أسباب الكذب والسرقة عند الأطفال والحلول

على الرغم من مرور سنوات عديدة اكسبتني خبرة طويلة في العمل التربوي مع طلبة المدارس في مراحل دراسية مختلفة وبلدان متعددة، عجزت يوما عن معرفة السارق!! عذر من استخدام هذه الكلمة، ولكن أليس كل ما يؤخذ دون علم صاحبه عمدة يعد سرقة؟ ومع ذلك فقد حرصت على عدم التلفظ بها بين الأطفال، وسألتهم:

من اخذ سهوا شيئا يخص «س»؟

ثم حاولت استجوابهم فرادى وجماعات دون المس بكرامة أحدهم ودون تفتيش حاجاتهم الخاصة لكنني لم أفلح، حين أقنعني احدهم بأسلوب مهذب وكلام لطيف ومتزن دون انفعال ولا ارتباك بأن ليس هو بالتأكيد، بينما الآخرون.. منهم من بكى ومنهم من تلعثم ومنهم من ارتبك.

وظهرت كل علامات الشك والريبة على وجوههم الا«هو» فقد بقي هادئا متوازن القول والإشارات.

فالذي اعتاد الكذب ولديه القدرة على إقناع الآخرين والذي يتمتع بذكاء وفطنة يستخدمهما في إخفاء فعلته القادر على ابعاد اصابع الاتهام عنه، لأنه لا ينجح في اخفاء فعلته من كان دون الذكاء المتوسط. ومثل هذا يستطيع بكذبه المرتب أن يفعل جميع المعاصي ثم ينكر وليس في السرقة وحسب.

هناك امثلة كثيرة تحصل يوميا على مسرح الحياة وبخاصة الحياة المدرسية التي تضم نماذج وشرائح مختلفة باختلاف بيئة وظروف كل واحد ولا يجمع بينها سوى المرحلة العمرية والدراسية.

يذكر بعض علماء النفس أن نزعات الطفل الأساسية في مطلع حياته تنمو نحو إشباع رغباته بسعيه في الحصول على اللذة والقوة والمكانة فإذا أدركنا ذلك، صرنا نتوقع منه الشروع في امتلاك كل ما يقع في متناول يده منذ سن مبكرة، وهذا ما يرفضه المجتمع لاحقة.

ومن الممكن جدا تدريب الطفل على احترام ملكية الآخرين عن طريق احترامنا لممتلكاته أولا، فإذا لم يتدرب الطفل في محيط الأسرة على التفرقة بين ما يخصه وما يخص اخوانه ووالديه، يكون من الصعب أن نتوقع منه أن يكون أكثر تمييزا بين ما يحق وما لا يحق له خارج البيت – من أولاد الجيران وزملاء المدرسة – وهذا ليس بالأمر اليسير.

ففي المنزل تكون اغلب الأدوات ملكا مشاعا لأفراد الأسرة جميعا حتى يختلط الأمر على الحامل لا بد فيها وغريزة الاقتناء وحب التملك تكون قوية عند الكثيرين وللأسف لا يكترث بعض أولياء الأمور ولا يدركون ما يتأتی من مثل هذه الأمور مستقبلا مما يؤدي الى سلوكيات غير مقبولة وضارة للطفل فيما بعد، كما أن تعليم الطفل عدم اخذ حاجيات غيره واحترام ملكيته يبدأ من احترامنا لحاجياته الخاصة من لعب، وكتب و ملابس بعدم أبعادها عن غرفته الخاصة، كما تفعل بعض الأمهات برمي بعض اللعب المكسورة أو الملابس القديمة دون علم الطفل حين يعود من مدرسته، ويستغرب ببداهة، كيف تتصرف أمه بحاجاته الخاصة والعزيزة عليه في كثير من الحالات لما يربطه بها من علاقة حميمة دون اذنه.

فهي تسرق، وقد كانت علمته صغيرا بعدم اخذ ممتلكات الاخرين دون استئذان، فلماذا تعاقبه، ولا تعاقب نفسها؟

وعبثا في مثل هذه الحالات تعليم الطفل وادراکه معنی الإيثار واهداء حاجياته للفقراء، فكما تأخذ امه حاجياته دون علمه يبدأ هو بأخذ حاجيات أشقائه ثم يتدرج بأخذ اقلام أو نقود زملائه في المدرسة. وقد يحصل احيانا تقلید الطفل لوالده الذي يتصرف بحاجيات وممتلكات افراد الاسرة حسب مشيئته دون استشارتهم فيرسخ لديه ان الاختلاس لیست عادة مذمومة ما دام البابا والماما يمارسانها.

والطفل يلجأ لذلك ليس للتقليد فحسب بل لإشباع رغبات تمنحه النشوة، نشوة المخاطرة والشعور بالقوة والنجاح في استغفال الآخرين مما يمنحه متعة الرضا والانتصار بامتلاك ما يجد ويلاقي هوى في نفسه ورغبة في اقتنائه.

أما موقف الأهل في حال اكتشاف أمر اختلاس ولدهم حاجيات غيره فيكون كما يأتي:

أ- فريق ينكر نكرانا شديدا، رافضا تصديق الحقيقة مخافة العار والسمعة السيئة التي قد تلحق بولدهم
فينفون نفيا قاطعة التهمة التي يوهمهم بأنها باطلة لانه يستطيع الكذب جيدا.

ب- فريق آخر يغضب من الطفل ويلجا لتأنيبه وتعنيفه ضربا وتهديدا وحرمانا جزاء ما اقترف ويبقى يذكره بفعلته كي لا ينسى العقاب دائما.

أما أسباب الاختلاس بين طلبة المدارس فهي الآتية:

* الانتقام: قد يلجأ بعضهم إليه کرد فعل بدائي وغريزي يقوم على الثورة على من اعتدى عليه فقد يحصل أحيانا أن يحطم الطفل ويكسر ما يأخذه من زميله ولا يستفيد منه لكن فقط ليغيظه مما يحقق له لذة الانتقام.

* الحصول على لذة النجاح في إعداد خطط محكمة بعدم اكتشاف أمره مما يجعله يشعر بالزهو والانتصار فيما اذا لم تكتشف فعلته.

* الغيرة: قد تكون عاملا للسرقة والاختلاس حين تلاحظ الطفلة الصغيرة زميلتها تضع الخواتم والأساور كل يوم او تمتلك القرطاسية الجميلة.

* الشعور بالنقص وجذب الانتباه بقدرته على فعل ما لا يستطيع غيره فعله.

* الحرمان، وهو ما قد يشكل للطفل أهمية خاصة اذا عاش بين مجموعة تفوقه اقتصادية واجتماعية.

* الإعلام: يساهم الإعلام بعرض افلام ومسلسلات يتعلم منها المراهقون أساليب الاختلاس فكثيرا ما يلتحق المراهق بشلة اصدقاء السوء ليسرقوا ما ليس بحاجة لاقتنائه بقدر ما يمنحهم ذلك نشوة الشعور بالقوة والسطوة.


وبعد.. لا بد من العقاب حال اكتشاف الأمر، لأن التساهل والإهمال يؤدي إلى التكرار الذي يزيد من خبرة الطفل حتى تصبح السرقة عادة يصعب الشفاء منها فتتمكن منه لتغدو بعد ذلك غاية في حد ذاتها. فالعقاب مهم وضروري خاصة حين يصل الطفل في نموه العقلي والاجتماعي الى التفريق بين ممتلكاته وممتلكات الاخرين.

ويجب العقاب كي لا نجعل من الطفل خطرا على نفسه ومجتمعه فيما بعد.

مي شبر

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

طرق التربية بين الماضي والحاضر

لطالما كانت التربية أحد الأسس الرئيسية لتشكيل شخصية الإنسان وتطوير المجتمع. ومع تغير الزمن، شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *