تقييم العمل التربوي قبل المدرسي

التقييم بحد ذاته هو التفكير حول موضوع ما من أجل اعطائه قيمة التقييم أو التفكي، وهو جزء من صميم العمل التربوي ، ويتم بأشكال مختلفة وتحت عناوين متعددة مثل: وعى المعارف، والنقل المهني، والاتصال مع الاهل واعلامهم عن نمو الطفل.

وعي المعارف: تقييم عملية التعلم:

التقييم هو جزء متلاحم مع التعلم: إنه العملية التى يستطيع الطفل بواسطتها ان يفكر حول ما يتعلمه كي يعرف انه يعرف ما يعرف وهذا شكل من اشكال التقييم الذاتي لما يتعلمه ، تقييم ذاتي يسمح بفهم وبتلاحم اكبر لمختلف ما يتعلمه، وهذا التقييم الذاتي المستمر هو ما يسمى بوعي المعارف.

ويجب على المربي ان يدعم وان يحرّض وعي هذا الوعي – كمرحلة من التعلم ـ في كل من مجالات النمو الثلاثة : معرفة الذات، معرفة الظواهر المتسببة عن العلاقات مع الأشخاص الآخرين، ومعرفة الأشياء والظواهر المرتبطة بالتعامل مع البيئة.

إن مرحلة التعلم هي التي تسمح للطفل بالرجوع الى ما يعرفه لوضع تعليمات، وهي المرحلة التي تسمح له بتوضيح الصورة الايجابية عن نفسه بجعله واعيا لكفاءته في التعلم.

النقد المهني: تقييم التدخل التربوي

التقييم هو أيضا مرحلة من التدخل التربوي ويقع في صميم العمل التربوي. يجب ان يكون بمقدور العربي فهم ما يجري في الصف مع طفل ما أو بين مجموعة من الأطفال كى يتمكن من القيام بعمل تربوي محدد.

يمكن فيما يتعلق بالعمل المتخصص – كما هو فى الحال في التدخل التربوي بل ويجب التقييم نحو قطبين: الطفل والمربي. إن للطفل حقاً في أن يقوم المربي بكل الجهود الممكنة وأن يركز كل انتباهه من أجل فهمه جيدا كى يستجيب لاحتياجاته بشكل شخصي وفردي. وبالتالي يجب أن يظهر المربي كفاءة فعالة في ملاءمة تدخلاته مع الاحتياجات الملحوظة .

إنه الأمر جوهرى أن تستجيب المدرسة الى دورها وان تصبح الوسيط الحافز في تطور الطفل وبنفس الوقت المكان الملائم لانواع من التعلم. ويجب أن يبذل المربي جهده كي يتعرف على كل طفل من الاطفال، ما هو، وكيف ينمو … كى يحترمهم بدعمهم في جهودهم وبإثارة نجاحاتهم. يجب ان يفهم المربي معنى نموهم دون أن يسبقه ، وهذا ما يسمى ان يتبع الطفل والفئة.

وهكذا فإن نتيجة تقييم الطفل هي فهم الموقف التربوي الذي يسمح بدعم التعلم اى امتلاك الموقف المناسب للاستفادة من الوسائل الملائمة وهذا يعني بالتالي وجوب تقييم نوعية العمل التربوي بحد ذاته، ويدور الأمر هنا حول التقييم الذاتي الذي يمارسه المربي تجاه تصرفاته، من أجل تحديد البعد الفاصل بين رغباته وتصرفاته، وبنفس الوقت من أجل تحديد تأثير عمله، ويستطيع المربي بل ويجب عليه ان يقيّم عمله، أى أن يوجد الرابطة بين ما كان ينوى أن يحققه لدى قيامه بتدخله والآثار الناتجة عن هذا التدخل.

إن قدرة المعلم في الحكم على هذا البعد بشكل جيد هي صفة تسمح له بتحسين مدخلاته واستراتيجياته ويسمى النقد الذاتى للعمل التربوى النقد المهني للعمل التربوي، وتجعل طبيعة اهداف التربية قبل المدرسية هذه الأهداف التي ترمي الى خدمة الطفل من تعلّمه، تجعل من شخصية المربى وقيمه عناصر جوهرية ومحددة للعناصر التربوية في روضه الأطفال، فالمربي هو – بالرغم من ان الأمر يبدو مفاجئا ـ جزء من العمل التربوي قبل المدرسي، لذا ، وبقدر ما يكون كل مرب منسجما مع ذاته داخل الصف، وبقدر ما تأخذ العناصر الأصيلة والايجابية في شخصيته مكانها بقدر ما يستطيع ممارسة تقييم شخصي موضوعي وبشكل منتظم وممارسة نقد مهني موضوعى.

تقييم عملية نمو الطفل :

إن أهم ما في الأمر من أجل تقييم الطفل أي تقدير نموه العام هو المجالات المعتبره كمجالات نموه، وهذا يعنى فى مجموعة اعطاء تقدير، بعد التجربة وبعد التأمل، للمصادر والصعوبات التي تعني الطفل ونموه والإمكانيات التى يفجرها، انها مقارنة للفرد مع ذاته. إنها تقدير يهدف الى نقل صورة للاهل عن نمو ولدهم في السياق المدرسي. هذا التقييم، بالرغم من انه في صورته المثلى ليس تعدادا بسيطا للمعارف والمهارات التي يمتلكها الطفل، هو حكم وتقدير ولكن ليس بالمعنى المسيء بإعطاء حكم «جيد» أو «سىء» لما هو عليه الطفل في وقت محدد من أوقات نموه.

ويمكن وصف بعض المهارات كما يمكن التأكيد على بعض الصعوبات ، إلا أن جهد التقدير يجب ان يتركز على القدرات التي اثبتها اكثر من الثغرات. ان شكل التقدير ناتج عن الأساس البيداغوجي الذي يقودنا الى التأكيد على النجاح اكثر من الاخفاق . ويقودنا الواقع الى تسجيل الثغرات الهامة التي تؤثر على الطفل وأخذها بالحسبان.

وتوجد توصيفات نظرية لنمو الطفل . هذه التوصيفات كالتي يقترحها بياجيه واريكسون وجيزيل تعطي فكرة عن العناصر التي يجب أن توجد بشكل متتابع تقدمياً لدى الطفل اثناء نموه، ولابد للمربي من أن يستخدم هذه المعلومات النظرية كي يكون تقديره موضوعيا.

وتأخذ مراحل النمو شكلها الطبيعي لدى الطفل الذي ينمو في وسط محفز ومنفتح اتجاه الاختلافات الفردية محاطا بمربين منتبهين وواعين. ويملك الطفل الذي لا يُمنع من النمو جميع الميول الإيجابية نحو النمو. ولا يجوز أن يبذل المربي الجهد الكبير كي يكتسب الطفل هذه المهارة او تلك بشكل خاص. ولكن، بالرغم ان تقييم الطفل يتم ضمن إطار نموه العام تجاه المعارف المتلاحمة التي يمتلكها عن نفسه وعن الآخرين وعن العالم، إلا أنه يجب الانتباه لبعض المؤشرات التي قد تفيد بأن الطفل لا يكبر أو لا ينمو بشكل عادي، وهذا لا يعني ان جميع ابعاد نموه تدعو للقلق.

توجد أحيانا فروق كبيرة جداً في مهارات الأطفال، فأحد الأطفال يستطيع في العمر قبل المدرسي ان يستغرق مدة ساعة كاملة فى مهمة ما بينما لا يستطيع طفل آخر ان يركز أكثر عشرين دقيقة . على نفس النشاط. وقد يكون الأمر طبيعيا في كل حالة انّا تأملناها في سياقها ولكن، ورغم ذلك، تستطيع ان نؤكد ودون الخشية من الوقوع في خطأ ما – انّ الطفل الذي لا يمكن مقارنته في عدة قطاعات من نموه بشكل مرض مع اطفال من عمره، هو طفل يعاني دون شك من صعوبة جدية تجعل من الضروري بالنسبة للمربي ان يغوص اعمق واعمق في التقييم وذلك بمساعدة مختص مهنى ، وتحتوى الدراسات التى تدور حول نمو الطفل العاطفي والإدراك والنفسي – الاجتماعي على مؤشرات كاشفة وهي تدعم المربي في دوره في الكشف المبكر ، ورغم ذلك فإن النشرة التي تنقل للأهالى ملاحظات حول نمو الطفل تراعي بشكل رئيسي النقاط الخاصة بمجالات التدخل الثلاثة : معرفة الذات والعلاقات مع الآخرين، والتفاعل مع البيئة، وكذلك الروابط المتداخلة بين هذه القطاعات الثلاثة.

ويجب ان تكون النشرة في جوهرها سجلا للملاحظات التي قام بها المربي خلال فترة طويلة الى حدٍ ما، ويجب ان تعدّ بعد التشاور مع الأهل بشكل يضمن تناسق وتناغم جميع الجهود من أجل تحقيق الأفضل للطفل. وقد تتمم النشرة عند الحاجة ببطاقات تعدّ بالاستناد الى المؤشرات المختلفة التى ذكرها جيزيل وبياجيه واريكسون و آخرون لوصف سلوك أو موقف من وجهة نظر تدّخل بيداغوجي أكثر تخصصاً من جهة ومصصح من جهة أخرى إذا استدعى الأمر ذلك.

وهذه البطاقات لا تعطى للأهالي بالضرورة، الا ان على المربي ان يعلم الأهال وإدارة المدرسة بالصعوبات من أجل الحصول على موافقتهم على تقيم الطفل بشكل أكثر تعمقا.

التقييم في المرحلة قبل المدرسية يعني وضع خط تحت النواحي الإيجابية في تطور الطفل، لأن هذه هي اوراقه الرابحة في الحياة. وبالتالي، اذا كان من الضروري تسجيل نقص هام لدى الطفل، يجب القيام بذلك بشكل يحتفظ فيه الأهالى بصورة إيجابية عن ولدهم ويدعمون باستمرار التعاون الجوهري بين البيت والمدرسة.

الصعوبات التي يمكن أن يواجهها بعض الأطفال

بما أن أهداف التربية قبل المدرسية هي اهداف تهتم بالنمو وترتبط بالشخص أكثر من ارتباطها بالمواد ، لذا يجب أن تكون قابلة للتحقيق حتى بالنسبة للاطفال الذين يظهرون بعض الصعوبات الشخصية، وبما أن أحد مبادىء التطبيق الأساسية هو مبدأ التفريد ( احترام احتياجات الطفل واصاانه في تعلمه ) لذا لا شك في أن تحقيق الأهداف سيتم بطريقة متباينة وان لم تكن أقل غنى من قبل الأطفال الذين يواجهون لوقت قصير أو طويل بعض الصعوبات ورغم ذلك، فقد لا يكون التدخل التربوي دائماً مناسبا ، وحين يلاحظ المربي ما يدعو للقلق بالنسبة لتدخلاته أو لموقف، وحينما يستمر طفل بمعاناة صعوبات هامة، يجب على المربي أن يستشير شخصا ما ( المدير، الموجه التربوي الموجه النفساني) يستطيع ان يساعده في اعادة تقييم تصرفه.

ان دور الكشف المبكر عن الصعوبات والدور التعديلي للتدخلات التربوية هي أمور اساسية وقد تؤدي نوعية هذا العنف والوقت الذي يتم فيه بالنسبة لبعض الأطفال الى تبديل نقص في حياتهم المستقبلية بحياة أكثر تفتحا، ومن توجيه الطفل الى مختص لكي يقوم هذا الأخير بتقييم اكثير كمالا وليعطي توجيهاته بتدخلات معدلة، ورغم ذلك لا بد من بعض المقاييس لتوضح للمربي ضرورة العودة بالطفل الى المختص.

وفيما يلي قائمة من المؤشرات التي تظهر الاختلاف بين ما هو عادي وما هو اقل من ذلك:

• القدرة على تميز الأشكال أو الألوان التي يميزها وسطى الأطفال ذوي العمر من أربع إلى خمس سنوات.
• صعوبة في الكلام تجعل الاتصال صعبا.
• فقر عام في المفردات أو في نمو بنى اللغة.
• التنسيق الحركي السيئ النقص في التوازن.
• لا مبالاة عامة تجاه المواقف المختلفة ونقص في الدافعية
• ميل مستمر للانعزال عن الآخرين لفترات طويلة.
• مواقف أو حركات غير عادية دائمة.
• سلوك عدواني الى حد بعيد.
• تعب أو نقص في الطاقة دائماً.
• عدم القدرة على فهم أو تتبع التعليمات.
• نقص شديد في القدرة على التخيل
• نقص في المعرفة العملية بخلاف معظم الاطفال المجموعة.

هذه القائمة ليست تامة،وليس الهدف منها وضع تشخيص محدد بل الكشف عن الأطفال الذين قد يعانون من مشكلة هامة ورغم ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن عنصرا ما من هذه العناصر قد يظهر لدى أحد الأطفال في وقت من الأوقات دون ان يسبب ذلك مشكلة خطيرة بل ان كل ما في الأمر هو ان الظاهرة ما هى سوى دفعة نمو.

وتصبح هذه المؤشرات ذات أهمية في تحديد مشاكل بالنسبة للطفل اذا ما اتخذ الطفل حقيقة مساراً مختلفاً جداً عن الاطفال الآخرين، واذا ما منعه ذلك من التلاحم بإيجابية مع المجموعة او اذا لم يستطع التعلم او التصرف كمعظم بقية الاطفال.

وقد تخدم استشارة الأهالي بخصوص الصعوبات الملاحظة فى المدرسة كأداة مساعدة في التشخيص، فالطفل الذي لديه صعوبات لا يواجهها عادة في المدرسة فقط.

وعلى كل الأحوال، يجب أن يُعلم الأهالي في ابكر وقت ممكن عن الصعوبات وعليهم ان يعطوا موافقتهم على المعالجة المتخصصة .


الخلاصة

1- ليس التقييم أمراً خارجاً عن العمل التربوي ، انه جزء من التعلم والتدخل.
2 – يجب ان يخدم التقييم بكل مدلولاته الطفل لا ان يصنفه.
3 – يهدف التقييم إلى فهم الظواهر ذات العلاقة بالطفل، وإلى جعل التدخلات التربوي ملائمة وإلى اعطاء الاهل صورة عن النمو العام للطفل في الوسط المدرسي.
4- يجب أن يمهد التقييم المستمر بكل أشكاله إلى الكشف المبكر عن الصعوبات التي قد يواجهها طفل ما في نموه.
5 – يبقى التقييم مرتبطاً دوماً بالمربي وبقيمه : وتتعلق نوعيه تقدير المربي بوعيه لإمكانية تراكم قيمه الخاصة في التقييم الذي يقوم به.
6- إن قيم المربي هي عناصر تحدد بشكل جزئي نمو الطفل.
7- يجب أن يمارس المربي تقييماً لتدخلاته التربوية.

ترجمة : نادية شبيب

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

التربية والمجتمع.. علاقة تكاملية وركيزة أساسية لتطور الأفراد

تُعد التربية والمجتمع من المحاور الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان وتحدد معالم تطوره. إن العلاقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *