أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري

يعتقد الكثيرون إن بداية الاهتمام بظاهرة الاحتباس الحراري هو سبعينيات القرن العشرين وتحديداً بعد مؤتمر ستوكهولم العالمي للبيئة عام 1972 الذي ناقش ولأول مرة هذه الظاهرة وأعدها ظاهرة تحتاج إلى الدراسات المستفيضة بغية الوصول إلى نتائج تساعد العلماء على تحليل هذه الظاهرة وإيجاد الحلول المناسبة لها.

وقد حذرت الأكاديمية العلمية الأمريكية National Academy of Science في سبعينات القرن الماضي من أخطار الاحتباس الحراري ، كما وشهدت نفس الفترة اهتماماً كبيراً من قبل الهيئات الدولية والوطنية ووسائل الإعلام بظاهرة الاحتباس الحراري.

الا ان هذا الاعتقاد هو اعتقاد خاطئ وذلك لان الاهتمام بظاهرة الاحتباس الحراري من خلال الإهتمام بموضوعة ارتفاع درجة حرارة الأرض بدأ بالعالم الفرنسي فورييه Fourier عام 1842 م عندما حاول إيجاد تفسيراً او سبباً معقولاً لظاهرة دفء الأرض. توصل العالم فورييه أثناء بحوثه إلى إن السبب لابد وان يعود الى الغلاف الجوي للأرض الذي يعمل مثل سقف البيت الزجاجي حيث يحبس الحرارة تحته وبهذا توصل العالم فورييه الى نصف الحقيقة.

أما العالم البريطاني تيندال Tendal الذي أجرى ابحاثاً مخبريه عام 1865م على قدرة غازي ثنائي أوكسيد الكربون وبخار الماء على إمتصاص الحرارة وقام بقياسات توصل من خلالها إلى تحديد مسؤليتهما عن ظاهرة دفء الأرض (الإحتباس الحراري). وكان العالم السويدي ارهانيوس Arrhenius قد طرح في عام 1896 م نظريته في تفسير ظاهرة دفء الأرض عندما أشار الى احتمال إرتفاع درجة حرارة الأرض وغلافها الجوي نتيجة لزيادة إنبعاث غاز ثنائي اوكسيد الكربون بسبب حرق الفحم الحجري. وقام بإعداد نماذج حسابية لتحديد مقادير الزيادة في درجات الحرارة وكمية غاز ثنائي أوكسيد الكربون والفترة الزمنية اللازمة لحدوث هذه الظاهرة. أما العالم الأمريكي تشيمبرلين Schemberlin فقد أيد نظرية العالم السويدي ارهانيوس حول مسؤولية غاز ثنائي أوكسيد الكربون عن ظاهرة دفء الأرض وأضاف بأن لهذا الغاز دوراً اساسياً في حدوث العصور الجليدية الحديثة جيولوجياً.

إن اشعة الشمس التي تصل للأرض هي المصدر الأساسي للطاقة ومنها تستمد الأرض الحرارة التي تحتاجها من اجل استكمال الحياة . فالنبات يستفيد من الطاقة الواصلة عبر أشعة الشمس مستفيداً من الكربون الموجود في غاز ثنائي أوكسيد الكربون والماء ليقوم بعملية التركيب الضوئي اللازمة لاستمرار الحياة فوق الأرض كما في المعادلة التالية.

وبدون أشعة الشمس والطاقة الناتجة عنها لأصبحت الأرض كوكباً بارداً لا يمكن العيش فيه ولا يحتوي على كائنات حية. والشمس هي عبارة عن مفاعل نووي هائل تحدث فيه تفاعلات نووية تصل درجة الحرارة حوالي 15 مليون درجة مطلقة. إذ تتحد إثنين من البروتونات (الهيدروجين) مع إثنين من النيوترونات لتكوين ذرة واحدة من الهليوم (He) مع فقدان قدر قليل من الكتلة التي تتحول الى طاقة حرارية هائلة تطلقها الشمس الى الكواكب المحيطة بها ومنها الأرض. تعرف الأشعة الشمسية بانها إشعاعات كهرومغناطيسية تنبعث في مسار مستقيم وبسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة على شكل تموجات تدعى الفوتونات (Photons) التي تحمل معها الطاقة الى الأرض. ويمكن التمييز بين مختلف الإشعاعات الشمسية من خلال أطوال موجاتها والتي تقاس بالنانومتر ويساوي واحد من المليون من المليمتر. وتستطيع عين الإنسان رؤية الإشعاعات التي أطوالها بين 390-750 نانومتر وتسمى الإشعاعات المرئية.

يصل حوالي 50% من مجموع الأشعة الشمسية التي تخترق الغلاف الجوي باتجاه الأرض لتزويدها بالطاقة اللازمة لتسخين اليابسة والمحيطات ويقوم النبات بالاستفادة منها في عملية التركيب الضوئي. تقوم الغيوم بامتصاص وعكس 42% من الأشعة الواصلة الى الغلاف الجوي فيما ترتد 5% من الإشعاعات الى الفضاء الخارجي نتيجة لاصطدامها بالجسيمات الصلبة الموجودة في الغلاف الجوي بينما تنعكس 3 % من الأشعة الكونية الى الفضاء الخارجي بعد اصطدامها بالأرض(البيدو) دون تغير في أطوال موجاتها.

ما هي ظاهرة الاحتباس الحراري (الدفيئة) ؟

تمكن العالم الانكليزي جيمس واط James Watt عام 1765 م من اكتشاف أهمية الطاقة البخارية فقام بتصنيع اول ماكنة الية تعمل بالطاقة البخارية وأدى هذا الاكتشاف العلمي المهم إلى ولوج الإنسان مرحلة جديدة سميت الثورة العلمية الصناعية لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا. إجتاحت الثورة العلمية الصناعية بلدان اوربا وإستبدلت نمط الإنتاج اليدوي الفردي باسلوب الإنتاج الالي الصناعي الواسع. إستطاع الإنسان وبفضل تطور الإكتشافات العلمية وزيادة إستخدام الالات من تطوير الإنتاج الصناعي والزراعي وزاد من إنتاجية العمل بعد ان زاد من إستخدام الالات بدل القوة العضلية للإنسان القابلة للتعب والإرهاق. وصاحب هذا التطور في عملية الإنتاج حاجة ملحة لبناء تجمعات عمالية سكانية تستوعب الهجرة الحاصلة من الريف الى المدن وازدادت عدد المناجم التي يستخرج منها الفحم الحجري والمعادن الضرورية للصناعة وتنامي الحاجة الى وسائط نقل …… الخ.

ان الزيادة الحاصلة في الإنتاج الصناعي والزراعي صاحبتها زيادة مطردة في إستهلاك الطاقة الناتجة عن حرق الأخشاب والفحم الحجري وبقية انواع الوقود الإحفوري

لاحظ العلماء البيئيون والمختصون بالأنواء الجوية ان هناك إرتفاعاً تدريجياً في معدلات درجات الحرارة على الصعيد العالمي ابتداءاً من عصر الثورة العلمية الصناعية التي شهدتها أوربا في منتصف القرن الثامن عشر وقد أكدت البيانات الإحصائية المناخية صحة هذه المعلومات .

معروف ان جميع انواع الوقود الأحفوري هي مركبات عضوية هيدروكربونية تتكون من اتحاد عنصري الكربون والهيدروجين مع عناصر كيميائية اخرى منها الكبريت والرصاص والنيتروجين والأوكسجين.

يدخل الكربون كمكون اساسي في التركيب الكيميائي للجزيئات الهيدروكاربونية لذلك فان اي تفاعل او حرق للوقود الإحفوري ينتج غاز ثنائي اوكسيد الكربون وطاقة (E) وفقاً للمعادلة الآتية:


هذا وينتج عن حرق الوقود الإحفوري الحاوي على شوائب من عناصر كيميائية مختلفة مثل الكبريت والنيتروجين والرصاص وغيرها علاوةً على غاز ثنائي اوكسيد الكاربون انبعاث غازات أخرى مثل ثاني اوكسيد الكبريت والتي تزيد من تلوث البيئة وتخل بالتوازن البيئي الطبيعي. ويتحمل الإنسان من خلال نشاطاته المختلفة في الصناعة والزراعة والنقل والتعدين والتدفئة المسؤولية الرئيسة عن ارتفاع تركيزات غازات الدفيئة (غاز ثنائي اوكسيد الكربون وغاز الميثان وغاز اوكسيد النتروز) في الغلاف الجوي لكوكب الأرض.

من المعروف ان الشمس هي المصدر الرئيسي للطاقة في الكون وهي التي تمد الأرض بالدفء والحرارة عن طريق الأشعة الكونية التي تمر بالغلاف الجوي وصولاً الى الارض. تكتسب الأرض كأي جسم صلب الحرارة وتسخن وتقوم بعد ذلك بإطلاق جزء من الحرارة الى المحيط الخارجي على شكل أشعة حرارية تسمى الأشعة تحت الحمراء. من خواص غازات ثنائي اوكسيد الكربون والميثان واوكسيد النتروز وبخار الماء انها تقوم بإمتصاص الأشعة تحت الحمراء التي تطلقها الأرض ولا تسمح لها بالنفاذ الى الفضاء الخارجي فتحبسها في طبقات الهواء القريبة من سطح الارض.

كما وان غازات الإحتباس الحراري عندما تمتص الأشعة تحت الحمراء المنطلقة من الأرض تزداد حرارتها وطاقتها الحركية مما يؤدي الى ازدياد تصادمات جزيئاتها مع بعضها البعض ومع جزيئات الغازات الأخرى المكونة للهواء مولدة طاقة اضافية تساهم في إرتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي المحيط بالأرض. تقوم غازات الإحتباس الحراري برفع درجة حرارة طبقات الهواء القريبة من سطح الأرض وتساهم نفس الغازات بخفض درجة حرارة الطبقات العليا من الهواء في طبقة التروبوسفير.

إن ظاهرة الإحتباس الحراري لم تكن محسوسة ومعروفة في بداية الثورة الصناعية وذلك لأن تركيزات غاز ثنائي أوكسيد الكربون والغازات الأخرى المسببة لهذه الظاهرة لم تكن عالية كما هي عليه الان. كلما ارتفعت تركيزات غازات الإحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض قلت كمية الأشعة تحت الحمراء النافذة الى الفضاء الخارجي وهذا ما يفسر بروز ظاهرة الإحتباس الحراري في العقود الثلاثة الأخيرة.

وجد أن نسبة غاز ثنائي اوكسيد الكربون في الهواء والناتجة عن حرق الوقود الإحفوري قد ارتفعت من 280 جزء بالمليون قبل الثورة الصناعية الى 380 جزء بالمليون في بداية القرن الحالي. وإرتفعت نسبة غاز الميثان في الهواء من 848 جزء بالبليون قبل الثورة الصناعية الى 1800 جزء بالبليون في بداية القرن الحالي. اما غاز اوكسيد النتروز فقد ارتفعت نسبته من 280 جزء بالمليون قبل الثورة الصناعية الى 312 جزء بالمليون في بداية القرن الحالي .


يسهم غاز ثنائي اوكسيد الكربون بحوالي 50 % من إسهامات غازات الإحتباس الحراري الاخرى بسبب كمياته العالية المنطلقة للغلاف الجوي على الرغم من امتصاص النباتات لحوالي 25 % من هذا الغاز وذوبان حوالي 25 % من نفس الغاز في البحار والمحيطات والتي تعد مغاطس طبيعية تخلص المحيط الحيوي من غاز ثنائي أوكسيد الكربون. أما المحيط المتجمد الجنوبي فيمتص حوالي 25 % من تركيزات الغاز المنطلقة للغلاف الجوي. يقوم كل من الغطاء النباتي والمحيطات والمحيط المتجمد الشمالي والجنوبي بامتصاص الغاز وخزنه مما يبقيه حبيساً هناك مما يلغي اسهامه في ظاهرة الإحتباس الحراري وفي إرتفاع درجة حرارة الأرض.

إن زيادة نسبة غازات الاحتباس الحراري في الهواء وعدم إمكانية الطبيعة التخلص من الفائض من هذه الغازات سبب خللاً في التوازن البيئي لم يكن موجوداً قبل الثورة العلمية والصناعية والانفجار السكاني الذي أعقبها. تلعب زيادة تركيزات غاز ثنائي أوكسيد الكربون دوراً كبيراً في زيادة نمو النباتات لاعتمادها عليه في عملية التركيب الضوئي.

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

مبادرة الحزام الأزرق لحماية التنوع البيولوجي للمحيطات

محمد التفراوتي من الجميل أن تلتف القارة الافريقية بحزام الاستدامة وحماية التنوع البيولوجي البحري، والاجود …

3 تعليقات

  1. الشكر الجزيل لكم على البحث العلمي عن ظاهرة الاحتباس الحراري

  2. رائع جدا شكرا لموقعكم

  3. مع جزيل الشكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *