش، أما الظهر فيشتمل على مكان وتاريخ السك، وتاريخ تولية السلطان.

وإلى جانب تلك النقود جرى تداول الجنيه الإنجليزي الذي لا يقل شهرة عن الريال الفرنسي، موضحا أنه عرف بين سكان البلاد بأسماء محلية منها: جنيه جورج،نسبة إلى الإمبراطور جورج الخامس الذي صك هذا النقد في عهده، كذلك عرف باسم محلي آخر هو جنيه أبو خيال لوجود صورة رجل يمتطي صهوة جواد على ظهر القطعة.

وفي خضم تلك الفوضى النقدية التي كانت تعيشها البلاد، كان الملك عبدالعزيز يسعى جاهدا لإيجاد الحلول التي تساعد على ضبط الأوضاع النقدية تلك، وتحد من تنوع تلك النقود. ولعل أول خطوة عملية قام بها الملك عبد العزيز تمثلت في دمغ بعض النقود الشائعة والرائجة في التداول بكلمة «نجد»، وكان ذلك قبل سنة 1340هـ الموافق لعام 1922م.

وبحسب الروايات المتطابقة والمتواترة منذ أكثر من 80 عاما، فإن من أهم تلك النقود التي خضعت للإصلاح النقدي: الريال الفرنسي، والروبية الهندية وأجزاؤها، وبعض النقود العثمانية المضروبة من النحاس ومن «الكوبر نيكل» من فئة عشر بارات، وفئة عشرين بارة، وأربعين بارة، إضافة إلى بعض القروش التركية مثل خمسة قروش، وبعض القروش المصرية والتي تعود إلى عهد السلطنة المصرية من فئة القرشين، وفئة الخمسة قروش، وفئة العشرة قروش، وفئة العشرين قرشا.

وتفيد مؤسسة النقد السعودي أنه يتضح من خلال هذا الإجراء الإصلاحي أن الملك عبد العزيز كان يهدف إلى إعلام الرعية من صيارفة وباعة وغيرهم، أن تلك النقود المدموغة بكلمة «نجد»، هي النقود الرسمية المعترف بها، والتي يجب التعامل بها دون غيرها. وكونها رسالة صريحة تعكس الوضع السياسي لسلطنة نجد خلال تلك الفترة، وخطوة جريئة تعد بمثابة اللبنة الأولى التي وضعها الملك عبد العزيز لأساس نظام النقد السعودي وفق المصادر المتاحة له آنذاك.

وتؤكد «ساما» أن الملك عبد العزيز بعد أن تمكن من توحيد الحجاز مع نجد سنة 1343هـ الموافقة 1925م، أقر التعامل بالريال الفرنسي والنقود العثمانية وغيرها من النقود الأجنبية التي كان الشريف حسين بن علي قد منع تداولها خلال فترة حكمه، موضحة أن الملك عبد العزيز دمغ تلك النقود بكلمة «الحجاز»، وذلك كإجراء وقائي.

ووفق معلومات صادرة من مؤسسة النقد فإن أندر تلك النقود المدموغة وحدة النقد البريطاني المعروف بـ«بيني برونزي» المسكوك في عهد الإمبراطور جورج الخامس، بريطانيا العظمى.

وأول الإصدارات السعودية النقدية بعد أن تلمس الملك عبد العزيز حاجة السوق المحلية والتي تطلبت كميات كبيرة من السوق، جرى سك كميات كبيرة من النقود النحاسية من فئة نصف القرش وفئة ربع القرش، والتي نقش على وجهها اسم الملك عبدالعزيز كاملا (عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود) على هيئة طغراء أو بالخط الطغرائي، وتاريخ سكها سنة 1925، أما ظهر الفئتين فقد نقش عليها القيمة النقدية لكل منهما، ومكان السك وهو أم القرى.

وبذلك يعد هذا الإصدار بفئتيه (نصف قرش، وربع قرش) أول الإصدارات السعودية النقدية، بل إنه نقد قانوني جرى التعامل به وفقا للأوامر الصادرة آنذاك وما نقش عليه من عبارات لا تختلف في مضمونها عن أي نقد آخر.

وسنة 1928، لن تمحى من التاريخ نظرا لكونها شهدت التطورات النقدية التي لا تنسى؛ حيث أمر الملك عبد العزيز طرح نقود جديدة جرى سكها من معدن (الكوبر نيكل) وحملت لقبه السابق من فئة القرش ونصف القرش وربع القرش، بعد إلغائه لجميع النقود المتداولة كالعثمانية والهاشمية وغيرها. والتي جاء تصميمها مطابقا لتصميم القرش وفئاته المضروب سنة 1344هـ. باستثناء سنة السك 1346هـ التي نقشت أسفل ظهر القطعة النقدية.

وسنة 1346هـ (1928م) تعتبر سنة الإصلاح النقدي؛ حيث قام الملك عبد العزيز بطرح أول ريال عربي سعودي خالص من فئة الريال ونصف الريال وربع الريال والذي جرى سكه من معدن الفضة على غرار الريال المجيدي والذي يعد النقد الفضي الرئيسي المتداول في ذلك الوقت.

وتفيد «ساما» أنه يتضح من خلال الإصلاح النقدي الذي قام به الملك عبد العزيز كأنه أراد بهذا العمل تقبل الرعية لهذا النقد الجديد إذ جرى سكه من معدن الفضة بشكل مطابق لوزن وقطر الريال المجيدي.


أما بالنسبة لتصميم هذا الريال وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال، يصف فهد بن رديني والذي يجمع العديد من العملات السعودية القديمة الشكل الذي كان عليه الريال السعودي بالقول إن الريال اشتمل على عبارات وأرقام نقشت على هيئة كتابات مركزية وأخرى هامشية.

وبين أنه جرى سك الريال بشكل مميز وفريد للغاية، إذ ورد على مركز الوجه داخل دائرة اسم الملك كاملا (عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود). في حين تضمن الهامش لقبه (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها) وشعار الدولة سيفان متقاطعان داخل شكل شبه مستطيل نقش بجانبه نخلتان.

وتم إعادة سك الريال السعودي مرة أخرى سنة 1348هـ (1930م) بجميع فئاته، ووفق مواصفاته السابقة عدا سنة سكه (1348هـ), حيث طرح للتداول وفق معيار صرفه من القروش الحجازية النجدية، التي أعيد سكها هي الأخرى خلال تلك السنة بجميع فئاتها،وطبقا لمواصفاتها السابقة عدا تاريخ سكها 1348هـ.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التربية والمجتمع.. علاقة تكاملية وركيزة أساسية لتطور الأفراد

تُعد التربية والمجتمع من المحاور الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان وتحدد معالم تطوره. إن العلاقة …

تعليق واحد

  1. رائعة هذه المعلومات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *