قريبا تكنولوجيا النانو سوف تغزو طعامنا وشرابنا

يعمل العلماء في شركة Kraft Foods على تطوير التكنولوجيا التي تحقق ما قد يمثل ثورة بالغة الاثارة في عالم الغذاء، ولا يقتصر الامر على هذه الشركة، اذ يعمل العلماء في مختلف بلدان العالم ومنذ عقود على اتقان تطوير ما يسمى “تكنولوجيا الطعام المنمنم” ويعمل العلماء في هذا المجال بحذر شديد لضمان تطوير ما يمكن للناس تقبله بسهولة، بخاصة في ضوء ما تواجهه الاغذية المعدلة وراثيا من انتقادات او عدم تقبل من بعض الفئات.

تبعا لما يقوله العلماء فان تكنولوجيا الطعام المنمنم ستغير من الطريقة التي نختار بها طعامنا او نتذوقه ، اذ سيمكن بفضلها تغيير نكهة أي شراب او طعام وتغيير قوامه وحتى تغيير محتواه الغذائي، اذ سيمكن مثلا بمجرد كبسة زر زيادة محتوى عصير البرتقال من فيتامينَ (ج) او سيمكن تناول أي مقدار من الشوكولاتة دون خشية اكتساب وزن اضافي.

فرانس كامبرس، مدير مركز التكنولوجيا الحيوية للطعام واختراعات الصحة في جامعة واغننجن في هولندا، وهو المركز الاول في هذا المجال في العالم، يقول ان تكنولوجيا صنع اشربة وأطعمة قابلة للبرمجة متوفرة حاليا، الا ان تطبيقات العلم لا تزال في بدايتها في هذا المجال.

مصطلح تكنولوجيا الطعام المنمنم يغطي كل التطورات في مجال صناعة الطعام على المستوى المنمنم، والتي تشمل في وحدات القياسات كل ما يتراوح بين 0.1 الى 100 نانومتر (النانومتر يساوي جزء من بليون جزء من المتر ).

ولعله من المفيد هنا توضيح بعض المصطلحات ذات العلاقة:

التكنولوجيا المنمنمة: حقل واسع جدا في تطبيقات العلم والتكنولوجيا في مستوى اجزاء اقل من البليون من المتر، وتتراوح الاستثمارات فيه حاليا بمئات تريليونات الدولارات، وينظر اليه باعتباره الحقل الذي سيشكل
حضارة الانسان في المستقبل.

الطعام المنمنم : استخدام التكنولوجيا المنمنمة في عمليات زراعة او تنمية الطعام، ومعالجته وحفظه وتعليبه.

الجسيمات المنمنمة : الجسيمات التي يقل حجمها عن 100 نانومتر

الكبسولات المنمنمة: الكبسولات بالغة الصغر المستخدمة في حفظ المواد المغذية.

الادوات المنمنة : ادوات مثل الدوائر الالكترونية والمجسات التي تكون على المستوى المنمنم، وفي مجال الطعام، فانها تستخدم في كشف الملوثات او حفظ المواد المغذية الاساسية (المقوّمة).

وهكذا فان تكنولوجيا الطعام المنمنم تشمل مجالات مثل ابحاث تطوير مجسات منمنمة لكشف مدى نضج الطعام او فساده مثلا الى تصميم وتطوير حفظ الطعام، وهو يشمل ايضا تكنولوجيات لا تزال قيد التطوير مثل جعل الطعام قليل الدسم يماثل في نكهته الطعام العادي، كما هو جار الان بالنسبة مثلا للميونيز قليل الدسم.

التوجه لجعل الطعام اكثر صحة وامانا وديمومة ليس بالجديد، وحتى تعديل بنية الطعام على المستوى المنمنم ليس بالامر الجديد، فمجرد طهي الطعام يغيّر من تركيبه الجزيئي، والجديد، هو ضبط عمليات التغير هذا
وتعديلها لتحقيق ما نهدف اليه، ومن ذلك مثلا جعل الطعام غير القابل للذوبان في الماء او الدهن قابلا لذلك، وجعل الطعام الذي تؤثر فيه عصارات المعدة الهاضمة، غير قابل للتأثر بها والمحافظة على مكوناته حتى وصوله الى الامعاء ليتم امتصاصه كما هو الى الدم.

وتبعا لما يقوله كامبرس فانه في غضون 5 الى 10 سنوات ستكون هذه التكنولوجيا شائعة، وبخاصة ما يتعلق بزيادة القيمة الغذائية للطعام من الفيتامينات والاملاح المعدنية مثلا، ويقول ان الطريقة الاكثر شيوعا لتحقيق
ذلك، تكوين كبسولات يمكن ملؤها بالمواد المغذية، ويتم تصميم غلاف هذه الكبسولات لجعله قابلا للذوبان في الماء او في الدهون، او لجعل الكبسولة تطلق محتوياتها في الفم او المعدة او الامعاء.

استخدام الكبسولات المنمنمة يعنى ان المواد الغذائية ستمتص الى الدم كما هي بدلا من ان تتلف او تفقد من قيمتها في اثناء عمليات تصنيع الطعام في المصنع او تحضيره في مطبخ المنزل او المطعم او اثناء مروره في القناة الهضمية، كما يعني ان جميع ما يتناوله الانسان من طعام ستتم الاستفادة منه، ولن يخرج مع البراز أية مواد ذات قيمة غذائية، وبالنسبة للمواد ذات الطعم غير المستساغ مثل زيت السمك سيكون ممكنا جعلها ذات طعم او نكهة مرغوبة، وسيكون ممكنا تحقيق كل ما سبق بسهولة وكلفة قليلة.

من ناحية اخرى يُبدي بعض العلماء تحفظات على التكنولوجيا الجديدة، ومن ذلك عدم معرفتنا حتى الان عن اية تأثيرات جانبية لها على الجسم، وعلى المدى الطويل، وعدم معرفتنا لمدى تقبل نظام المناعة في الجسم لمثل هذه الجسيمات، بالرغم من ان الامور تبدو حتى الان مطمئنة ولا يوجد ما قد يثير القلق بشأنها، وبخاصة وان العلماء يؤكدون على انهم لن يستخدموا في صناعة الكبسولات المنمنمة اية مواد لا توجد طبيعيا في الطعام.

ويشار هنا الى انه تتوفر في الوقت الحالي العديد من المنتجات التي تعتمد تكنولوجيا الطعام المنمنم، ومن ذلك كبسولات تحتوي على فيتامينات واملاح معدنية لا تتأثر بالعصارات الهاضمة. حتى وصولها الى حيث تمتص الى مجرى الدم، وبخاخات ترش رذاذا محملا بالفيتامينات الى داخل الفم ليتم امتصاصها من بطانته المخاطية، كما ان العمل جار لتصنيع اطعمة تخلو من أية مكونات قد تسبب ردود فعل تحسسية عند البعض، وأطعمة تبقى مدى طويلة دون ان تتلف او تفقد من قيمتها الغذائية، اضافة الى تطوير اطعمة بأي لون او نكهة او قيمة غذائية او قوام.


وتبعا لما يقوله فرانس كامبرس، فان احد الاهداف المهمة لتكنولوجيا الطعام المنمنم تصنيع اللحم البقري مثلا اعتمادا على بروتين النبات مباشرة، بدل ما يجري في الطبيعة حاليا، حيث يتناول البقر هذا البروتين عند تغذيه على الحشائش، ويحوله في جسمه الى بروتين حيواني بطعم لحم البقر ونكهته وقيمته الغذائية.

حيدر مدانات

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

شركة WardLin السويدية تفوز بجائزة الابتكار لعام 2024

أعلنت شركة (Företagfabriken)، الحاضنة الرائدة للشركات الناشئة في السويد وضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي والسويد لدعم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *