الدماغ البشري (Human Brain) يتمتع بقدرات مدهشة تجعله محور العديد من الدراسات العلمية. ومع ذلك، فإنه يظهر قيودًا واضحة عندما يتعلق الأمر بتعدد المهام.
تشير الأبحاث إلى أن محاولة تنفيذ أكثر من مهمة في وقت واحد قد تؤدي إلى انخفاض الكفاءة وزيادة الأخطاء.
تأثير تعدد المهام على الدماغ
زيادة الزمن المطلوب لإنجاز المهام
تشير الدراسات الحديثة إلى أن محاولة القيام بمهمتين متزامنتين تستغرق وقتًا أطول مقارنة بتنفيذهما بشكل منفصل.
على سبيل المثال، إذا حاول شخص ما التحدث عبر الهاتف أثناء قراءة كتاب، فإن دماغه سيستغرق وقتًا أطول لإنجاز المهمتين، وقد يزداد معدل الأخطاء بشكل ملحوظ.
توضح دراسة أجراها معهد راين فيستفاليا الألماني أن الأداء يقل بنسبة تصل إلى 40% عند محاولة تنفيذ مهام متوازية.
ويعود ذلك إلى أن الدماغ لا يعالج المهام بشكل متزامن تمامًا، بل يعتمد على ترتيب الأولويات وتنفيذها بالتتابع.
لماذا يضعف الأداء عند تعدد المهام؟
الدماغ البشري مصمم لمعالجة المعلومات بشكل متسلسل، مما يعني أنه عندما يتلقى أكثر من طلب في نفس اللحظة، فإنه يُخصص وقتًا إضافيًا لترتيب الأولويات.
هذا الأمر يخلق تأخيرًا ملحوظًا في التنفيذ.
ويوضح عالم النفس الألماني إيرينغ كوخ أن تعدد المهام يؤدي إلى إجهاد الدماغ، مما يقلل من قدرته على اتخاذ قرارات دقيقة أو التعامل مع المواقف الطارئة.
على سبيل المثال، يمكن أن يكون لهذا التأخير آثار خطيرة أثناء القيادة، حيث قد يؤدي إجراء مكالمة هاتفية أثناء القيادة إلى تقليل قدرة السائق على الاستجابة السريعة للمخاطر.
الآثار الصحية والنفسية لتعدد المهام
متلازمة الاحتراق النفسي
قد يؤدي تعدد المهام المستمر إلى الإرهاق النفسي المعروف باسم متلازمة الاحتراق النفسي (Burnout Syndrome).
تتسم هذه الحالة بالإجهاد المزمن، فقدان التركيز، والصداع المتكرر، وهو ما يؤثر سلبًا على الصحة العامة والإنتاجية.
وتعد متلازمة الاحتراق النفسي من المشكلات الصحية التي تؤثر على الصحة النفسية والجسدية للأفراد، وتحدث نتيجة التعرض للإجهاد المزمن والضغط المستمر في بيئة العمل أو الحياة اليومية.
وتعرّف منظمة الصحة العالمية هذه المتلازمة بأنها “حالة من الإجهاد الجسدي والعقلي الناتجة عن الإجهاد المستمر والمتواصل”.
ويعاني المصابون من أعراض تشمل الإرهاق، وفقدان الطاقة، وانخفاض الإنتاجية، وشعور بالانعزال والتهرب من المسؤوليات.
وتعود أسباب الاحتراق النفسي إلى عوامل عدة، من أبرزها: ضغوط العمل الزائدة، وعدم التوازن بين الحياة الشخصية والعملية، وغياب الدعم الاجتماعي، والشعور بعدم التقدير أو الفعالية.
وقد تتفاقم الأعراض إذا لم يتم التعامل معها، حيث يصبح الفرد غير قادر على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية، مما قد يؤدي إلى مشكلات صحية نفسية وجسدية مثل اضطرابات النوم، والقلق، والاكتئاب، وحتى مشكلات القلب.
وللوقاية من الاحتراق النفسي، يُنصح باتباع استراتيجيات تساعد على تخفيف التوتر، مثل ممارسة الرياضة بانتظام، والقيام بتمارين الاسترخاء والتأمل، والحفاظ على التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
ومن الضروري أيضًا التعرف على العلامات المبكرة للاحتراق النفسي، مثل فقدان الحماس للعمل، والشعور الدائم بالإرهاق، وتجنب المهام الموكلة.
وإذا استمرت هذه الأعراض لفترة طويلة، ينبغي البحث عن الدعم من الأصدقاء والعائلة أو الاستعانة بمختصين في الصحة النفسية.
التوتر والضغط النفسي
تظهر الأبحاث أن تعدد المهام يزيد من الضغط النفسي، مما يرفع مستويات هرمون الكورتيزول في الجسم.
هذا الارتفاع المستمر قد يؤدي إلى مشكلات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات النوم، وحتى مشكلات في الذاكرة.
كيف يمكن تحسين الأداء وتقليل تأثير تعدد المهام؟
العمل بترتيب وتسلسل
أفضل طريقة لتجنب تأثير تعدد المهام هي تنفيذ المهام واحدة تلو الأخرى. يمكن ذلك من خلال وضع قائمة بالأولويات وتركيز الجهد على كل مهمة على حدة.
تقليل المؤثرات الخارجية
التركيز على مهمة واحدة يتطلب تقليل المشتتات، مثل الهواتف المحمولة أو الضوضاء. يساعد هذا في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل.
تحسين بيئة العمل
من الضروري أن توفر بيئة العمل أجواء تساعد على التركيز، وتقليل الضغوط التي تدفع الأشخاص إلى محاولة إنجاز العديد من المهام في وقت واحد. وقد أظهرت الدراسات أن تحسين ظروف العمل يؤدي إلى زيادة الكفاءة وتقليل المشكلات الصحية المرتبطة بالإجهاد.
أهمية الدراسات المستقبلية
مع التطور التكنولوجي وزيادة المتطلبات اليومية، يصبح فهم تأثير تعدد المهام على الدماغ أكثر أهمية.
تحتاج المؤسسات والأفراد إلى الاستفادة من هذه الدراسات لتطوير استراتيجيات تقلل من التوتر وتزيد من الفعالية، مما يساهم في تحسين الصحة العامة وتعزيز الأداء الاقتصادي.
الدماغ البشري يمتلك قدرات هائلة، لكنه ليس مصممًا لتعدد المهام، والتي تؤدي المحاولات المستمرة للقيام بأكثر من مهمة في وقت واحد إلى انخفاض الأداء وزيادة الأخطاء، مما يبرز أهمية العمل بترتيب وتنظيم.
تحسين الفهم العلمي لكيفية عمل الدماغ يمكن أن يساعدنا في تطوير عادات عمل أفضل، تحقق التوازن بين الإنتاجية والصحة النفسية.