فوائد الحجامة للجسم ودورها في علاج بعض الأمراض وطريقة عملها

دكتور / فيصل سرور المنشاوي
باحث في الطب النبوي

رغم كل هذه الاكتشافات الطبية الهائلة .. وكل هذه الابتكارات والأجهزة الحديثة التي تصور لنا ما يحدث داخل الجسم البشرى .. فمازال هذا الجسم يمثل لغزاً كبيراً محيراً للعلماء .. ولازالت أبحاث العلماء تتوالى بغية اكتشاف سر مرض أو عطب ذلك الجسم المجهول .. ولم يستطع طبنا الحديث حتى الآن أن يوفر لنا علاجاً أو دواءاً شافياً للكثير من الأمراض ( الأمراض المناعية والروماتيزمية والسرطانية وحتى الفيروسية …. ) – ولعل السنوات القليلة الماضية قد أبرزت بشدة أهمية الجهاز المناعي داخل أجسامنا ودوره فى الوقاية من الأمراض فضلاً عن القضاء عليها .. وبعد أن كانت الأبحاث الطبية ترتكز أساسا على استحداث مواد كيميائية لمواجهة الأمراض المختلفة (الأدوية ) وتقضى على الميكروبات والفيروسات أو التكوينات السرطانية .. أصبحت معظم الأبحاث الحديثة تدور حول كيفية تنشيط وحث الجهاز المناعي للقيام بهذا الدور الذى هو واجبه فى الأصل – خاصة مع حقيقة اكتساب معظم هذه المسببات المرضية السابق ذكرها مقاومة ضد الادوية المستحدثة – ومن هذه الوسائل الخطيرة لحث وتنشيط الجهاز المناعى .

العلاج باستخدام كاسات الهواء ( الحجامة ) Cupping Therapy – تلك الوسيلة العلاجية البسيطة والتى ظهرت فى مصر القديمة وانتشرت منها إلى بلدان العالم المختلفة .. ولأهميتها وفائدتها فقد نصحنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالتداوى بها .. والحجامة عملية بسيطة يتم فيها احداث ضغط سالب بواسطة جهاز الحجامة المستعمل على نقاط معينة بالجسم لفترة من الوقت (يتم تحديد هذه النقاط على أساس تشريحي أو فسيولوجي أو باثولوجي) .. ثم بعد ذلك يتم تشريط المكان تشريطاً سطحياً خفيفاً يعقبه سحب للدم من هذا المكان بواسطة جهاز الحجامة .. وقد كان يعتقد قديماً أن سحب الدم في هذا المكان يخلصه من الدم المحمل بالأخلاط أو بلغة حديثة نتائج تفاعلات التمثيل الغذائي (Metabolism) من هذا المكان .. وحديثاً نسبياً قيل أن سحب الدم يؤدي إلى زيادة كفاءة الدورة الدموية والليمفاوية بهذا المكان الذي يعاني من قصور في دورته الدموية والليمفاوية .. وحديثاً وجد أن التشريط الذي يتم احداثه بمكان الحجامة يؤدي إلى إفراز مواد ووسائط كيميائية عديدة تفيد في علاج الكثير من الأمراض – وأن تفاعلات وتأثيرات بيولوجية تحدث مع هذه الخدوش البسيطة التي يتم احداثها بالجلد .

فهذه الخدوش السطحية البسيطة بالجلد تساعد فى تخليص الجسم من السموم ومخلفات التمثيل الغذائى الضارة الموجودة به .. فينشط بذلك الجهاز المناعى ويساعد فى التغلب على الأمراض المختلفة – وفى بحث هام أجرى بكلية طب عين شمس بالمشاركة مع جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية عن دور الحجامة فى علاج مرضى فيروس C – هذه الاشكالية المرضية المصرية –أظهرت الدراسة تحسناً ملحوظاً فى وظائف الكبد وزيادة فى معدل الدلالات المناعية المختلفة خاصة مع تكرار جلسات الحجامة .. وأوصت لجنة البحث باستعمال هذه الوسيلة العلاجية البسيطة لعلاج مرضى فيروس C المزمن لأنها طريقة آمنة ورخيصة وسهلة وليست لها أعراض جانبية تذكر .

وفى دراسة بطب عين شمس أيضاً عن دور الحجامة فى علاج مرض الربو الشعبى .. أظهرت النتائج تحسناً ملحوظاً فى أعراض المرض الاكلينيكية خاصة النوبات الليلية للمرض .. وتحسناً بنسب قياس وظائف التنفس وأدت إلى تقليل استخدام الأدوية المعالجة فضلاً عن دورها فى تقليل مضاعفات المرض .. وأوصت الدراسة بمزيد من البحث وفى نطاق أشمل وأوسع لمزيد من الفائدة – وفى دراسة ثالثه بطب الأزهر عن دور الحجامة فى علاج مرضى الروماتويد .. أوضحت الدراسة تفوق العلاج المزدوج ( الحجامة والدواء ) على العلاج الدوائى بمفرده .. ولوحظ زيادة معدلات الخلايا الطبيعية القائلة NK والتى تعنى استنفار الجهاز المناعى .. كما لوحظ وجود انخفاض كبير بمعامل الروماتويد RF بالدم – وأوصت الدراسة بالمزيد من البحث للتعرف على الآثار الفسيولوجية للعلاج بالحجامة والآليات التى تعمل بها للاستفاده من تأثيرها على الأمراض المختلفة – وفي دراسة أخيرة بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية أبرزت دور الحجامة الفعال والمفيد في تخفيض معدلات الكليسترول المرتفع بالدم (والابحاث جميعها بمكتب هيئة الإعجاز العلمى للقرآن الكريم والسنه النبوية بالقاهرة) .

وهذه الأبحاث ليست رده طبية إلى الوراء .. وإنما هى استقصاء لأفضل وأبسط الطرق لعلاج المرضى .. وهناك أبحاث عديدة بالمركز الوطنى الأمريكى للطب البديل والطب التكميلىNCCAM ( احدى المؤسسات الأمريكية للصحة NIH ) عن علاج مرضى الروماتويد ومرضى قصور الشريان التاجى باستعمال المواد الناشبة Chelating Agents – وهى مواد كيميائية تساعد فى اخراج السموم من الجسم كالعناصر المعدنية الثقيلة مثل النحاس والحديد والرصاص والزئبق – وكانت الأبحاث الأولية تشير إلى تحسن الحالات المرضية البحثية .. وتجرى حالياً أبحاث ودراسات باستفاضة أوسع وأشمل .. وهذا يشير إلى دور هذه السموم فى احداث الامراض المختلفة لتأثيراتها السلبية على أجهزتنا المناعية .. ومعلوم أننا فى مصرنا الحبيبة تعانى من التلوث المائى والغذائى بصورة ملحوظة – إن أبحاث الحجامة تغزو العالم أجمع .. والعالم كله يجرى من حولنا بحثاً عن أفضل السبل وابسطها لعلاج المرضى .. فلماذا نفضل أن نظل بلا حراك .. وإذا تحركنا دائماً بدأنا متأخرين ؟!!
ففى ظل عالم يؤمن بالبحث والتجريب لقبول أو رفض أى شيء .. أناشد مراكز الأبحاث المصرية فتح المجال للبحث فى هذه الوسيلة العلاجية القديمة المستحدثه .. وسبل تطبيقها بالضوابط الطبية المعروفة فى حال اقرارها .. بدلاً من أن تظل ممارستها من خلال الشوارع الجانبية أو خلف الأبواب المغلقة .. وبأيدى أناس لا علاقة لهم بالطب ولا يعلمون شيئاً عن طرق مكافحة العدوى .. فتكون النتائج فى أحيان كثيرة غير مرضية .. بل مأساوية .

ولقد سبقتنا الشقيقة العربية السعودية باقرار هذه الوسيلة العلاجية وانشاء المجلس الوطنى للطب البديل لوضع الضوابط الطبية لممارستها بمعرفة الأطباء وذلك بعد دراسة موسعة لطريقة العلاج بالحجامة وفوائدها – وليست القضية أننا لا نفهم الآلية التى تعمل بها أو تؤثر من خلالها هذه الوسيلة العلاجية .. فكثير من طبنا الحديث قائم على نظريات مازلنا نحاول اثباتها أو تطويرها .. ولكن المهم هو النتيجة .. وبهيئة الاعجاز العلمى بحث عن الآلية المناعية للعلاج بالحجامة وتأثيرها المحفز والإيجابى على الوظيفة الافرازية للخلايا الآكلة الكبيرة (Macrophages ) وغيرها من خلايا الجهاز المناعى .. وعلينا ألا نخلط بين عملية الفصد (Venesection) وهو سحب الدم من الوريد كعملية التبرع بالدم .. وبين الحجامة التي يتم فيها تشريط الجلد بعد تهيئته لذلك من قبل لاستعمال كاسات الحجامة وإلا فلا فرق بين جرح ينزف دماً وما يحدث باستعمال كاسات الحجامة .. فمع استعمال هذه الكاسات وسحب الهواء منها .. يتوارد الدم إلى هذا المكان المقصود بكثافة .. فتقل سرعة سريان الدم في هذه المنطقة .. وتبدأ الخلايا البيضاء متعددة الأنوية (Polymorphnuclearleucocytes) عملية حيوية تخرج بها من مجرى الدم إلى النسيج المحيط به – وتأخذ هذه العملية فترة من الوقت من 8 – 12 دقيقة (فترة استعمال الكاس) .. وهذا يفسر أيضاً لماذا تقل كرات الدم البيضاء في تحاليل عينات دم الحجامة .. وتوزع هذه الخلايا نفسها كمن يستعد لهجوم مرتقب ..

ومع تشريط المكان المحتقن تشريطاً سطحياً خفيفاً تبدأ سلسلة متوالية من التفاعلات والتأثيرات بهذا المكان ويتم افراز مواد (الانترلوكينات Interleukins – ومادة الانترفيرون Interferons – ومعامل تحلل الأورام ألفا Tumour necrosis factor Alfa) .. وهذه المواد الكيميائية تساهم في تنشيط الأنواع المختلفة من كرات الدم البيضاء (الليمفاوية – البلعمية … إلخ) وبتنشيط الخلايا الليمفاوية يتم إفراز الليمفوكينات (Lymphokines) التي تقوم بجذب وتنشيط الخلايا الآكلة الكبيرة (Macrophages) وهي خلايا حيوية تعتبر كمستودع لمواد كيميائية عديدة .

حينما تنشط تفرز وسائط كيميائية تسمى السيتوكينات مثل (انترلوكينات 1 , 6 , 8 –معامل تحلل الأورام ألفا – بعض العوامل المساعدة في تجلط الدم مثل عامل 10 , 9 , 7 ….. إلخ) – وهذا التشريط السطحي يؤدي إلى إفراز المواد الشبيه بالأفيون (Endogenous opoids) بالجهاز العصبي المركزي مما يساعد في تخفيف الآلام لما لها من تأثير مسكن – أيضاً فلهذه التشريطات السطحية تأثير منظم للافرازات الهرمونية داخل الجسم فتؤدي إلى زيادة افراز بعض الهرمونات كهرمون النمو والبرولاكتين .. ولها تأثير مثبط لبعضها الآخر – وطبيعي أن ذلك كله يحدث داخل جسم الإنسان وتحت سيطرة وإشراف أجهزته المركزية والعصبية كالمخ .


ومن هنا فهذه التشريطات البسيطة تساعد في علاج وتسكين آلام الأمراض المختلفة كالأمراض الفيروسية والبكتيرية والأورام وأمراض الدم وأمراض الروماتيزم وغيرها .. وأخيراً أود أن أوضح أنه – صلى الله عليه وسلم – يدلنا على ما فيه الخير لنا .. فالعلاج بالحجامة مفيد للمرضى كعلاج مناعي هام ومن أدركه أدرك خيراً .. ومن لم يأخذ به فليبحث عما يناسبه من العلاجات المتاحة .. ولنتذكر جميعاً نصيحته – صلى الله عليه وسلم – لنا إذ يقول ( خير ما تداويتم به الحجامه ) .

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *