ضعف السمع لدى الأطفال بعد الإصابة بالتهاب الأذن الوسطى

اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الأذن الوسطى سبب خطير ومستهان به يؤدي الى العديد من مشاكل التعلم لدى الأطفال في المدرسة وبالرغم من اكتشافات «بوشر» «۱۹۸۹» المهمة فان اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الأذن الوسطى ما زال لا يكشف وبذلك لا يعالج.

الخلل الوظيفي للأذن الوسطى

تكرار التهابات الأذن الوسطى وتجمع السوائل خلف طبلة الأذن مرض معروف لدى الأطفال، وبما أن الأطفال لا يشعرون بهذا الانسداد في الأذن الوسطى لذا تبدو هذه الحالات كأنها لا تهدد الحياة، وبالتالي فان معظمها لا يعالج أو يعالج بوقت متأخر جدا وتجمع السوائل خلف طبلة الأذن يمكن أن يستمر لفترة ويضعف السمع حتى بعد زوال الألم أو الأعراض الظاهرة له، ويمكن أن تتكرر دورة جديدة من الالتهاب مباشرة بعد الالتهاب السابق وان لا تكون ملحوظة أبدا وضعف السمع الناتج من تكرار هذه الحالة يؤدي إلى حرمان الطفل المتكرر المتنبأ به من السمع وهذا يعني أن الطفل يعتمد على سمع طبيعي في أوقات متقطعة «اي غير كاملة» وفي أهم وأبكر سنوات التطور الحساسة لتكوين مهارات اللغة الأساسية.

هذا الضعف المتقطع وغير المتنبأ به في السمع وفي أسوأ حالاته يمنع اكتساب مهارات اللغة المحكية ولا سيما القواعد والمعاني وتأثيراته الأقل وضوحا هي ضعف في الفهم السمعي، وضعف في تمييز الأحرف الصوتية في اللغة وفي القدرة على تمييز الأصوات التي تكون الكلمة وهذه كلها مهارات ضرورية لتطوير القراءة والإملاء بالإضافة إلى تأثيره الذي يتسبب بتأخير أو تعطيل مهارات تحليلية أخرى مرتبطة بالتعلم مثل القدرة على الاستماع بوجود الضوضاء والقدرة على المحافظة على الانتباه السمعي حتى عندما يكون الطفل متحمسا للتعلم.

تشير الدراسات أن الجهاز العصبي المركزي يتجاهل الأنظمة الحسية غير الفعالة في مراحل التطور الهامة أي الطفولة المبكرة، مثلا الحول «تحول عن مركز العين» يكون تداخل في الصور او تناقض في الصور المرئية في الدماغ، مما يؤدي إلى تأقلم الدماغ بتجاهل الصورة من العين الضعيفة، والذي بدوره يؤدي إلى ضعف او اضمحلال البصر، وفي هذه الحالة لا يمكن لوصفة العدسات الطبية أن تصلح هذه النتيجة، لذلك ولمنع الوصول الى هذه النتيجة تغطي العين الضعيفة لتعمل العين السليمة وحدها بإرسال معلومة بصرية واضحة للدماغ.

بالمقابل فان تقطع الصوت او الضعف السمعي المتقطع يمكن أن يؤثر سلبيا على تطور القدرات السمعية وفي هذه الحالات لا يسمع الطفل بوضوح ولا يفهم، وفي احيان أخرى يسمع ويفهم. وهذا التأرجح لا يعرف الطفل نفسه سببه، وهنا يعتاد الطفل أن التعلم في أحسن حالاته عملية غير واضحة ومتغيرة ولا يعتمد عليها، وبالتالي تكون مهارات الاستماع والانتباه السمعي لدى الطفل ضعيفة، كما يختل الإدراك السمعي وينتج هذا الاختلال حالة شبيه به «اضطراب الانتباه والحركة الزائدة».

تأثیر اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الأذن الوسطى على التحصيل الأكاديمي

لا توجد مضاعفات عديدة لاختلال تطوير مهارات التواصل، في هذه الحالة لا ينتج فقط تأخير في القدرات السمعية واللغوية وفي المهارات الضرورية للقراءة والكتابة، بل أيضا يعاني الطفل من التشويش والارتباك والخجل خلال فترة عدم فهمه المتكررة في محيطه الاجتماعي، يقضي هذا الطفل فترة طويلة وهو لا يفهم ما يدور حوله، او ما يقال له وبذلك سيتواصل أو سيتصرف بشكل خاطئ ومعروف ان السخرية من هؤلاء الأطفال ذوي اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الأذن الوسطى شائعة وتؤدي إلى حرج شديد.

اذا تكررت حالة تجمع السوائل خلف طبلة الأذن خلال سنوات المدرسة لدى الطفل، فان النتائج قد تكون شديدة التأثير في تحصيله الأكاديمي، وحتى بعد أن يتعافى الطفل من ضعف السمع فان عدم الفهم والخجل تزيد مشاكل عودة سمعه للمستوى الطبيعي وتستمر مشاكل الإدراك السمعي وضعف القواعد ومهارات الاستماع، ومشاكل السمع في الضوضاء ومشاكل الانتباه ويصبح الطفل عرضة للفشل الدراسي وحتى لو كان الطفل قادرا على السمع، على الاقل في بعض الأحيان، فان تكرر تجمع السوائل خلال مراحل المدرسة وتراكم الآثار السلبية لهذه الحالة يزيد من خطورتها.

وفي واقع الصف الدراسي فانه حتى أكثر المعلمين خبرة يصعب عليهم التأكد او التصديق بأن هذا الطفل لديه مشاكل سمعية، وبأنه يسمع باستمرار فقط في بيئة مناسبة وبين تجمع السوائل خلف الطبلة أي بعد زوال المشكلة الأذنية المؤقتة.

بدراسة بوشر «۱۹۸۳» وتحققه من الطلاب في المرحلة الابتدائية ذوي المشاكل الاذنية في عشر مدن في ولاية نيوهامشاير، تبين من النتائج أن هؤلاء الطلاب وحتى بعد استعادة مستوى سمعهم إلى الدرجة الطبيعية، اقل تهيؤا او استعدادا للتعلم مقارنة بالطلاب الآخرين وأكثر عرضة لإعادة السنة الدراسية الواحدة أكثر من مرة.

طرق أفضل لتعليم الطلاب الذين يعانون من الاختلال

أكثر الأساليب فعالية لدعم وتعليم الطالب ذو اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الأذن الوسطى هو أن يفترض المعلم أن هذا الطفل لديه صعوبات في الاستماع كل الوقت، أي لا بد أن يفترض أن هذا الطفل وكأن لديه ضعفا سمعيا دائما حتى بعد انتهاء تجمع السوائل خلف الطبلة لأن صعوبات الفهم السمعي والإدراك للأصوات اللغوية في الكلمات والمعاني والقواعد وصعوبات الاستماع في الضجيج وصعوبة الانتباه والتركيز هو الحال الواقعي لهذا الطفل.

ومن المفيد الإصرار على جلوس هذا الطالب في موقع يمكنه من رؤية وسماع المعلم بسهولة علما بأن هذا الموقع يعتمد على حركة المعلم في الصف اي انه ليس بالضرورة أن يكون في الكرسي الأمامي المتوسط وفي كل الاحوال يجب على المعلم جلب انتباه الطالب بايماءات معينة دون إحراجه وبغرض الطلب منه على الرد.

ان المساعدات التعليمية المرئية : مثل الجداول، والخرائط والرسم البياني والمجسمات، وأوراق النشاطات العملية، وتبادل الأدوار كلها طرق تساعد هذا الطالب على التعلم وعلى إبراز مهاراته القوية.

من المهم جدا، تقييم قدرات هذا الطالب الشفوية والكتابية لتحديد اذا ما كان يفتقد إلى قدرات مهمة وأجزاء من المعلومة وذلك لمعالجة أي ضعف.

إن الطلاب ذوي اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الأذن الوسطى عادة يفتقدون الحقائق المهمة والمهارات مما يحملهم عبئا في المراحل المتقدمة من التعليم وهذه الفجوات ، في قدرات الطالب تؤكد أنه يحتاج الى مساعدة خاصة من قبل معلم التربية الخاصة واختصاصی السمع واللغة ، والنطق ومتابعة فردية مكثفة داخل الصف.

وإذا كان الطالب ذو اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الأذن الوسطى يعاني من ضعف في القراءة او انه في مراحل متقدمة يقرأ ببطء وبضعف فان السبب الأرجح لهذا يبدأ بالتسلسل التالي:

نقص الادراك للأصوات اللغوية في الكلمات و محدودية حصيلة المفردات والمعاني، ثم صعوبة في إدراك اللغة المتقدمة المعقدة المكتوبة ويمكنك أن تحدد المشكلة بالعمل فرديا مع الطالب أو تحويل الطالب لتقييم القراءة الشامل، وقد يحتاج الطالب لخدمة التدخل في تطوير مهارات القراءة.

دقق في نتائج وتفاصيل امتحانات واختبارات هذا الطالب لمعرفة اذا كان بحاجة لوقت إضافي ولبيئة هادئة خلال فترة الاختبار، قد يكون هذا الإجراء مفيدا لبعض الطلاب وليس كلهم.

بالرغم من أفضل جهودك في الصف، فان هذا الطالب على الأغلب سوف يفقد معلومات ضرورية عن الواجبات والأحداث المقبلة، وحتي يتمكن من الحصول على كامل المنفعة من إرشاداتك فمن الضروري التأكد من الطالب نفسه انه فهم ما يجب ان ينفذه، معظم الأحيان يشعر هذا الطالب بالخجل او الاحراج لتأكيد المعلومات وفي المراحل الدراسية المتقدمة، لا بد أن يكون هدف المعلم دعم هذا الطالب لتطوير استقلاليته في مراقبة واجباته ووظائفه البيتية الدراسية، ونعلم أن هذا التطوير التدريجي يحتاج الى الإرشاد المباشر من المعلم، هذا يعني إرشادا ايجابيا ومستمرا لتعليم الطالب هذه الاستقلالية لأن العلامات غير الناجحة لن تحل الآثار المتراكة منذ زمن والمتسببة من اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الاذن الوسطى.


في كثير من الأحيان يحتاج الطلاب ذوو اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الأذن الوسطى إلى شرح اضافي للمعلومات المقدمة في الصف، فافتراض المعلم صحيح بأن ذوي صعوبات التعلم وذوي التركيز والانتباه الضعيف يتشابهون مع الأطفال ذوي اختلال قدرة التحليل السمعي ما بعد التهاب الاذن الوسطى بتصعبهم للمعلومات التعليمية في الصف وايضا حرجهم او عدم ثقتهم أن يسألوا للاستفسار، لذا تشجعيهم على السؤال مهم جدا، والتعامل بلطف مع هذه الفئة من الطلاب ضروري جدا علما بأنهم عاشوا حياتهم وهم يعانون من الانتقاص والتوبيخ، وهم بحاجة لتشجيعكم ودعمكم مما يحفز تفاعلهم واستجابتهم لأنهم غير معتادين على هذا التعامل الايجابي.

هذه الفئة من الأطفال هم تحد خاص لكل معلم وهم بحاجة لعمل وجهد اكبر من المعلم نفسه وان وقت نتائج تحسنهم وأدائهم حسب قدراتهم الحقيقية هي المكافأة لكل معلم.

بقلم: د. جون ويليس / رفیر کولج
ترجمة: منال حمزة
اختصاصية السمع التربوي

مصدر الصورة
pixabay.com

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *