العولمة

ثقافتنا في مواجهة تسونامي العولمة

م. أمجد قاسم

بلغ البحث المعرفي وما كتب حول العولمة Globalization وبخاصة في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية هذا القرن ، حدا طغى على ما عداه من الموضوعات في علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة ، نظر لما تشكله العولمة من تحدي حقيقي لكافة تلك العلوم السابقة ، ويكاد الباحثون لا يبالغون إذا قالوا إن كثيرا من الموضوعات في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية أصبحت تكتسب جزءا كبيرا من حضورها العلمي انطلاقا من ارتباطها الوثيق بموضوع العولمة ، ذلك أن هذه الظاهرة ، بصيغتها التي انتهت إليها في أعقاب ثورة الاتصالات والمعلومات الأخيرة ، أدت إلى إكساب العولمة زخما كبيرا وقدرة هائلة على إحداث التغير في صميم المجتمعات الإنسانية .
ومهما كانت المواقف إزاء العولمة وما تفضي إليه من جدل عميق لا تنتهي ، فإن هناك حقيقة غير قابلة للدحض ، مفادها أن التطورات التي ما زالت تتلاحق بوتيرة عالية في جميع المجالات العلمية وبخاصة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات أحدثت ما يمكن أن يطلق عليه اسم ( ثورة ما بعد الحداثة ) ، فكانت العولمة بمعناها العلمي الشامل وليس بمعناها الأيديولوجي الضيق ، استجابة حتمية لتلك الثورة المتعاظمة والجارفة .

محاولة لفهم مصطلح العولمة

العولمة هي واحدة من ثلاث كلمات عربية جرى طرحها كترجمة للكلمة الإنجليزية Globalization ، والكلمتان الأخريان هما الكوكبة والكونية .
والعولمة في اللسان العربي مشتقة من العالَم ويتصل بها فعل عولم على صيغة فَوعَل .
وللتعريف بمصطلح العولمة فقد تم طرح الكثير من التعريفات لشرح دلالتها ومفهومها ، وقد ركز أغلبها على العولمة الاقتصادية والسوق وهذا قد يكون عائدا إلى أن بداية العولمة كانت تتجه نحو السيطرة الاقتصادية تمهيدا للانطلاق نحو بقية المجالات الحياتية لدى شعوب العالم .
ومن أهم التعريفات لمصطلح العولمة تعريف اللجنة الأوروبية في عام 1997 والذي ينص على أن العولمة هي العملية التي عن طريقها تصبح الأسواق والإنتاج في الدول المختلفة معتمدة كل منها على الأخر بشكل متزايد بسبب ديناميات التجارة من السلع والخدمات وتدفق رأس المال والتقنية ، وهي ليست ظاهرة جديدة ،ولكنها استمرار للتطورات التي تتابعت لفترة طويلة.
ويعرف الباحث عباس برادة السني مصطلح العولمة بأنها تعني الاندماج الكامل لمختلف دول العالم عبر نموذج يستغل السوق والتجارة والمال والتقنية والغزو الإعلامي لفرض زعامة أصحابه وهيمنتهم . أما الباحث إسماعيل صبري عبد الله فقد عرف العولمة بأنها ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والإجماع والسلوك ، يكون فيها الانتماء إلى العالم كله عبر الحدود السياسية للدول ، ويسهم في صنع التحولات ظهور فعاليات جديدة هي الشركات المتعددة الجنسيات TNCS التي تتسم بالضخامة وتنوع الأنشطة والانتشار الجغرافي والاعتماد على المدخرات العالمية وتعبئة الكفاءات من مختلف الجنسيات .
أما الدكتور محمد عابد الجابري أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس بالرباط ( المغرب ) فيرى أن العولمة إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم و أمركته، لأنها تعمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدا بعينه هو الولايات المتحدة الأمريكية، بالذات ، على بلدان العالم أجمع ، لذلك فهي تنحو باتجاه القضاء على الخصوصية الثقافية بشكل عام ، في الأذواق و أولويات التفكير و مواضيع التفكير و مناهج التفكير، أما وسائلها فهي سمعية بصرية، فتهدف المادة الإعلامية التي تروجها و تنشرها إلى (تكريس نوع من الاستهلاك ، لنوع معين من المعارف و السلع و البضائع ، معارف اشتهارية تشكل في مجموعها ما يمكن أن نطلق عليه (ثقافة الاختراق) ، و النتيجة التي ستحققها هذه العولمة الثقافية عبر وسائل الإعلام ، هي تعميق الاستتباع الثقافي و الحضاري بشكل عام.
أما بخصوص ثقافة الاختراق، أو مضمون هذه العولمة بشكل عام ، فهو كما ذكره باحث أمريكي ينحصر في الأوهام الخمسة التالية:
1) وهم الفردية .
2) وهم الخيار الشخصي .
3) وهم الحياد .
4) وهم الطبيعة البشرية التي لا تتغير .
5) وهم غياب الصراع الاجتماعي .
و بعد أن يشرح الجابري هذه الأوهام الخمسة ينتقل إلى أطروحة جديدة يؤكد فيها بأن العولمة: (نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، و يدفع للتفتيت و التشتيت. ليربط الناس بعالم اللاوطن و اللا أمة ، و اللادولة، أو يفرقهم في أتون الحرب الأهلية).
و بالنسبة لوضع الثقافة العربية، فقد وصفها الجابري بأنها تعاني من ثنائية في مستوياتها المختلفة، المادية و الروحية ، و هذه الثنائية هي نتيجة الاحتكاك مع الثقافة الغربية التي جاءت نتيجة تطور (قوامه التحديث و الحداثة) أما الثقافة العربية فلم تعش ذلك التطور بل بقيت بمعزل عنه تجتر وضعا قديما فتوقفت عن النمو منذ قرون كما يقول الجابري.
من جانب آخر يرى رونالد روبرتسون مؤلف كتاب العولمة 1992 ، أن العولمة تطور نوعي جديد في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطا وأكثر انكماشا ، كما يرى أن الوعي بهذا الترابط والانكماش هو إحدى سمات هذه اللحظة التاريخية ، ويرى أن النشأة التاريخية للعولمة قد مرت في خمس مراحل رئيسة هي :
1) المرحلة الجنينية .
2) مرحلة النشوء.
3) مرحلة الانطلاق .
4) مرحلة الصراع من أجل الهيمنة .
5) مرحلة عدم اليقين التي أدت إلى اتجاهات وأزمات في التسعينيات من القرن الماضي .
كما يعرف انتوني جيدنز Anthony Giddens مفهوم العولمة بأنها مرحلة جديدة من مراحل بروز الحداثة وتطورها ، تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي ، حيث يحدث تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج ، وربط المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وثقافية وسياسية وإنسانية .

لماذا نقف في وجه العاصفة؟

قبل أن نناقش انعكاسات ظاهرة العولمة على البناء الثقافي في مجتمعاتنا العربية ، فإن من الأهمية بمكان أن نطرح التساؤل السابق ونحاول أن نضع بعض الإجابات المحتملة عليه ، والتي يمكن إيجازها بما يلي :
1) إن التقدم التقني الهائل في مجال الاتصالات والمواصلات ، أحدث انعكاسات خطيرة على النظم الفكرية والثقافية في الكثير من المجتمعات المحافظة.
2) العالم يتجه نحو الديموقراطية والانفتاح على العالم وهذا يفرض على الدول أن تحدد بدقة مفهومها للانتماء والمواطنة الصالحة.
3) لم يعد الصراع بين الدول صراعا عسكريا مسلحا ، بقدر ما هو صراع حضاري وثقافي وسياسي ، ويحتل الغزو الثقافي والاستقطاب الفكري مقدمة ذلك الصراع.
4) بروز فكرة العولمة وانتشار أثارها ، وما يتوقع لها من محاولة السيطرة بل والهيمنة على العديد من المجالات الاقتصادية والإعلامية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

ثقافتنا في مواجهة تسونامي العولمة

منذ سنوات طويلة أ ٌطلق في آفاق منطقتنا العربية صيحات من كل حدب وصوب تدعو إلى مواجهة الغزو الثقافي ، وما يمثله هذا الغزو من تحديات حضارية شاملة وتأثيرات سلبية داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية المحافظة .
و انبرت أقلام المثقفين وشذبت أسنة رماح مفكرينا لتوجيه الضربات والطعنات القاصمة نحو غزاة ثقافتنا العربية والإسلامية ، فدبجت مئات المقالات التي احتوت على ما لذ وطاب من الأفكار وكل تبارى في استعراض عضلاته اللغوية للذود عن حمى هويتنا الحضارية ومكافحة حالة الاستلاب الثقافي.
وكما جرت العادة لدى مفكرينا ومثقفينا ، فقد تم تبادل الاتهامات وتحولت الساحة العربية الثقافية إلى ساحة للغوا تتبارى فيها الأقلام لتسديد الركلات نحو بعض الجهات التي اتهمت بالتبعية للغرب ، كما تم توجيه يد الاتهام نحو بعض النخب الثقافية المغتربة على اعتبار أنها رأس الحربة في خاصرة الثقافة العربية .
لقد ساهم الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب ، وانقسام دول العالم الثالث بين مناصر أو مناهض للشرق أو الغرب في دعم الجهود التي كانت تبذل لمواجهة ومقاومة بعض عناصر الغزو الثقافي.
إلا أن هذه المرحلة التي كثر الحديث فيها حول الغزو الثقافي وتداعياته السلبية ، لم تكن وسائل الإعلام والاتصالات قد بلغت من التطور والتقدم ما وصلته الآن ، وقد واكب ذلك أحداث سياسية واقتصادية جمة أثرت على الساحة العالمية ، تمثلت في انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي والذي فسر على انه انتصار ساحق للمعسكر الغربي وانتصار مظفر للرأسمالية وللنموذج الغربي الليبرالي ، وبدأ الحديث عن القطب الواحد الذي يسير دواليب الاقتصاد العالمي ، بحيث يتم تحرير الأسواق العالمية وإلغاء الحواجز الجمركية ، والدعاية والترويج لحقوق الإنسان والديموقراطية والتأكيد على ضرورة تبني الأيديولوجية الليبرالية الغربية جملة وتفصيلا .
وهكذا انتشر تسونامي الثقافة الغربية ، مستغلة تفوقها الاقتصادي والعسكري ، فتم الترويج للعولمة الاقتصادية داخل القطاعات الاقتصادية في دول العالم الثالث ، وانطلقت الأصوات التي تدعوا إلى الخصخصة وتقليص دور الدولة في تسير الاقتصاد الوطني ، وتحرير الأسواق المحلية وفتحها أمام الإنتاج العالمي ، وإطلاق يد الشركات العملاقة متعددة الجنسيات في تلك الدول ،وبالتالي بدأ الحديث عن العولمة كظاهرة جديدة وموجة حديثة ، ولم يكن المستويين الاقتصادي والسياسي هما من تعرض لهذه الموجة العاتية ، بل شمل ذلك المستوى الثقافي وما نجم عنه من إحداث تغيرات في البنى الاجتماعية والفكرية والعقائدية .
ومن هنا ظهر مفهوم العولمة الثقافية وكأنها زلزال كاسح جارف سيقضي على جميع الخصوصيات الحضارية لجميع الشعوب غير الغربية ، بل أن شعوبا أوروبية شعرت بهذا الخطر ، فهي تدرك جيدا إنها عولمة في الخارج أمركة في الداخل وخصوصا عندما نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن وتمتلك اكبر ماكينة إعلامية عالمية ، كما أنها تسيطر سيطرة مطلقة على شبكة الإنترنت وعلى كبريات محطات التلفزة والإعلام العالمية .
من هنا فقد انتقل حديثنا السابق حول الغزو الثقافي إلى الحديث عن الاختراق الثقافي الذي يصعب صده أو السيطرة عليه ، فأخذنا بملاحظة أن نمط الحياة الغربية أصبح سائدا ، وهيمنت اللغة الإنجليزية والثقافة الغربية على حياتنا وقيمنا وسلوكياتنا وأنماط عيشنا وأذواقنا ومأكلنا ومشربنا وكل تفاصيل حياتنا اليومية وكل ما يتعلق بشؤون الأسرة والمجتمع .
إن المقدرة العجيبة والقوة الهائلة لوسائل الإعلام الأمريكية على نشر القيم والمفاهيم الأمريكية في شتى أنحاء العالم ، كان لها اكبر الأثر في إعطاء زخما قويا للعولمة في شتى أنحاء العالم ، ومن أهم هذه القيم والمفاهيم التي تحاول وسائل الأعلام الأمريكية ترويجها نذكر:
1) ترويج قيم المنافسة وتمجيد القوة.
2) التأكيد على الفردية.
3) نشر ثقافة الاستهلاك.
4) الدعوة إلى تحرير الرغبة الإنسانية من كل القيود.
5) إبعاد كل ما هو غيبي عن حياة الإنسان.
6) السعي الحثيث لتحقيق الرغبات الشخصية دون اعتبار لقيم الحق أو العدل كما بشرت بها الأديان .
هذه المفاهيم التي بدأت تتغلغل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، انعكست آثارها على حياتنا اليومية بشكل مباشر فظهر التفسخ الأخلاقي والتفكك الأسري وزادت معدلات الجريمة في مجتمعاتنا وتغيرت اهتمامات وأهداف المواطن العربي بشكل كبير وخصوصا خلال السنوات العشر الماضية .

الهوية العربية والإسلامية في مواجهة العولمة

منذ أن سيطر الغرب على العالم العربي والإسلامي وهو لا ينفك في نشر ثقافته ولغته وحضارته بين أبناء تلك الشعوب المستضعفة وقد تم استغلال الضعف الذي كانت تعاني منه الثقافة العربية والإسلامية بسبب السيطرة الاقتصادية والعسكرية للغرب وأيضا بسبب الضعف التاريخي الذي لحق بالثقافة العربية والإسلامية إبان الحكم التركي الجائر والمستبد.
لقد حاول الغرب تهميش اللغة العربية بكل الوسائل على اعتبار أن اللغة هي الرابط الوحيد بالموروث الثقافي للأجداد ، وبالتالي فإن طمس اللغة العربية سيقابله طمس للهوية القومية والإسلامية.
لقد تعامل المفكر العربي والإسلامي مع هذه المحاولات على أساس أنها محاولات لا تمس جوهر الهوية ، لأن الهوية راسخة وتحمل بعدا عقائديا وقوميا في نفوس أبنائها ، وبالرغم من وجود نخب سياسية دعمت وروجت للثقافة الغربية ، إلا أن الثقافة العربية والإسلامية لم تجد صعوبة علمية وعملية في نقد هذه العناصر الشاذة والكشف عن أهدافهم الحقيقية والرد عليهم مما أدى إلى تراجعهم وانحسارهم ، بل أن ذلك شجع على قيام موجات مناهضة للثقافة الغربية شكلا ومضمونا ، وقد انتشرت بشكل واسع داخل الأوساط الثقافية والاجتماعية ومن ثم تعززت مكونات الهوية في الوقت الذي تصاعدت فيه موجات الدعاية للثقافة الغربية.
ومن الجدير ذكره أن من أهم المظاهر الاجتماعية والثقافية والفكرية التي انتشرت خلال العقود الثلاثة الماضية ، كنت ظاهرة المد الإسلامي أو الأصولية الإسلامية كما يحلو للإعلام الغربي تسميتها ، وقد دعا أصحاب هذا المد إلى محاربة الحضارة الغربية ورفض الثقافة الغربية والتشبث بالقيم العربية والإسلامية والعناية بالموروث القيمي الحضاري لأمتنا ، وقد وجد هذا المد استجابة وقبولا في الأوساط الاجتماعية وأيضا لدى النخب الثقافية وذلك كرد فعل طبيعي على عقود طويلة من الاضطهاد الغربي للثقافة العربية والإسلامية والعداء الشديد الذي مارسه الغرب تجاهنا وتجلى ذلك في الاحتلال العسكري والاقتصادي المباشر والاستعمار والانتداب لمنطقتنا العربية .
إن هذه الصحوة الإسلامية عززت الهوية الحضارية العميقة لامتنا وأثبتت أن كل الضربات والطعنات التي وجهت إلى كيان وضمير وثقافة هذه الأمة لم يحدث الدمار الذي كان متوقعا ، ولم يبدد ويلاشي الهوية العربية والإسلامية بل أن هذه الصحوة الإسلامية خلقت تيارا متطرفا يدعوا إلى الانغلاق ورفض كل ما هو غربي وأصبح ينظر إلى الأمور من منظور ضيق للغاية.
إن الحديث عن أزمة الهوية العربية والإسلامية والتحديات الهائلة التي تواجهها من طرف الحضارة الغربية ليس وليد بروز ظاهرة العولمة الثقافية فحسب ، وإنما يرجع إلى بدية الاحتكاك العسكري والثقافي مع هذه الحضارة قبل قرنين من الزمان ، لكن ما يميز ظاهرة العولمة هو كون التحديات الآن أخذت بعدا جديدا ، يتسم بالشمولية والخطورة ، حيث أن الثقافة الغربية امتلكت الآن الوسائل والأدوات القادرة على الوصول إلى عقل الإنسان العربي وعقل الإنسان المسلم وبشكل دائم ومستمر ، كما امتزجت وتداخلت مع عدد كبير من المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية ، لذلك فقدرتها على التأثير أصبحت مضاعفة وغير محددة .
وأمام كل الإخفاقات والخيبات والهزائم والصراعات التي تعاني منها كافة المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالمين العربية والإسلامي ، فإن أرضية التأثير وقوة التغير والاستيعاب أصبحت مهيأة أكثر لاستقبال موجات الثقافة الغربية وهي تدعو إلى نشر قيمها باعتبارها قيما إنسانية متقدمة وعالمية تكونت نتيجة قرون طويلة من الخبرات والتجارب الإنسانية في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد .
هذا الوضع الجديد الذي وصل إليه الاحتكاك و الذي أخذ طابع الصراع في أكثر الأحيان، و الإمكانيات التقنية الهائلة التي تملكها الثقافة الغربية ، و الوضع المزري الذي يتخبط فيه العالم العربي و الإسلامي، هو الذي يؤرق النخب المثقفة العربية و الإسلامية ، و يجعلهم يتوجسون خيفة من العولمة الثقافية، أكثر بكثير من خوفهم من الغزو الثقافي الذي عالجوه و ناقشوا تداعياته من قبل.
فهذه العولمة شاملة و ليست ثقافية فقط ، و إنما اقتصادية و سياسية، و هذان العنصران يدعمان الثقافة بشكل كبير، لأنها بدورهما يساعدان الثقافة على التجذر و التعمق بإعتبارهما خيارات حضارية تستجيب لحتمية التطور. و هذا يشكل تحديا خطيرا للهوية العربية و الإسلامية لم يسبق لها أن تعرضت له بنفس الحجم و القوة و الخطورة.
لذلك نجد أن النخب المثقفة العربية و الإسلامية هرعت لمناقشة ظاهرة العولمة الجديدة ، لمعالجتها و الكشف عن أخطارها على جميع المستويات الاقتصادية و السياسية و الثقافية و قد عقدت أكثر من ندوة و مؤتمر لمناقشة هذه الظاهرة، كما خصصت مجموعة من الدوريات المتخصصة بشؤون الفكر و الثقافة وتم نشر ملفات لمناقشة تداعيات العولمة و التعريف بها.

دعوة لمكافحة زحف العولمة

إن التعامل مع العولمة ومحاولة السيطرة على جبروتها يتطلب الكثير من الجهد والتحلي بالثقافة العالمية الواسعة ، وقد دعا الكثير من المثقفين العرب والمسلمين إلى ضرورة إتباع أسلوب الممانعة الثقافية عبر المقاومة الايجابية لهذه العولمة أو السيطرة الواعية على الثقافية الغربية كما يسمونها وذلك عن طريق استعمال الأدوات عينها التي تحققت بها الجراحة الثقافية للعولمة ، كما أشار بعض علماء الاجتماع الثقافي إلى أن فعل العدوان الثقافي غالبا ما يستنهض نقيضه وهذا في حد ذاته نوع من الممانعة الثقافية.
وفي هذا الصدد يقترح الدكتور أحمد صدقي الدجاني أنه لكي تأخذ ثقافتنا مكانتها ضمن هذه العولمة ، فإنه يجب أن نحسن تقديمها ، فعلينا أولا أن نعتني بها عن طريق الاهتمام بقطاع التربية والتعليم وان نهتم بتوفير الذاكرة الأدبية والذاكرة التاريخية لأبنائنا ، كما يؤكد على ضرورة الاستفادة من التقنية المعاصرة لأنها ملك عالمي.


وفي الحقيقة فإن العديد من المفكرين العرب يجمعون على أن التفوق التقني والتكنولوجي والعلمي تستثمره العولمة الثقافية الغربية بشكل هائل ، ويرى هؤلاء المفكرون أنه لا يمكن إيقاف هذه الهجمة الإعلامية ، لكن يمكن الحد من تأثيراتها السلبية عن طريق إيجاد قنوات فضائية عربية و إسلامية ، وأن ننشر أدبياتنا وأفكارنا وفنوننا في شتى أنحاء العالم ، وأن تنفتح بلادنا على بعضها ، فيكفينا تمترسا خلف الحدود الاستعمارية المصطنعة ، أيضا من الأهمية بمكان أن نتكتل اقتصاديا وان تكون كافة القنوات الإعلامية مفتوحة أمام شعوب منطقتنا .
أما إذا لم نهيأ مثل هذه البدائل فان العواقب ستكون وخيمة إذ سوف تعمل التبعية الثقافية إلى تجذر وتعميق التبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

استكشاف أفضل طرق التعلم

تتعدد طرق التعلم من شخص الى آخر، كما تختلف باختلاف المواضيع الدراسية التي يراد تعلمها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *