النباتات الطبية والأدوية الحديثة

تشير الدراسات الى وجود ما بين 200 الف الی 250 ألف نبات مزهر في العالم مصنفة تحت 300 عائلة نباتية و 10500 جنس، وبالرغم من الدراسات الموسعة الجارية حاليا في مجال الكيمياء الضوئية Phytochemistry فان الدراسة الكيميائية الدوائية لا تزال محدودة ولا تشكل الا نسبة ضئيلة في هذا المجال.

وبالطبع فالإنسان ليس بحاجة إلى دراسة تفصيلية عن كل نبات يتداوى به، ذلك لان المجتمعات كانت ولا تزال تتعاطى الكثير من هذه النباتات الطبية منذ آلاف السنين، فاجتمعت لديها خبرة كافية لمعرفة النافع والضار منها وحتى معرفة الجرعة المناسبة، وغير المناسبة، بالاضافة الى استخداماتها المتعددة (مع المبالغة أحيانا)، فهي بذلك استخدمت قانون الخطأ والصواب على الانسان نفسه وليس على حيوانات التجارب العلمية. ان هذه الخبرات مفيدة جدا لأي باحث يريد دراسة نبات معين لاهداف معينة.

إن الباحثين الذين يرغبون في البحث عن ادوية جديدة مستخلصة من النبات في علاج السرطان وفرط ضغط الدم وغيره من الامراض المستعصية سيجدون صعوبة بالغة اذا بدأوا دراستهم على اعشاب ونباتات لا يعرفون من خصائصها شيئا، فهم كمن يمشون في مفازة بلا دلیل، بل يرى الخبراء في هذا الشأن أن خبرات الشعوب والقبائل والمجتمعات المختلفة هي ثروة عظيمة ينبغي استغلالها بأسرع وقت حيث انها تعطي دلالات كبيرة وإشارات مفيدة، ومن الملاحظ أن هناك عددا من الباحثين يقومون الآن بسباق مع الزمن للاستفادة ممن تبقى من المسنين – ممن لديهم خبرة في العلاج بطب الاعشاب – في بعض المجتمعات القديمة مثل الهنود الحمر في أمريكا، والذين تأثرت أجيالهم الجديدة بالحضارة المادية الحديثة.

لقد قام احد الباحثين ويدعی هارتول Hartwell بمراجعة مركزة لآلاف النباتات التي استخدمت قديما في علاج السرطان تحت اشراف «معهد السرطان الوطني الامريكي»، حيث تمت دراسة مستخلصاتها الخاصة بعلاج مرض السرطان وأية نشاطات اخرى محتملة ضد التكاثر الخلوي واستعان بفريق كبير من المتخصصين في مجال الكيمياء والعقاقير والأطباء في سبيل الوصول الى ادوية فعالة ضد السرطان.

إن نظرة فاحصة للنباتات او الادوية المستخلصة من النباتات والموجودة في قائمة الادوية تظهر أن كثيرا منها هي ذاتها التي استعملت ایام الاغريق والرومان والعرب بالإضافة الى بعض البهارات الاخرى، اذ ان بعضها ينبت في اوروبا مثل نبات الديجيتاليس Digitalis وهناك بعض النباتات التي دخلت اوروبا لاحقا مثل شجرة «الكينا»، ونبات «الروالفيا»، حيث اشتق منه عقار الرزربين Reserpin لضغط الدم وكذلك ما تم اكتشافه حديثا مثل عقار « الفنكرستين» و«الفينبلاستين» من نبات «التفتة» أو «الونكا rosca Vinca »، وكذلك الادوية شبه المركبة مثل الهرمونات الستيرويدية والتي تعتمد على مصادر نباتية للاشتقاق منها والبناء عليها.

وبالرجوع الى قائمة الادوية المشتقة من النباتات في أي دستور تجد أن معظم الأدوية مشتقة من النباتات البذرية والتي تشمل: معراة البذور، وهذه تنتج زيوتا مفيدة واصماغا وقلويد الافدرين. ومغطاة البذور وتشمل نباتات الفلقة ونباتات الفلقتين، وكلا النوعين ينتجان أدوية نافعة طبيا.

كما تنتج الفطريات مجموعة من الادوية المفيدة خاصة المضادات الحيوية بالإضافة الى الفوائد الصيدلانية الاخرى. اما الطحالب فتعتبر مصدرا فقیرا ومحدودا لبعض المركبات مثل اغار، وحمض الالغينك، ومن المتوقع وجود فوائد اخرى عديدة لهذه الطحالب بحاجة الى دراسة وبحث.

اما الاشنات (فطر وطحلب يعيشان معا) فتساهم بقدر ضئيل في الطب. وبالمقابل فانه يمكن الاستفادة من الحيوانات البرية والحشرات في بعض العقاقير المفيدة مثل الجيلاتين، وزيت الصوف وشمع النحل والقرمز
(صمغ احمر فاقع) وهي تعتبر مصدرا للهرمونات والفيتامينات والأمصال.

اما البكتيريا فيمكن الاستفادة منها في استخراج المضادات الحيوية، والانزيمات والهرمونات وغيرها من منتجات هندسة الجينات.


وأخيرا يمكن القول بان المملكة النباتية من حولنا تحوي ذخائر وكنوزا دوائية عظيمة بانتظار من يبحث عنها ويستخرجها مسترشدا بالتراث الاسلامي العظيم واطبائه النوابغ الذين بذلوا جهدهم في البحث والدراسة العلمية، وكذلك في ضوء خبرات العشابين والعطارين ممن لديهم الخبرة والتجربة الواسعة ثم في ضوء الدراسات العلمية الحديثة من هنا وهناك، ولا نعتقد ان هناك مبررا لانكار الحقائق وتكييل التهم لمن مضوا في هذا الطريق، فالعلاج فتح من الله، والشفاء بيد الله وحده وما نحن الأطباء والمعالجين الآخرين الا اسبابا سخرها الله للمرضى لكي تمضي الحياة على هذه الأرض كما اراد لها الباریء عز وجل، فيها الصحة وفيها المرض، فيها السعادة وفيها الشقاء، فيها الالم وفيها الامل.

د. سمير اسماعيل الحلو
طبيب وباحث في طب الاعشاب

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

المضادات الحيوية .. فوائدها وأضرار سوء استخدامها

تلعب المضادات الحيوية دورًا حيويًا في علاج العديد من الأمراض، ولكن سوء استخدامها قد يؤدي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *