طفل التوحد ليس سليماً ولا معاقا

حدثتني احدى الامهات بألم وحسرة انها ولدت ابنها طبيعيا ولم يكن يعاني من أية اعاقة جسدية، ومذ كان رضيعا وهو لا ينظر الى عينيها ولا يستجيب الى مناغاتها ولما كبر أكثر صار لا يبدي احساسا بالألم وينزعج جدا، اذا غيرت اماكن اشياءه الخاصة وهو لا يخشى عبور الشارع رغم تزاحم السيارات المسرعة وكأنه لا يشعر بما حوله.. وخلاصة القول له عالمه الخاص به.

وقد عرضته على اطباء عديدين باختصاصات متنوعة لكنهم أكدوا لها انه سليم معافى ولا يشكو من اي مرض عضوي.

وحين حاولت الحديث معه وكسب وده وجدته طفلاً طبيعياً ولا يمكن للمتحدث معه ان يشك بأنه طفل معاق لكن الملاحظة الاولى هي عدم نظره بعينى محدثه بل ينظر الى بعيد وكأنه لا يرى ما حوله. ولجهلى بالمرض فقد ظننته خجولا متهيبا.. ولكن بعد ملاحظة الامور الاخرى من تأخر في النطق رغم بلوغه الثلاث سنوات وحركته الزائدة التي تعالجه الام منها بأدوية مهدئة يصفها له الطبيب تخفيفا لثورات الغضب التي تنتابه بين الحين والاخر. شعرت بأنه يعاني من امر لا اعرفه.

تشير الاحصاءات العالمية الى ظهور حالة توحد بين كل ألف طفل ونسبة حدوثه بين الذكور اكثر من الاناث بنسبة 3 الى 5 الى اضعاف بغض النظر عن اللون والمستوى الاجتماعي والثقافي للأسرة. وقد عرف التوحد قبل خمسين عاماً، ومع ذلك ما زال الاطباء والعلماء يحتارون فيه الى اليوم، رغم ان تشخيصه صار واضحا ويسيرا على المربين ذلك ان طفل التوحد يبدو وكأنه داخل قوقعة وله عالمه الخاص الذي لا يسمح لأحد مشاركته فيه لأنه لا يسمع ولا يرى ولا يدرك ما يجري خارج عالمه ذاك.

ويذكر أحد الاطباء عن تشخيص حالة طفل التوحد بأنه يظلمه لو قال انه طفل طبيعي يستطيع الالتحاق في مدرسة اعتيادية، ويظلمه اكثر لو قال انه يعاني اعاقة عقلة.

وقد عرف التوحد في السنوات الاخيرة بأنه خلل وظيفي في المخ وليست للعوامل النفسية تأثير في حدوثه، وتظهر اعراض المرض خلال السنوات الاولى من عمر الطفل ما بين 30 الى 40 شهراً حين تلاحظ الام تأخر ابنها في النمو الاجتماعي والادراكي وعدم القدرة في التواصل مع الاخرين كما انه يكرر افعالا بشكل سلوك نمطى يصاحبه اضطراب وتأخر في لغة التخاطب مع الآخرين والعزلة بشكل واضح.

ولعلاج التوحد هناك برامج تعليمية واخرى تدريبية ونفسية واجتماعية تتلاءم مع قدرة الطفل في تنمية مواهبه الكامنة من قدرات ومهارات تبرز في الرياضيات او الرسم او الموسيقى فلا يعد طفل التوحيد متخلفاً عقليا بل قد نجد احيانا ان المتخلف عقليا يفوقه اجتماعيا.

فالبرنامج التدريبي يهدف الى تدريب اسر الاطفال المصابين بالتوحد من خلال الارشاد الاسري، اما البرنامج التعليمي فيتم في ضوء خطة تربوية فردية خاصة بكل طفل تشمل مزيجا من المهارات اللغوية والاجتماعية والمعرفية.


والاهم من كل ذلك برنامج الدمج الاجتماعي من خلال ومع اطفال التوحد مع بعضهم البعض او مع غيرهم من اطفال المدارس وقد اوجدت دول عدة مراكز للتوحد بعد ان كان أولئك الاطفال يصنفون مع المتخلفين عقلياً، حيث بدأ الاعتراف والاقرار بمشكلة طفل التوحد وحاجته الى التدريب والعلاج من قبل ذوي الاختصاص.

مي شبر

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *