نبغ في الطب من العرب كثيرون ، رجالا ونساء ، وكان لهم نظام خاص يتبعونه ، ورئيس يمتحنهم و يجيز النابغين منهم . وبلغ عدد الأطباء في زمن المقتدر بالله في بغداد ثمانمائة ونيفا وستين طبيب .
ولم يقتصر النبوغ في الطب على الرجال ، فقد نبغ من النساء عدد غير قليل ، كأخت الحفيد بن زهر الأندلسي و ابنتها ، وكانتا عالمتين بصناعة الطب و المداواة ، ولهما خبرة جيدة بمداواة النساء.
وكان الفحص الطبي عند العرب متقدمة، فقد كانوا يفحصون البول ، ويجسون النبض ، وانتقدوا كثيرا من آراء أطباء اليونان في هذا الشأن وأصلحوها و علقوا عليها. والثابت أنه كان لهم حظ وافر من صدق النظر في التشخيص والعلاج .
لقد كان أطباء العرب يفحصون العليل بدقة وعناية مستخدمين ما كان لديهم من الوسائط المعروفة ، فترى الطبيب يسأل المريض عما يشكو منه ، وعن عاداته وطريق معیشته ، وعن الأمراض التي أصيب بها في حياته ، وعن أحوال أسرته الصحية ، و مناخ بلده ، وغير ذلك من الأسئلة المعينة على حسن التشخيص ، كما يفعل الأطباء في عصرنا الحاضر .
ولاحظ أطباء العرب ملتحمة العين و لون الجلد و ما قد يكون عليه من حرارة أو برودة ، ومن نعومة أو خشونة ، كما لاحظوا هيئة اضطجاع المريض في فراشه ، وحالة تنفسه و عمقه ، و تتبعوا سير المرض يوما بعد يوم ، ودونوا ما لاحظوه من ذلك كله .
وثبت من مؤلفات الأطباء العرب أنهم فوق حذقهم في تشخيص الأمراض أتقنوا التفريق بينها ، و أسهموا في تقدم الطب الباطني ، وأضافوا إليه إضافات قيمة ، وقد وضعوا – لأول مرة – وصفا دقيقا لبعض الأمراض المعدية ، ففرق ابن سینا مثلا بين الالتهاب الرئوي والالتهاب البلوري ، وبين التهاب السحايا الحاد و الثانوي ، وبين المغص المعوي و المغص الكلوي .
وكان الرازي أول من وصف في دقة ووضوح مرض الجدري و الحصبة ، وكان ابن زهر أول من وصف أنواع معينة من الخراج والالتهاب .
وكان العرب أول من استخدم المنوم في الطب والعمليات الجراحية والكاويات في الجراحة ، وأول من وجه النظر إلى شكل الأظافر عند المصابين بالسل ، ووصفوا علاج اليرقان والهواء الأصفر ، و استعملوا الأفيون في معالجة الجنون ، ووصفوا صب الماء البارد لمعالجة النزيف . وعالجوا خلع الكتف بما يعرف في الجراحة برد المقاومة المفاجئ . وهم أول من كتب في مرض الجذام و أقواس الأسنان ، و نسبوا البواسير إلى قبض المعدة و أشاروا إلى المأكولات النباتية علاجا لها .
وأثبت الوزير «لسان الدين بن الخطيب » أن مرض الطاعون ينتشر بالعدوى، و ذلك في عصر لم تكن العدوى فيه ولا الجراثيم معروفة لدى أحد.
وكان ابن سينا أول من كشف مرض الأنكلستوما في الفصل الخاص بالديدان المعوية في كتاب «القانون في الطب » ، وقد بلغ ما كتب عنه من المقالات و الكتب إلى عام اثنين وعشرين وسبعمائة وألف نحو خمسين ألف مرجع .
وقد سمى ابن سينا هذه الطفيلية الدودة المستديرة ، وأعاد « دوبيبي » اكتشاف هذه الدودة في إيطاليا عام ثمان وثلاثين وثمانمائة وألف ، أي بعد أن كشفها ابن سینا بتسعمائة سنة تقريبا .
وجاء في كتاب القانون ، لابن سینا ، ما يدل على أن العرب عرفوا السل الرئوي ، و أشاروا إليه بوضوح . وقالوا بانتقال الأمراض بالماء و التراب .
وفي هذا الكتاب أول وصف لداء الفيلاریا ( مرض الفيل ) و انتشاره في الجسم ، و أول وصف للجمرة الخبيثة التي كان العرب يسمونها النار الفارسية .
كذلك قال الرازي بالعدوى الوراثية ، وكان الطبري أول من كشف الحشرة التي تسبب داء الجرب .
وكان من أطباء العرب من يرى الوهم والحالات النفسية من العلل التي تؤثر في البدن . ومن الأمور التي يجدر بالطبيب أن يحسب حسابها ، ولذلك سار الكثير من أطباء العرب في معالجة مرضاهم على أساس رفع الوهم المسيطر عليهم ، وتصغير شأن المرض . وعالجوا الأمراض العقلية بطرق إنسانية مبتكرة.
ووضع بعض أطبائهم الرسائل والمؤلفات فيها . فكتب ابن عمر أن كتابة عن «المالنخوليا ، وكتب ابن الهيثم عن « تأثير الموسيقى في الإنسان والحيوان ». وكثيرا ما عالج الأطباء العرب الأمراض العصبية والعقلية بطرق فيها حذق و مهارة.
ولم يهمل العرب طب العيون لأن أمراضها كانت منتشرة في البلاد الحارة مصر و العراق . و بقيت تعاليمهم في هذا المرض سائدة حتى القرن السابع عشر للميلاد .
وقد شرح العرب عيون الحيوانات ، وكسبوا من ذلك خبرة واسعة ومعارف قيمة . فعرفوا ما يسبب حركة المقلة ، وما يسبب حركة الحدقة ، ووصف عضلات العين ووظائفها ، وكتب ابن ماسويه عن أمراض العين كما وضع « حنين بن اسحق » كتابا سماه «المقالات العشر في العين » و ترجمه « مایر هوف » إلى الإنجليزية ، ووضع «علي بن سينا » رسالة في تشريح العين وأمراضها الظاهرة و الباطنة . وقد ترجمت تلك الرسالة إلى اللاتينية وكان أثرها في أوروبا عميقا في أثناء القرون الوسطى .
وكتب « ابن الهيثم» في وصف العين ، وبحث في قضايا البصريات وفي طبيعة الإبصار ، وقال إن النور يدخل العين وليست العين هي التي تخرج النور وان شبكية العين هي مركز المرئيات ، وإن هذه المرئيات ينقلها عصب البصر إلى المخ ، وإن وحدة النظر بين العينين عائدة إلى تماثل الصور على الشبكتين .
ويعد كتاب صلاح بن يوسف الكحال أكبر مرجع عربي قديم في أمراض العين ، وقد جعله على فصول في وصف العين ، ووصف البصر ، وأمراض العين ، وأمراض الملتحمة ، وأمراض القرنية ، وأمراض الحدقة ، وأدوية العيون .
وكتب بعض أطباء العرب في تشريح الشرايين والأوردة في الرئة ، ووصف « ابن النفيس » الدورة الدموية الرئوية لأول مرة في التاريخ، وكشف قبل «سرفیتوس » بثلاثة قرون أن الدم ينقى في الرئتين .
وقد أخذ العرب الجراحة عن اليونانيين والهنود ، و بلغوا فيها شأوا بعيدة ، وأول من اهتم بها « الرازي » وشرح « علي بن عباس المجوسي » عملية الحصاة .
وفي أوائل القرن الحادي عشر للميلاد ازدهر العصر العباسي بأبي بكر محمد بن مروان بن زهر وقد جمع بين الطب والجراحة .
وكان الزهراوي أشهر من برع في العمليات الجراحية و استعمال الآلات والأدوات ، ووضع كتاب « التصريف لمن عجز عن التأليف » وجعله في ثلاثة أقسام : الأول في الطب ، والثاني في الكيمياء والثالث في الجراحة .
وفي هذا الكتاب إشارة إلى تفتيت الحصاة داخل المثانة.. وقد ترجم إلى اللاتينية وبقى مدة طويلة مرجعا لأطباء أوروبا .
ودفعت الجراحة العرب إلى استخدام المخدرات في العمليات كالحشيش والأفيون، وربما كانوا مخترعي الاسفنجة المخدرة التي كثر استعمالها في القرون الوسطى ، وأخذوا خيوط الجروح من أمعاء القطط والحيوانات الأخرى، وكانوا أول من استخدم الأوتار الجلدية في خياطة الجروح بعد العمليات الجراحية .
ويمكن القول إنه حينما كانت الجراحة في ذروتها عند العرب كانت محتقرة في أوروبا، وكان الجراحون في نظر الناس أنجاسة، ولم يكن يشتغل بالجراحة سوى الحلاقين والجزارين ، وكانت المدارس الطبية في أوروبا تتجنب تعليم الجراحة من القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر ، لأنهم كانوا يعتقدون أنها لا تليق بالأطباء المحترمين ، وأنه لا يجوز لهم أن يغيروا ما خلقه الله ، ففي عام ألف و مائة وثلاثة وستين صدر قرار يوجب على المدارس الطبية ألا تعلم الجراحة ، وذلك في زمن كان العرب فيه يجعلون للطب مقاما رفيعا ، ويعدون الجراحة فرعا منفردا من فروع الطب له تقديره واحترامه.
مصدر الصورة
en.wikipedia.org
بحث ممتاز عن اسهامات العرب في تقدم الطب
كان للعرب القدماء اسهامات هامة في كثير من المجلات الثقافية والعلمية والطبية، ولعل انجازات العرب القدماء في المجال الطبي تعد ابرز ما حققه العرب قديما.
لقد تمكن الأطباء العرب القدماء من الارتقاء بمهنة الطب وبعلم الطب وصحة الانسان بشكل كبير وكان لهم انجازات هامة في هذا المجال
اشكر موقعكم آفاق علمية وتربوية على المواضيع الثقافية والعلمية والصحية المتميزة المنشورة به ولا ننسى بالطبع المواضيع التربوية.
الطبيب خلدون سعد الأحمد
عرض ممتاز لتطور الطب عند العرب