المراهقة والإرشاد النفسي

المراهق ليس طفلا كما كان قبل سنة أو أكثر …. ومع ذلك فالمراهق يبقى بحاجة إلى ما كان يحتاجه كطفل سابق من عطف ورعاية وحنو. ولكن الطرائق التي تشبع فيها مثل هذه الحاجات في هذه المرحلة يجب أن تتغير كما تغيرت كثير من خصائص شخصيته.

ربما كانت مرحلة المراهقة اشق المراحل التطورية والنمائية على الفرد المتعلم فالاعتبارات الفيسيولوجية والنفسية التي يتعرض لها المراهق كثيرة ومتشعبة، بل إن المراهقة تؤثر على انماط سلوك الفرد بشكل يسهل على المراقب ملاحظتها سواء أكان أبا أم أما أم معلمة .

ولا شك أن الحديث العام عن المراهقة امر ممكن لكثير من الناس ولكن البحث في المراهقة يتطلب تحديد الجوانب الهامة المراد ابرازها في كل موقف دراسي كل على حدة. ومن هنا فإنني سأتناول الحاجات التي تفرض نفسها على المراهق والتي يجب علينا نحن المرشدين التربويين مراعاتها حينما نعرض مساعدتنا عليه بحيث ينتهي كل ذلك في ارشاده إلى السلوك المناسب في الوقت والموقف التربوي المناسب.

وقبل ان اتحدث عن تلك الحاجات لا بد من شرح موجز لأهم المؤثرات الفيسيولوجية التي تحدث في جسم المراهق فتؤثر في سلوکه.

تغييرات عضوية وسلوكية في سن المراهقة:

فنحن نعرف جيدا أن الفرد بعد بلوغه مرحلة الطفولة المتأخرة ( حوالي سن الحادية عشرة ) يتعرض إلى تغييرات عضوية في جسمه تتركز – الى جانب الزيادة في حجمه وفي نسب اعضائه – حول النشاطات الغدية فيه. فنشاط الغدد تلك يحدث تغييرات واضحة في سلوك الفرد العام ويتضح كثيرا في سلوكه التعلمي .

والغدد كما نعرف جميعا موزعة في مناطق مختلفة من الجسم ورغم صغرها فإنها تمارس تأثير مباشرة على النمو ووظائف اعضاء الجسم المختلفة. ومن المعروف أن الغدد تنتج ما يسمى بالهرمونات التي تصب في مجرى الدم مباشرة وهو الذي يوزعها على اجزاء الجسم المختلفة حسب حاجة كل جزء للهرمون المعين. وبعض تلك الهرمونات يؤثر على عمليات الأيض (الميتابولیزم) وهي العمليات المتعلقة ببناء البروتوبلازما في الجسم .

والبروتوبلازما هي التي تؤمن الطاقة اللازمة للعمليات والنشاطات الحيوية للفرد والتي عن طريقها تمثل المواد الجديدة للتعويض عن الخلايا المتهدمة كما أن بعض الهرمونات يؤثر في حجم الجسم وبعضها يؤثر في التطور الذهني والانفعالي عند الفرد وهناك هرمونات مسؤولة عن تطوير الخصائص الجنسية الثانوية عند الفرد. وقد تبين للباحثين أن هذه الهرمونات تلعب دورا رئيسيا في عمليات التعلم خصوصا اثناء نشاط الغدد في المرحلة التي تعقب مرحلة الطفولة المتأخرة . ومن بين هذه الغدد سأتعرض لاثنتين منها فقط على سبيل الايضاح لا الحصر.

فالغدة النخامية الموجودة في اسفل مقدمة الدماغ مثلا تفرز مجموعة من الهرمونات تؤثر في نمو الجسم وفي نشاطه الجنسي وأثناء مرحلة المراهقة يزداد نشاط هذه الغدة. ويستمر نشاطها طيلة فترة العمر المنتجة حتى سنوات ما بعد الخمسين من العمر وأكثر في بعض الأحيان. ولكن من المهم لنا هنا أن نعرف ان اي اضطراب في نشاط هذه الغدة ( وهو امر يحصل كثيرا في فترة المراهقة ) يؤدي إلى نتائج فيسيولوجية وسيكولوجية تؤثر في سلوك الفرد بشكل غير اعتيادي ، فنقص النشاط يؤدي الى تباطؤ النمو فيبقى الفرد صغير الحجم طفلي المظهر وغير ناضج حتى ولو كان في اواخر مرحلة المراهقة .

فإذا حصل ذلك ادى الى اضطرابات معوية عند الفرد والى تغيرات في شخصيته وهذه بالتالي تتدخل كمؤثرات في مستوى قدراته الانجازية في المدرسة لأنها في الواقع تؤثر في نشاطاته الذهنية . خصوصا اذا عرفنا ان الجزء الداخلي للغدة النخامية مسؤول عن افراز هرمون ينشط الدماغ وقد يضطرب هذا الجزء باضطراب الجزء الخارجي . ونتيجة لكل ذلك لا نتوقع من الفرد المتعلم سلو کا تعلميا سليما.

ومن ذلك مثلا ميل المراهقين عموما الى الكسل والرغبة في النوم في غير اوقاته وكذلك فقدان الرغبة في العمل وما يبدو عليهم من بلادة ذهنية واضحة احيانا كثيرة انهم في هذه المرحلة و بتأثير تلك الهرمونات النخامية يظهرون سرعة في الانفعال.

وهذه بالطبع بعض انماط السلوك غير الاعتيادية التي نشاهدها في المراهقين وقد تتواجد كلها أو بعضها في المراهق الواحد ولكن قل ان نجد مراهقا – ذكرا كان ام انثى – لا يتعرض الى بعض هذه الأنماط السلوكية.

ثم ان هناك الغدة الدرقية ورفيقاتها الأربع، وهذه كلها تقع مجتمعة في أسفل العنق واضطراب نشاطها سواء بالزيادة أم بالنقصان أمر محتمل في مرحلة المراهقة وقد يكون الاضطراب جاديا خطيرا يتطلب التدخل الطبي السريع و قد يكون مجرد تذبذب في الانتظام ينتهي بانتهاء فترة المراهقة غالبا.

وايا كان الحال فانه يؤدي إلى عدم انتظام عمليات الأيض في الجسم. كما أن الذكاء يتأثر الى حد كبير بسببه ومعنى انخفاض الأيض هنا انخفاض الأيض في الدماغ نفسه وهذا بالتالي يؤدي إلى ضعف في القدرات الذهنية عند الفرد. ويتضح ذلك فيما نراه ونشاهده احيانا من عجز بعض الطلبة عن القيام بعمل كامل يوکل اليهم. او في ميلهم الى العزلة وعدم الرغبة في العمل وفيما يصيب البعض منهم من كسل وخمول ظاهرين.

وعلى العكس فان ازدیاد نشاط الغدة الدرقية يؤدي عادة إلى ازدياد غير طبيعي في نشاط الفرد وقدرته على انجاز اضعاف ما يتوقع منه. الا انه مقابل ذلك يتميز بحالات سلوكية غير سوية، من ذلك مثلا : ميله الواضح للعصبية الحادة وعدم الاستقرار الحركي وسرعة في الانفعال و غير ذلك .

والحقيقة ان علماء النفس يعتبرون اضطراب الغدة الدرقية احد المسببات المباشرة في اضطراب عمليات التعليم عند الفرد . ولذلك فان الهيئات الطبية والتربوية في كثير من البلدان تلجأ إلى الفحوص الدورية للغدة الدرقية عند طلاب المرحلتين الاساسية والثانوية مع بداية كل عام دراسي . وباستطاعة المعلم ( او من ينوب عنه في العمل التربوي ) أن يدرك حاله الطالب المعاني منها من خلال ملاحظته لبعض الخصائص التي تميز سلوكه .

فالطالب غير الميال للعمل ، وفاقد الرغبة في الدراسة والكاره لمدرسته وضعيف الانجاز المدرسي وقليل الانتباه …. وغير ذلك كثير … كلها أنماط سلوكية تلفت انتباه المعلم الذكي ، وباستطاعته عندئذ أن يجري لذلك الطالب فحصا سريعا لا يكلفه سوی صرف بضع دقائق من الملاحظة والتدقيق في بعض الخصائص ، فاذا سأل المعلم نفسه مثلا : هل هذا الطالب دون ما نتوقع منه بالنسبة لسنه الزمني والعقلي ؟ وهل انخفض مستوى انجازه عما كان عليه قبل ستة شهور او سنة مضت؟ و هل يعرق أقل من المعتاد اذا قام بنشاط حركي مجهد ؟ وهل هو بطيء في ساحة اللعب ؟ فاذا نظر اليه ولاحظ فيما اذا كان جلده وشعره جاف لماع و أنه يزداد وزنا بأكثر مما يجب تأكد له – وخاصة اذا كان الجواب عن جميع الأسئلة السابقة هو « نعم » – ان عليه أن يرشده إلى اجراء الفحص الطبي المناسب لغادته الدرقية . واكرر هنا ان كل المراهقين يتعرضون لتغيرات فيسيولوجية ولكن بدرجات متفاوتة تختلف من فرد الآخر لأسباب وراثية وبيئية اخرى .

احتياجات تقتضيها تلك التغييرات :

أما الآن فدعونا نبحث في الحاجات التي تفرض نفسها على المراهق في ضوء تلك التغيرات لنرى أثر ما في سلوكه التربوي والاجتماعي بشكل عام . فالاعتقاد السائد بين معظم الآباء والأمهات بأن مرحلة المراهقة مليئة بالمشاكل وان مواجهتها يتطلب جهدا كبيرا انما هو اعتقاد مبني على سوء فهم لحاجات المرحلة التي نحن بصددها. وليس من الغريب أن نلاحظ النقد المفرط احيانا الذي يوجهه المراهقون لآبائهم بسبب تصرف هؤلاء نحوهم . ویكثر استياء الآباء من ابنائهم المراهقين عندما يرونهم غير واقعيين في آرائهم حول مستقبلهم وكذلك لإسرافهم في التشبه بأشخاص غير عاديين من أبطال السينما و الرياضة وما شابه . كما ان المراهقين اشخاص متمركزون عادة حول ذواتهم فهم قليلا ما يكشفون لآبائهم عن اسرارهم وخصوصياتهم . وهذا بالطبع يقلق الآباء كثيرا ویودون لو يعرفون این و ماذا يخفي هؤلاء الأولاد في رؤوسهم، وتبرز المشكلة الكبرى حينما لا يعبأ المراهقون بنظام البيت او المدرسة او المجتمع رغم أن هذا وغيره ليس إلا مظاهر طبيعية في هذه المرحلة .

كل ذلك يدر که الباحث المختص من خلال فهمه للحاجات التي تتطلبها فترة المراهقة والتي سأتعرض لها فيما بعد. فالمراهق ليس طفلا كما كان قبل سنتين او اكثر . اذ حالما يصبح المراهق في حدود الرابعة عشرة من عمره وجب عليه أن يواجه كثيرا من المشاكل الجديدة بنفسه . فهذه المشاكل تمثل بالنسبة له تناقضات مع الحياة العامة . ولذلك تجده يقف حيالها موقفا جديدا لم يألفه من قبل وبنصف عادة بالحيرة والتخبط ثم الانتظام الجزئي شيئا فشيئا مع مرور الوقت . و كلما ازدادت علاقاته مع الآخرين كان عليه أن يتعلم الانسجام
معهم . أضف إلى ذلك أنه لم يعد الطفل المعفى من المسؤوليات سواء نحو افراد عائلته أو زملائه . ومع ذلك فالمراهق يبقى بحاجة إلى ما كان يحتاجه كطفل سابق من عطف ورعاية وحنو . ولكن الطرائق التي تشبع فيها مثل هذه الحاجات في هذه المرحلة يجب ان تتغير كما تغيرت كثير من خصائص شخصيته . واهم حاجات المراهق هي :

اولا : حاجاته الفيزيائية الأساسية :

فالأولاد والبنات يحتاجون الى كميات اوفر من الطعام و الراحة والنشاط الجسماني . اذ انهم يحتاجون إلى تنمية عضلاتهم وعظامهم واعصابهم . فلكي يواجهوا تلك الحاجات لا بد من أن نوفر لهم النشاطات الفيزيائية المناسبة . فالرحلات والرياضة عموما ضروب من النشاطات الجسمية اللازمة لهم وهي لا تساعدهم فقط على ترويض اجسامهم بل انها تعمل ايضا على تعليمهم حب التعاون مع الغير والدخول في منافسات ايجابية ناجحة معهم .

كما أن المراهق ولدا كان أم بنتا يحتاج إلى طعام اغني وأوفر مما كان يحصل عليه وهو طفل . ونحن نلاحظ باستمرار ان المراهقين يتناولون كميات كبيرة من الطعام بين الوجبات الرئيسية و بدون انتظام فهم تقريبا يأكلون كل ما يقع تحت ايديهم من طعام وحلوى حينها يحسون بالجوع وما اكثر احساسهم بذلك اثناء يومهم العملي . ويجب أن لا تأبى عليهم ذلك على اساس انه سلوك غير سوي بل من الواجب علينا أن نوفر لهم فوق ذلك الواجبات الرئيسة الغنية وفي الوقت الذي يحتاجون اليها .

والمراهقون عموما يحتاجون الى قدر كاف من الراحة والنوم . فرغم انهم يكبرون بسرعة إلا انهم يبذلوا طاقات كبيرة اثناء نشاطاتهم اليومية . وهم احوج ما يكونون إلى الإرشاد في كيفية استغلال أوقات راحتهم . فساعة من النوم المبكر تساعد المراهق كثيرا على أن يحس بالراحة الجسمية والنفسية في يومه التالي .

ثانيا : حاجات المراهق العاطفية والانفعالية :

المراهق حالم بطبعه ، بل ومسرف في خيالاته عن المستقبل . وهو يخطط في الصباح ليهدم في المساء ما خطط. كما وانه سهل الانقياد للإيحاء من الغير ولذلك نراهم (اي المراهقين) يتبنون آراء بعضهم البعض في كثير من الأمور التي تتعلق بمستقبلهم . كل ذلك يعني أن واجب التربية ان تتهيأ لاستقبال ذهنية من هذا القبيل في مرحلة دراسية هامة . ونحن نعرف ان للتربية وجهين .

أ- الارشادات المباشرة كما تفعل الارشادات المدرسية .
ب- الارشادات غير المباشرة . وتأتي عادة من غير المدرسين كالأوصياء و المرشدين المدرسين، وينصب دور هؤلاء على اشباع الحاجات العاطفية للمراهقين . فالمراهقون عامة ينقلون من حين لآخر آراء أوصيائهم إلى زملائهم في الصف والمدرسة خاصة اذا كانت تلك الآراء متعاطفة مع ما يكنونه هم في نفوسهم وبشرط أن تكون الطريقة او الاسلوب التي عرضت فيها الآراء عليهم منسجمة مع أهوائهم الشخصية . ولهذا نلاحظ بين الحين والآخر طلابا في المراحل الأساسية والثانوية يعتدون بآراء وأفكار لا تتفق وسنهم العقلي ومع ذلك فهم يتحدون بها معلميهم في الصيف او المدرسة و امام جمهرة الزملاء من الطلبة . وليس ذلك طبعا من قبيل التصرف غير السليم بلى هو اسلوب سلوكي عادي في هذه السن وهم يرتاحون له نفسيا لأن فيه اشباعا لانفعالاتهم وعواطفهم .

وكل المراهقين يريدون الحرية والاستقلال من سيطرة الوالدين والمدرسة . ولذلك يزداد قلقنا عليهم اذا هم تأخروا في الخارج بعد الوقت المتوقع لعودتهم . ولكن يجب أن لا ننسي انهم في هذا السن يطورون شخصياتهم . وان كثيرا من مخاوفنا عليهم يمكن أن تتلاشى اذا نحن كسبنا ثقتهم بحيث نشجعهم أن يسروا لنا بمشاكلهم العاطفية والانفعالية بغية مساعدتهم في حلها . اننا في الشرق العربي كثيرا ما ندفن رؤوسنا في الرمال مع الأسف لكي لا نرى الصياد يلاحقنا . يتفق هذا مع ما نصر عليه من أن أبناءنا يجب أن يطيعوا أوامرنا وإرشاداتنا دون مناقشة وفي ذلك كله تحديا لما يعتلج في صدور هؤلاء الشباب من استقلالية وينشدان الحرية .

ثالثا : الحاجات الروحية للمراهق :

يصعب على المرء تفهم ما يريده المراهق في هذا المضمار . ولأن المراهق ميال للاستطلاع نجده يقرأ ويستفسر كثيرا عن امور روحية وفلسفية كالدين و الفلسفة القائمين في مجتمعه ، كما انه يحب أن يعرف عن الديانات الاخرى المغايرة لدينه الذي نشأ عليه . كما ان حصاد العلوم الحديثة ذات المنطق الرياضي قد اثر كثيرة على تفكير معظم الشباب في مجتمعات العالم المختلفة .

ودور الارشاد هنا اساسي ، فالمناقشة مع الزملاء يفيد في سرعة التكيف ولكن الاهم من ذلك هو دور المرشد الناصح الذي يتقبله المراهقون وينصتون لتفسيراته عن تساؤلاتهم بكثير من الشوق .

رابعا : الحاجات الذهنية للمراهق :

ذهن المراهق ينمو بسرعة ولذلك نجده ميالا إلى الاستطلاع سواء عن طريق القراءة او الاستماع او المشاهدة . وكثيرا ما تكون قراءاته مختلفة عن طبيعة دروسه الاساسية ، الا انه يقرأ المادة التي يريدها بشوق وتفهم وجدية . واذا هو شاهد السينما او التلفزيون فانه يكثر من النقد لما يشاهد ، كما انه يطور نظرياته الخاصة به حول شخوص الروايات التي يشاهدها .

أما مشاحناته مع الأصدقاء والزملاء فتقل عنفا عما كانت عليه في الطفولة ويحل محلها ميلا لمناقشة مواضيع ذات مساس مباشر بأمور الحياة رغم أن المناقشة قد تبدو سقيمة مملة للكبار من الناس . إلا أن المراهقين جميعا يتذوقون جو المناقشة ويرغبون في الاستماع لآراء بعضهم البعض حتى أن ما يبدو عندهم من التعصب في الرأي إنما يدل على انهم يطورون أفكارهم وآراءهم نحو الوضوح الأكثر .

ومن الأساليب التربوية الناجحة هنا أن نعيد للمراهق رغبته في العمل المدرسي . فنحن عرف انه اذا ما فقدت الرغبة في الدراسة لديه صعب اعادة الفرد الى جو المدرسة و الدراسة. لوضع برامج ذات ارتباط مباشر برغبات المراهقين الذهنية تبقيهم متحمسين للعمل المدرسي مثال ذلك : الندوات التي يسمح فيها لهم بمناقشة آراءهم بحرية كاملة أمام المربين وبخاصة تلك التي تتميز بالتحدي في الرأي واتخاذ القرارات القاطعة . كما أن إدخال آراء جديدة لعقولهم على طريق الوسائط التعليمية الفنية المختلفة يساعد كثيرا على اعادة تكيفهم مع الجو المدرسي . فعرض فلم سينمائي عن الجراثيم مثلا او عن هجرة الطيور او الفضاء او غير ذلك من المواضيع التي تلفت الانتباه تساعد المراهق على ان يشغل ذهنه في أمور اكاديمية مفيدة.

خامسا : حاجات المراهق الاجتماعية :

وهذه نقطة أساسية يفتقر لها مجتمعنا الشرقي فنحن نعرف أن أبناءنا المراهقين يحبون الاجتماع بأصدقائهم من المراهقين وهم بالفعل يجتمعون بهم في أماكن ليست تحت أشراف الأوصياء. فالشارع والسينما وغيرهما من الأماكن العامة تلعب دورا رئيسيا في التقاء الشباب في سن المراهقة . ولكننا كأوصياء لا نعرف إلا القليل جدا عما يدور بينهم في تلك الانتماءات رغم اننا حريصون على أن لا يقع أبناؤنا في أخطاء معينة . ولكن كيف يمكن لنا أن نتأكد من ذلك ما دمنا بعيدين عن مسرح اللقاء ؟

من الخير كل الخير أن نساعدهم على الالتقاء بأصدقائهم في بيوتنا وتحت اشرافنا من أن نتركهم لأنفسهم يرتبون لقاءاتهم في أماكن بعيدة وغير مأمونة . إن هذه الحاجة تمثل الرغبة في الانتماء إلى الغير . فكل واحد منا صغيرا كان أم كبيرا يسعى دائما لتحديد مكانته في المجتمع الذي يعيش فيه وذلك عن طريق تحديد نوع معارفه .

وهناك نقطة هامة أخرى في هذا المضمار ألا وهي اختلاط الجنسين . فإننا ندرك خطورة التعليم المختلط في سن المراهقة و لكننا سمحنا به في مراحل تعليمية أخرى وأثبت نجاحا باهرا ، فهناك الجامعة وهناك بعض المعاهد تسمح بالتعليم المختلط وسيكون هناك عدد آخر من دور المعلمين تسمح بذلك . كما أن هناك بعض المدارس الخاصة تسمح بالاختلاط في المراحل الابتدائية .


سادسا : الحاجات الابداعية للمراهق:

ليست المدرسة ونشاطاتها هي المصدر الوحيد لتنشيط القدرة الابداعية عند الفرد المتعلم . بل الحقيقة أن المراهق لا يرى في كثير من الأحيان أن في اعماله المدرسية اي دافع للإبداع ويثقل عليه اتباع نظم روتينية تربوية لا تنسجم وفهمه الشخصي للتربية ولذلك لجأ المربون في كثير من الدول الى تشجيع وإنشاء مجالات تربوية غير صفية تشبع ذهن المراهق المتفتح. فإنشاء نوادي الرسم والفنون وفرق الجوالة والرحلات والتمثيل والموسيقى وغيرها امور تجلب اهتمام الكثير من الشباب في المدارس الثانوية وتدفعهم إلى ممارسة هواياتهم فيها بشوق ورغبة والى ابتكار كثير من الأساليب والفنون التي لم يتعرض لها غيرهم من قبل، وليس أدل على ذلك من أن مدرسة ثانوية في انجلترا استطاع بعض طلابها مع معلم الفيزياء أن يطوروا جهازا خاصة لتتبع الاقمار الصناعية في العالم وان يكونوا في كثير من الأحيان السباقين الى معرفة النبأ قبل أن تذيعه محطات الرصد العالمية.

أن المشاركة في مثل هذه الجماعات لا تساعد على تطوير القدرة الابداعية عندهم وحسب بل إنها تشجعهم ايضا على العمل التعاوني و تطور فيهم الشعور بالمسؤولية الجادة وحسن القيادة واحترامها في انفسهم وفي الآخرين من حولهم.

الدكتور عمر محمد جبرين

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

تعليق واحد

  1. اشكر الدكتور كاتب المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *