لعب الأطفال ليس هدرا للوقت – كما يعتقد بعض الاباء والأمهات – أو نوعا من الترف – اذا جاز التعبير – يمكن الاستغناء عنه.
أن ممارسة «اللعب» ضرورة لبناء شخصية متكاملة بعيدة عن الانطواء والقصور المعرفي، وضألة المهارات، من هنا على أولي الأمر في الأسرة، تشجيع أبنائهم وبنائهم في السن المبكرة على «اللعب» الذي ينشط الجسم ويشحذ العقل، ويحفز المهارات، وكما هو معروف، فالأطفال بحاجة إلى اقتناء بعض «اللعب» الخشبية أو البلاستيكية أو المعدنية التي تناسبهم.
وعليه، فان توفيرها لهم يجعلهم يقبلون عليها بحماس وشوقي، ويتعاملون معها بيقظة معرفية تثري هويتهم الثقافية وتتيح لهم النمو البدني والنفسي المتوازن، وحتى يتم ذلك على هذا النحو، ينبغي اشتقاق هذه «الالعاب» من بيئة الطفل قدر المستطاع، بمعنى أن تكون من موروث هذه البيئة وخصائصها تتعامل مع مفرداتها وصورها، مع نباتاتها وحيواناتها، تستلهم تقاليدها وتراثها وقيمها، عندها سيشعر الطفل حقا وهو يمارس عملية اللعب، أنه غير بعيد عن بيئته التي ترعرع فيها .
ومع الأسف، فان ما نطلبه هنا ليس متوفرة كما يجب، في مجتمعاتنا العربية، «فالألعاب التي نضعها بين أيدي أطفالنا تم تصميمها وفق هوية ثقافية اخرى تختلف عن هويتنا الثقافية، بمعنى انها تنأي بهم في أحيان كثيرة، عن خصائص بيئتهم التي يعيشون فيها، ناهيك عن أن بعضها يغوي الطفل في أن يكون «عنيفا» يمارس «العنف»، وهذا ما يتعارض مع القيم الإنسانية المستحبة التي نحرص على تعلق اطفالنا بها.
بالطبع، فاني لا ادعو هنا الى عدم الانفتاح على ثقافة الاخرين، أو حرمان اطفالنا من الافادة منها، فثمة قواسم مشتركة، لا أحد ينكرها بين العواطف الإنسانية والإرث المعرفي لدى كل الشعوب.
ولكنني ادعو الى الاهتمام اولا بالبيئة المحلية، والا قد يخسر الطفل هويته الثقافية، ولا يعود يلتفت الى غير هوية الاخرين؟
بعبارة أخرى، أن تغييب مفردات البيئة التي يعيش فيها الطفل عنه، قد يودي به في المستقبل إلى ازدراء هذه المفردات، وتفضيل مفردات الآخرين عليها.
علينا كمربين ومهتمين بحياة الطفل النفسية والثقافية ان نوجه عناية خاصة إلى هذه الناحية، والا نسمح بتجاهل ارثنا من العادات والتقاليد والقيم واللغة.
ان من المهم جدا أن نقيم علاقة حميمة بين طفلنا العربي وبين بيئته، بحيث يألف موجوداتها المادية ولن يتسني ذلك الا اذا حاول المختصون في عالمنا العربي توفير «العاب» نابعة من البيئة ومنصبة عليها .. «العاب» يستطيع الطفل عندنا من خلالها تمثل شتى مظاهر الحياة فيها، فيتعرف على حيوانها وشجرها وبحرها وأنهارها، ويألف حكاياها وعاداتها وقيمها .. وهنا تحضرني حكاية ابن لي – اصطحبته حين كان طفلا الى مسقط رأسه وكان انذاك في السادسة من عمره .. وما زلت اذكر انه حين رأی «حمارة» يسير قريبا منه هرب واحتمي بي!
اما السبب في ذلك، فهو انه في البيئة التي انتقل اليها بعد ولادته مباشرة، لم يقدم اليه مثل هذا الحيوان من خلال «الالعاب»، او برامج الأطفال التلفزيونية. ومن هنا حين رآه لاول مرة يسير على الأرض، وهو الذي لم يألفه، خاف منه ولاذ بي! , وعليه، فان على المعنيين في بلادنا العربية أن يدخلوا الى عالم «الطفل» منذ سن مبكرة صور وأشكال البيئة الخاصة بنا، حتى يأنسوا إليها، فلا تبدو غريبة عليهم .. .
عليهم تفعيل هذه الصور والاشكال من خلال «الألعاب» القريبة منها، التي تفتح عيون الأطفال على مشاهد «الطبيعة» في بيئتهم، ومن خلال البرامج التلفزيونية الخاصة بهم والمستمدة من حكايا «التراث» العربي الذي يمتلك بحق خصوبة، هي بحاجة الى المبدع الذي يحسن تبسيطها ومن ثم تقديمها لأعزائنا «الأطفال» .
يوسف عبدالله محمود