تعودنا ان نقول: ان تكرار المهارة أية مهارة يفيد في تعلمها. فهل الأمر على هذا النحو؟ وهل مجرد تكرار الطفل مثلا لمهارة من المهارات اللغوية كاف ليتقنها؟ بالطبع، لا، اذ لا بد ان يتم تكرار المهارة على نحو صحيح حتى نقول ان هذه القاعدة المتداولة سليمة، ما الفائدة اذا قام الطفل الصغير بتكرار مهارة على نحو خاطىء.
انه في هذه الحالة، لم يستفد من عملية الاعادة لانه لم يجد منذ البداية وحين وقع في الخطأ اللغوي- وقد اخترت مجال اللغة بحكم تخصص فيه . من يصححه فورا، حتى يستقيم لسانه على النطق الصحيح لهذه
الصيغة اللغوية او تلك.
ولعل هذه الظاهرة تبدو واضحة في درس ( المطالعة العربية ) او ( النصوص ) .. فاذا ما أخطأ الطفل او بالاحرى ( المتعلم ) في المرحلة الابتدائية الدنيا، في نطق مفردة من المفردات، وسها معلمه عن تصحيح خطئه، فانه سيدأب في الغالب على التكرار الخاطى.
من هنا، على المعلم ان يكون يقظا جدا وهو يتابع قراءة طلابه حتى لا يتعلموا المهارة اللغوية على نحو غير صحيح.. ومن الطرق التي أراها خاطئة في تعلم النص ومع الأسف فهي شائعة لدى كثير من المعلمين في المرحلة الابتدائية او الاساسية. كما تسمى اليوم. مطالبة التلاميذ بالقراءة الجهرية الجماعية للنص بعد قراءة المعلم له.. فهذه الطريقة . كما ارى. غير مأمونة العواقب، لان بعض التلاميذ وبخاصة الضعفاء منهم سينطقون بعض المفردات الواردة في النص بصورة غير سليمة كأن يرفعوا المنصوب او ينصبوا المرفوع او يخطئوا في ضبط الحروف الواردة في وسط الكلمة.. في مثل هذه الحالة يصعب على المعلم غالبا ان يكتشف الطلاب الذين أخطأوا في نطق هذه المهارة اللغوية او تلك.
قد يقال هنا، إن المعلم بهذه الطريقة يضمن قراءة جميع تلاميذ صفه للنص، ولكننا ننسى انه لا يضمن سلامة نطق الجميع ناهيك عن ان بعضهم خشية ان يخطىء فيكتشفه المعلم الذي قد يلومه او يؤنبه، يلوذ بالصمت، دون ان يفطن المعلم الى ذلك! وعليه، فاني ارى ضرورة ان يتم اقراء كل تلميذ على حدة، ولو بضعة اسطر.. اما الضعفاء في القراءة يتم اقراؤهم في النهاية ضماناً لقلة الاخطاء، حيث انهم من خلال متابعتهم الجادة لقراءة الاقوياء من زملائهم، سيقرأون على نحو افضل بكثير، مما لو تم ذلك مباشرة بعد قراءة المعلم.
ومن المهم ان اشير الى ان بعض أولياء الامور، وحرصا منهم على متابعة اطفالهم في الدراسة، قد يقرأون لهم النص دون ان يفطنوا الى الحركات الصحيحة لأواخر بعض مما يوقع هؤلاء الاطفال في التكرار الخاطىء للنص.. وهنا سأشير الى هذه التجربة التي مررت بها حين كنت معلما..!
قابلنى ذات مرة والد احد الاطفال محتجاً تدني علامة ابنه في نص من النصوص المقررة عليهم حفظها.
فقد أكد لي انه تابع طفله وهو يقوم بعملية الحفظ للنص الذى تم امتحان التلاميذ فيه، كما قام بقراءته امامه.. وكما قال، فقد سمع ابنه النص دون اي خطأ؛ وهنا ناديت الابن، وطلبت اليه تسميع النص امام والده، فأحصيت له سبع غلطات تتعلق بضبط اواخر المفردات.
وقد اكتشفت فيما بعد، ان هذا الوالد نفسه لم يقرأ النص وهو يتابع ابنه قراءة سليمة تحرص على ضبط اواخر الكلمات، مما جعل الطفل يقع في الخطأ بالرغم من عملية التكرار التي أكدها الوالد!
ما معنى هذا؟ معناه ان مجرد التكرار. كما اسلفت، لا يفيد في عملية التعلم الا اذا اقترن بالإتقان الصحيح للمهارة!
وكم يصعب ان ترد لسان الطفل الى نطق هذه المفردة او تلك على نحو صحيح، اذا كان قد دأب على تكرارها بنفسه على نحو خاطئ!
ولعل المعلمين في مدارسنا يوافقونني على ما ذهبت اليه.. فالطفل الذي يخطىء في نطق مفردة ترد في هذا السياق اللغوي او ذاك، ثم لا يجد من يصحح خطأه فورا، ويطالعه بتكرار النطق الصحيح للعبارة كلها، فانه قد يكرر الخطأ فيما بعد، وان حاول معلمه جاهداً تصحيحه.
خلاصة القول: علينا كمعلمين واولياء امور نتابع اطفالنا ان نعي اهمية التكرار الصحيح في عملية التعلم وان نميزه عن التكرار الخاطىء.
وحتى نجنب الاطفال ذلك، فلنبادر الى تصحيح اخطائهم في قراءة النص فورا ، ولندرك انهم في هذه السن، من العسير عليهم اكتشاف الخطأ بأنفسهم.
يوسف عبدالله محمود