الأصول الاقتصادية للتربية

الدكتور طارق عبد الرؤف عامر

إن النظرة الثقافية الإجتماعية للتعليم من المنظور السابق يجعلنا ننظر إلى التربية على أن لها أصولا اقتصادية ، فالتربية فى جزء من أهدافها تعد الناشئين ليتحملوا عبء مسئولية دور مهنى فى المجتمع وفى مستقبل حياتهم . ولذلك كان على التربية أن تكون على وعى بالمهن المختلفة فى المجتمع وتطبيقاتها ومحتوياتها ومتطلباتها التعليمية حتى تبنى مناهجها وطرقها ووسائلها بحيث تحقق مثل هذه الوظيفة الاقتصادية للتربية .

ومن هذه الزاوية ندرك الصلة بين الاقتصاد والتربية , فالتربية تؤثر فى عمليات الإنتاج وفى التنمية الاقتصادية ، وهى ذات عائد اقتصادي قاسة الباحثون فوجدوه كبيراً جداً ، وبذلك تهتم التربية بجانب تنميتها لشخصيات الأجيال الجديدة وإتاحة الفرص التعليمية آمامها لكى تنمو إلى أقصى حد ممكن ، لإنها تهتم بتنمية مهارات حركية وعقلية تبدأ بسيطة فى الأعمار الصغيرة ، ثم تتدرج حتى تلتحم تماماً مع متطلبات المهن المختلفة .

ولقد اتضحت هذه الأصول الاقتصادية للتربية خاصة وقد أصبحت أهداف التربية أهدافاً شمولية بالنسبة للفرد وللمجتمع بحيث تسهم فى تنمو الطبيعة البشرية بشكل متكامل وتحقق أهدافاً شاملة اجتماعية واقتصادية ، ذلك بعد أن كانت تهدف فقط إلى تنمية العقل وتنشئة الأجيال الجديدة على قيم خلقية مجردة ، فالتنمية الاجتماعية والاقتصادية فى المجتمع تقوم على أساس وجود مجموعة من القوى البشرية المدربة والمتعلمة والمؤهلة بمهارات تخصصات متنوعة والقادرة على القيام بعمليات الإنتاج المختلفة ، وهذه القوى البشرية تقوم التربية بإعدادها .

* الأصول الاقتصادية للتربية هى من المجالات التي يتزايد الاهتمام بها بشدة فى العقود الأخيرة فكما كان من الضروري والأهمية النظر للتربية ودراستها فى علاقتها بالسياسية والبناء الإجتماعى . كان من الضرورى النظر إليها ودراستها فى علاقتها بالاقتصاد . فالتنمية الاقتصادية تتطلب تغيير فى عمليات الإنتاج وفى اتجاهات الأفراد وقيمهم نحو العمل ، كما تتطلب تدريب هؤلاء الأفراد وإكسابهم المهارات اللازمة لإحداث التطور ومتطلبات التنمية وأساس التنافس المحلى والعالمي والذى فرضته قوى وآليات العولمة .

وقد بلغ الاهتمام بدراسة التربية فى الإطار الاقتصادى ، بعد ما أصبحت قوة الأمم وتقدمها لا تقاس فقط بتوافر لديها من موارد طبيعة وإنما بمدى امتلاكها للقوى البشرية الواعية والمدربة على العمل والإنتاج ورصيدها القوى المعرفى المتمثل فى عدد الاكتشافات العلمية وحقوق الملكية الفكرية المسجلة للمخترعين والموهوبين والمبدعين وغيرهم .

وإذا كان التعليم هو أساس إعداد البشرية القادرة على كل هذا وغيره كان لابد وأن يكون بينه وبين الاقتصاد علاقات وثيقة ولم يعد ينظر طبقاً لذلك إليه على أنه نوع من الخدمات تقدم للناس فى عزلة عن العمليات الاقتصادية وإنما أصبح ينظر إليه على أنه استثناء بصورة أساسية :

ومن أبرز المجالات التى تهتم بها الأصول الاقتصادية للتربية :
– العائد التعليمي مفهومه وجوانبه وصعوبات قياسه .
– طرق قياس القيمة الاقتصادية للتعليم وصعوبات قياسها .
– تكلفة التعليم وما يرتبط بها من عوامل تؤدى إلى خفضها
– الجودة التعليمية واقتصادياتها
– تمويل التعليم والمصادر البديلة لمصادر التقليدية المتمثلة فى الدولة .

وبالنسبة للأسس الاقتصادية للتربية فإنها تعنى النظرة إلى التربية من الزاوية الاقتصادية ويمكن أن تتضح هذه النظرة من خلال ذلك الفرع من العلوم التربوية والذى يسمى باقتصاديات التربية أو اقتصاديات التعليم ، هذا الفرع من العلوم التربوية يهتم بدراسة الأوضاع التربوية المختلفة من حيث كونها أوضاعا اقتصادية .

ومن ثم فإن الدراسات التى يتولاها هذا الفرع من التربية يهتم بدراسة مستوى الدخل القومي والفردي ومدى ارتباطه بمستوى التربية فيه ، والعلاقة بن مستوى الدخل ومستوى التربية ، كما يهتم بدراسة التربية من حيث كونها عملية استهلاكية أو استثمارية وما هى الأنواع المختلفة من التعليم التى تعطى عائداً كبيراً بالنسبة للدخل القومى ، كذلك يبحث هذا الفرع الأسباب والعوامل التى تؤى إلى وجود فاقد فى التعليم مما ينتج عنه خسارة اقتصادية بالنسبة للدولة وكذلك الفرد .

ومن وجهة النظر الاقتصادية يجب أن يعمل المجتمع على إكثار العائد من التربية من خلال زيادة كفاءة العمليات التربوية والاستخدام الفعال لأوقات المعلمين والتلاميذ والعناية بالطرق الأكثر كفاءة لتنمية القدرات التى يحتاج إليها المجتمع ، فكل هذه العوامل مع غيرها من العوامل تستطيع أن تكثر بشكل سريع من العائد الاقتصادى للاستثمار فى التربية .


وإقامة التربية على هذه الأصول تعنى تغير النظر إلى المعرفة التى تتناولها المدارس فى توجيه نمو التلاميذ وفى تحقيق أهدافها الإجتماعية وفى تحقيق أهدافها ، فالمعرفة ليس غيبية أو فردية أو ذاتية فهى تأتى نتيجة التفاعل المستمر بين الفرد وبيئته حيث تأتى من جهد الإنسان فى مواجهة مشكلات الحياة وبحثه عن حلول لها والتربية من هذا المنظور شأنها شأن العلوم الأخرى حيث ينبغى النظر إلى حقائق التاريخ والعلوم الإجتماعية بنفس النظرة العلمية التى تتبع قواعد العلم وقوانينه ومن ثم يكون لها الأثر فى الارتقاء بالخبرة الإنسانية والمعرفة فى ضوء ذلك يكون لها صفة اجتماعية ووظيفية اجتماعية .

المراجع

1- علي خليل أبو العنين وآخرون : تأملات في علوم التربية كيف نفهمها : القاهرة – الدار الهندسية 2004 .
2- أحمد محمود عياد ، محاضرات في أصول التربية ، الجزء الأول ، كلية التربية جامعة المنوفية ، د ، ث .
3- جمال أحمد السيسي :ياسر ميمون عباس ، محاضرات في أصول التربية ، كلية التربية النوعية ، جامعة المنوفية ، 2007 .
4- إبراهيم عصمت مطاوع : أصول التربية ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1995 .
5- محمد الهادي عفيفي ، في أصول التربية ، الأصول الثقافية للتربية – القاهرة – مكتبة الأنجلو المصرية ، 1985 .
6- محمود السيد سلطان بحث في عملية التربية ، صحيفة الآداب والتربية ، الكويت ، جامعة الكويت ، ع 8 ديسمبر 1975 .
7- محمود السيد سلطان ، مقدمة في التربية ، جدة ، المملكة العربية السعودية دار الشروق 1983 .
8- محمود السيد سلطان ، دراسات في التربية والمجتمع ، القاهرة ، دار المعارف 1975 .
9- محمد عبد السميع عثمان : الأسس الاجتماعية والثقافية للتربية ، الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية ، كلية التربية ، جامعة الأزهر 2004 .

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

استكشاف أفضل طرق التعلم

تتعدد طرق التعلم من شخص الى آخر، كما تختلف باختلاف المواضيع الدراسية التي يراد تعلمها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *