الأمواج الصوتية والضوضاء
مسببات الضجيج
آثار الضوضاء على الإنسان
التحكم بالضوضاء
الضجيج قديم بالنسبة إلى الإنسان، إذ تشير بعض الكتابات على بعض الألواح الطينية التي وُجدت في سومر وبابل إلى الملل والسأم من المدينة التي تعج بضوضاء الإنسان، كما كان يُمنع إصدار الأصوات ليلاً في المدن الإغريقية والرومانية، وتُفرش الشوارع حيث كان يسكن الفلاسفة بمواد تُقلل من أصوات العجلات وحوافر الخيل، ومُنِعت إقامة الصناعات المعدنية في مراكز المدن، لأنهم كانوا يُعدون أن الضوضاء تحد من قدرة الفلاسفة والمفكرين على التفكير والعطاء. أما دانتي صاحب الكوميديا الإلهية، فقد عدَّ الضجيج من اختراع الشيطان، لأنه يقضي على التركيز ويمنع العقل من الإبداع. وابتداءً من منتصف القرن الماضي بدأت الضوضاء تثير الاهتمام، خاصة بعد معرفة العلاقة بينها وبين نقص السمع لدى الحدادين في البداية، ومن ثم بين العاملين في الصناعات المُحدِثة للضوضاء.
الأمواج الصوتية والضوضاء
الصوت أمواج لها صفة الانتظام وطبيعة موسيقية أو متناسقة، أما الضجيج فهو أصوات غير مرغوبة. ينتقل الصوت في الهواء على شكل موجات متتالية، إذ تهتز جزيئات الهواء، وتنتشر الموجات في جميع الاتجاهات، وتُسمع لدى ارتطامها بجهاز السمع في الأذن. السرعة والبطء اللذان يتذبذب بهما مصدر الصوت يؤديان إلى تذبذب الهواء، ويُحددان خاصية أساسية للصوت تُعرف باسم التردد. ويتلو كل ارتفاع في ضغط الهواء انخفاض فيه، وهما يُشكلان معاً الذبذبة Cycle، ويقاس التردد بعدد الذبذبات في واحدة الزمن.
تتميَّز كل موجة صوتية بتردد خاص، ويُمكن للأذن البشرية السليمة أن تُميِّز الأصوات ذات الترددات المحصورة بين 20 ذبذبة و20 ألف ذبذبة في الثانية الواحدة. وأكبر قدرة للأذن على السمع تقع بين تردد ألف ذبذبة و4 آلاف ذبذبة في الثانية. ويجد الإنسان المُسن صعوبة في تمييز الأصوات التي يزيد ترددها عن 12 ألف ذبذبة في الثانية. وتقع الأصوات المُستعمَلة في التخاطب بين 200 ذبذبة في الثانية و6 آلاف ذبذبة في الثانية. وتُقاس شدة الصوت بواحدة قياس تسمى الديسيبيل.
مسببات الضجيج
ازدادت الضوضاء في عالمنا المعاصر ازدياداً مطرداً، فلم يعد مقتصراً على المدن الكبرى والمناطق الصناعية، بل وصل حتى الأرياف. وأهم مسببات الضجيج:
– وسائل النقل المختلفة التي تكتظ بها شوارع المدن والطرق العامة بين المدن، ويقدَّر عدد السيارات التي تمر في كل شارع من شوارع المدن الكبرى في ساعات الازدحام بما يصل إلى 6 آلاف سيارة.
– عمليات البناء المتنوعة والإنشاءات والخدمات.
– الضوضاء المتنوعة الصادرة عن الصناعات المتنوعة.
– الطائرات، وخصوصاً النفاثة منها والحوَّامات، إذ إن كثيراً من المطارات صارت مجاورة للمدن بسبب التوسع العمراني، إضافة إلى أن الطائرات ذاتها تطير فوق الأماكن الآهلة بالسكان.
آثار الضوضاء على الإنسان
معروف منذ القدم أن الأصوات المرتفعة والضوضاء هي مصدر خوف إنساني، فقد ارتبطت الظواهر الطبيعية المخيفة مثل الأعاصير والزلازل والرعود بالأصوات المرعبة، وأثارت الخوف لدى الإنسان لارتباطها بالأذى والموت. واستخدم الإنسان ظاهرة الصوت المرعبة في حروبه، إذ كان في الجيش الروماني قوات خاصة مهمتها التفنن في إثارة الضوضاء والأصوات المرتفعة والقرع على الطبول لإخافة الأعداء. وأهم تأثيرات الضوضاء:
– التأثيرات النفسية، وتتلخص في أن الضجيج الذي تزيد شدته عن 60 ديسيبيل يؤثر على قشرة المخ، ويؤدي إلى استثارة القلق وعدم الارتياح الداخلي والتوتر والارتباك وعدم الانسجام والتوافق الصحي.
– التأثيرات العصبية الوعائية، إذ يُحدث الضجيج اضطرابات في الجهاز العصبي والجهاز القلبي الوعائي وأعراض مرضية أُخرى، أهمها أعراض مرض ضعف السمع واضطراب التوازن. وأما الأمراض الأكثر خطورة المتأتية عن الضجيج المرتفع والمستمر، فهي أمراض الجهاز القلبي الوعائي، إذ يُلاحظ عدم انتظام النبض وارتفاع ضغط الدم وتضيق الشرايين وزيادة عدد ضربات القلب إضافة إلى التوتر والقلق الشديدين.
– نقص القدرة على العمل، إذ تُبيِّن الدراسات أن الأشخاص الذين يعملون في أجواء يرتفع فيها مستوى الضجيج يُعانون من أمراض الجملة العصبية أكثر بثلاث مرات ممن يعملون في الأجواء الهادئة، ويعانون من أمراض ارتفاع ضغط الدم أكثر بـ1.4 مرة، ومن أمراض جهاز السمع أكثر بـ18.3 مرة، كما أن 70% ممن يشتكون من الضجيج المرتفع يشتكون أيضاً من الصداع والتحسس والتعب السريع وطنين الأذن، في حين أن 48% منهم يشكون من النوم غير الهادئ والأحلام المزعجة والفقدان الجزئي للشهية إضافة إلى الشعور بالضيق والانقباض.
– نقص القدرة السمعية، إذ تُبيِّن دراسة جرت أن عمال الصناعة يتعرضون إلى الضوضاء العالية بنسبة أكبر من سكان المدن، وأن نقص السمع يُلاحظ لدى العمال الذين يتعرضون إلى ضوضاء من مستوى 80 ديسيبيل وأكثر، إذ يشعرون في البدء بطنين الأذن وصداع غير دائم، ثم يشعرون بانخفاض في إدراك الأصوات ذات التردد المنخفض والمتوسط، ويزداد احتمال الإصابة بالصمم المهني كلما زاد مستوى الضوضاء وطالت مدة التعرض إلى الضجيج. ويحتل فقدان السمع المكان الرابع بين الأمراض المهنية في ألمانيا. ويبدأ فقدان السمع بين سكان المدن الكبرى ابتداءً من سن الخامسة والعشرين، بينما لا يبدأ في مناطق إفريقيا الريفية إلا بعد سن الستين، وفي بعض الأحيان بعد الخامسة والستين.
التحكم بالضوضاء
يتطلب التحكم بالضوضاء جملة من الإجراءات، أهمها:
– نشر الوعي بأخطار الضوضاء على الصحة العامة وخصوصاً على صحة الأطفال سلامة نموهم الجسدي والفكري، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة.
– بناء المدارس والمستشفيات بعيداً عن مصادر الضوضاء، وخصوصاً الطرق العامة المزدحمة بالسيارات، على ألا تزيد شدة الضوضاء عن 40 ديسيبيل في المدارس و(30 – 35) ديسيبيل في المستشفيات.
– منع مكبرات الصوت وأجهزة التسجيل في شوارع المدن والمقاهي والمحلات العامة، ووضع القوانين التي تحد من رفع أصوات أجهزة التسجيل والراديوهات والتلفزيونات.
– إبعاد المطارات عن المدن والمناطق الآهلة بالسكان مسافة لا تقل عن (25- 30) كم.
– إصدار التشريعات اللازمة، وتطبيقها بحزم لمنع استعمال منبهات السيارات ومراقبة ضجيج محركاتها، وإيقاف كل مصادر الأصوات العالية
التلوث الضوضائي خطير على صحة الانسان وحياته