الإنسان والتكنولوجيا

الإنسان والتكنولوجيا: من المسيطر؟

يُعَدّ موضوع العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا من المواضيع التي استحوذت على اهتمام الباحثين وصناع الدراما منذ بداية القرن العشرين، إذ تساءلوا كيف سيؤثر هذا التطور المتسارع في حياة البشر.

فقد ظهرت العديد من الأفلام التي استعرضت مستقبل التفاعل البشري مع التكنولوجيا، مثل فيلم حتى نهاية العالم (Until The End Of The World)، الذي يتناول فكرة إدمان البشر على تقنية تمكّنهم من مشاهدة أحلامهم كأفلام، وسلسلة أفلام الماتريكس (The Matrix) التي صوّرت المستقبل كواقع افتراضي يندمج فيه البشر.

لكن الأمر لا يقتصر على الدراما فقط، فقد أصبحت هذه العلاقة محور اهتمام الأكاديميين أيضًا.

من أبرزهم شيري تيركل، الأستاذة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، التي قضت أكثر من عشرين عامًا في دراسة تأثير التكنولوجيا على حياتنا وتفاعلنا معها، وكتبت عدة كتب، منها الذات الثانية: الحواسب وطبيعة البشر والحياة على الشاشة: الهوية في عصر الإنترنت.

تطور دور التكنولوجيا في حياتنا

تشير تيركل إلى أنه خلال العقود الماضية، كانت علاقة الإنسان والتكنولوجيا تُعتبر مجرد أداة خارجية تساعدنا في الحياة، إلا أن الأمور تغيّرت في السنوات الأخيرة؛ إذ أصبحت التكنولوجيا تُشكّل الإنسان وتعيد تعريف هويته.

فقد أصبح الحاسوب مثلًا جزءًا لا يتجزأ من حياة الجميع، بدءًا من الأطباء والمهندسين وصولًا إلى المعماريين والقضاة، وبدأت هذه الأدوات التكنولوجية تؤثر على طريقة تفكيرنا وتصوراتنا.

هل التكنولوجيا مجرد أداة؟

رغم الاعتقاد السائد بأن التكنولوجيا ليست أكثر من وسيلة، فإن الواقع يظهر أن تأثيرها يتجاوز ذلك.

فعلى سبيل المثال، تطبيق “باور بوينت” الذي طورته مايكروسوفت كأداة لتقديم العروض، أصبح الآن أحد أكثر الوسائل التعليمية انتشارًا.

ولكن مع هذا الاستخدام الواسع، برزت تأثيرات سلبية تتمثل في جعل التفكير مُقيّدًا بنقاط محددة؛ مما يحدّ من تلقائية الأفكار وعمقها.

تأثير الروبوتات على مشاعر البشر

أحد الأمثلة البارزة على تأثير التكنولوجيا في المشاعر البشرية هو الروبوت “فيربي” (Furby)، حيث أظهرت الدراسات أن الأطفال يتعاملون معه كأنه كائن حي ويشعرون نحوه بمشاعر متباينة.

هذا التفاعل العاطفي يعكس بوضوح قدرة التكنولوجيا على خلق ارتباط عاطفي بين الإنسان والآلة، مما يثير تساؤلات حول المسؤولية الأخلاقية تجاه الروبوتات.

التكنولوجيا والأدوار الإدارية

مع تطور التكنولوجيا، ظهرت أدوات تقيّم الحالة المزاجية للشخص، مثل جهاز تم تطويره في معهد MIT يستطيع قياس معدل التوتر لدى الأفراد ويقترح مهامًا أكثر ملاءمة لحالتهم النفسية.

وتزداد هذه الأدوات انتشارًا في بيئات العمل لتقليل الأخطاء الناجمة عن اتخاذ القرارات في حالات نفسية غير ملائمة.

ورغم التطور الكبير الذي وصل إليه الذكاء الاصطناعي، فإن العديد من الوظائف لا تزال تحتاج إلى العنصر البشري، خاصة تلك التي تتطلب التوجيه وبناء العلاقات الإنسانية.

إعادة تعريف البشرية من خلال التكنولوجيا

كانت مقارنة البشر بالتكنولوجيا تُعتبر أساس تعريف الذات البشرية؛ فحين كان الحيوان أقرب الجيران، اعتُبر العقل هو الميزة البشرية الفارقة.

وعندما أصبح الكمبيوتر شريكًا للإنسان في المهام الذهنية، تطورت هذه الرؤية لتشمل العواطف كميزة إنسانية.

ولكن اليوم، مع تقدم الذكاء الاصطناعي والروبوتات القادرة على إثارة مشاعر البشر، أصبح تعريف البشرية أمرًا يحتاج إلى إعادة نظر.

الاعتماد على التكنولوجيا: بين الفائدة والخطر

لا يمكننا إنكار الفوائد الكبيرة للتكنولوجيا، خاصة في مجالات رعاية المسنين في اليابان، حيث أثبتت الروبوتات فعاليتها في متابعة مواعيد الأدوية وقياس الضغط ودرجة الحرارة.

لكن تزايد الاعتماد على التكنولوجيا يثير التساؤل حول مدى استعدادنا للحفاظ على العنصر الإنساني في أنفسنا.

في الختام، ينبغي أن نولي اهتمامًا أكبر بتأثير التكنولوجيا على حياتنا وأن نحرص على استخدامها كأداة تعزز قدراتنا دون أن تطغى على هويتنا البشرية.

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

تجنب استخدام كلمات المرور الضعيفة لحماية حساباتك على الإنترنت

تعتبر كلمات المرور من أهم العناصر التي تساهم في حماية حساباتك الشخصية على الإنترنت. ومع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *